"مش عايزين العريش تاني.. كلها دم".. كلمات يرددها رجال ونساء أقباط نازحون من العريش إلى الإسماعيلية بإصرار يوحي بأن طريق العودة يبدو مسدودا، في الوقت الذي يلوح فيه المسؤولون بأن إقامتهم الحالية مؤقتة وعودتهم أمرا محتوما.
رغم افتراش باحات الكنائس وبيوت الشباب بـ"زكائب" الملابس والأثاث على نحو يعكس الارتباك وعدم الاستقرار، ومحاصرة النازحين بعدد كبير من الأزمات، لكن الطريق إلى العريش يبدو غائبا عن أذهان ذوي الأعمار الصغيرة والمتوسطة وغير حاضر سوى في ذاكرة الشيوخ الذين يتجاوز أعمارهم السبعين عاما.
وقتل سبعة أقباط على يد عناصر "تكفيرية"، بينهم اثنان حرقا خلال أقل من 3 أسابيع، ما أثار فزع الأسر القبطية المقيمة في العريش فنزحوا إلى الإسماعيلية ومحافظات أخرى.
الموظفون في خطر
وتقول (ص.ر) سيدة أربعينية تعمل بالتدريس بمدرسة الزهور الإبتدائية بالعريش "سيبنا بيوتنا وهدومنا وحالنا كله ومش عايزين نرجع تاني.. العريش كلها دم والرجوع هايخلينا كلنا مشروع شهدا".
وتضيف "بقالنا شهرين بنطلب من محافظ شمال سيناء ينقلنا خارج العريش أو حتى انتداب لأي مكان وهو مش راضي.. خايف على هيبة الدولة مش على حياتنا".
وتكررت شكوى عدد من الموظفين النازحين بشأن عدم منح الأقباط سوى إجازة شهر واحد من وظائفهم بتعليمات شفهية من محافظ شمال سيناء عبد الفتاح حرحور، ما يهدد الأوضاع الوظيفية لعدد منهم.
وتشير (ص.أ) إلى أنها وزوجها مهددان بالفصل من وظائفهما بوزارة التربية والتعليم، رغم ظروف النزوح وسيطرة عناصر الجماعات المسلحة على بعض أحياء العريش إلى حد توزيع منشورات وسط المدينة لمطالبة الستات بارتداء النقاب والرجال بارتداء الجلباب القصير وإطلاق اللحي.
وتقول "صوت الانفجارات بتوقعنا من فوق السراير كل يوم.. العيال الصغيرين جالها صرع من الخوف واحنا عايشين في حالة رعب.. العريش فارقها الأمن والأمان خلاص".
ويقيم ما يزيد على 133 أسرة من أقباط العريش في 7 أماكن بالإسماعيلية وهي الكنيسة الإنجيلية، والمستقبل، والقرش، والتأهيل المهني، وبيت الشباب، وهدى شعراوي، ومنطقة القنطرة، بخلاف عدد الأسر التي نزحت إلى محافظات أخرى، وفقا لحصر لجنة إدارة الأزمات بالكنيسة الأرثوذكسية.
تعويضات عادلة
ويشير (عادل. غ) شاب ثلاثيني من النازحين متزوج ولديه طفلان، بأصابع الاتهام بالتقصير إلى محافظ شمال سيناء، والأجهزة الأمنية، والكنيسة الأرثوذكسية على التوالي.
ويقول عادل إن المحافظ والأجهزة الأمنية لم يسعفوا يوما مستغيثا في العريش رغم تكرار حوادث القتل على أساس الهوية الدينية، منتقدا موقف الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، الذي رفض استضافة الأسر المسيحية داخل المطرانية أو الكنائس.
وسعى عدد من الأقباط إلى الاحتماء بالكنائس ومطرانية العريش بسبب تكثيف التأمين حولها دون منازل الأقباط التي باتت هدفا سهلا لعناصر الجماعات المسلحة في العريش طيلة الشهر الماضي.
ويضيف عادل أنه يمتلك منزلا 135 مترا ومحلا ومزرعة ويعمل في مجال التدريس، مطالبا الدولة بمعاملتهم مثل سكان رفح والشيخ زويد من خلال تقدير ممتلكاتهم وصرف تعويضات مالية لترتيب أوضاعهم خارج العريش.
ويقول "مش عايزين من الدولة إحسانا.. احنا عايشين كويس ومرتاحين ماديا ومش ناقصين كراتين الزيت والسكر والمكرونة"، مؤكدا أن غياب الأمن هو ما دفعهم للرحيل وبالتالي فإن العودة ستكون مشروطة بالتأمين الفعلي وليست التعهدات.
وقال مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، محمد يوسف، خلال زيارته لبيوت شباب محافظة الإسماعيلية والتي تستقبل وحدها حوالي 45 أسرة، إن "الفترة التي سيقضيها أقباط العريش خارج مدينتهم لن تطول"، مؤكدا أن وزارته ستقوم بتذليل العقبات الحالية المؤقتة والتي تتمثل في التسكين والتعليم والتوظيف.
ونشبت مشادات كلامية ساخنة بين عدد من الأقباط النازحين ورجال الشرطة من قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية خلال زيارتهم لبيوت الشباب بالإسماعيلية، يوم الاثنين، بشأن غياب التأمين عن أحياء العريش وعدم تلبية نداء الاستغاثة للضحايا الأقباط.
عام دراسي مهدد
ويلهو الأطفال من مختلف المراحل العمرية داخل باحات الكنائس والبيوت التي يقطنون فيها في الإسماعيلية دون الانتظام في مدارس بديلة عن مدارسهم في العريش.
ورغم تطمينات مسؤولي إدارة التربية والتعليم بالإسماعيلية بتذليل البيروقراطية، لكن خروج جميع الأسر القبطية من دون أوراق رسمية لهم ولأبنائهم من شأنه أن تحول دون انتظام أبناء النازحين بالدراسة في الغد القريب.
ويقدر عدد الأطفال المسيحيين من العريش في المراحل الدراسية المختلفة –التعليم الأساسي- حوالي 303 طلاب، بحسب تقديرات لجنة الأزمات بالكنيسة الأرثوذكسية.
وأعلنت جماعة "أنصار بيت المقدس" مسؤوليتها عن هجمات استهدفت قوات الأمن في سيناء وبعض المحافظات. وغيرت الجماعة اسمها إلى "ولاية سيناء" عقب مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق "داعش" في نوفمبر 2014.
مستقبل غامض
يقول المسؤولون الرسميون والكنسيون إن إقامة أقباط العريش في الإسماعيلية مؤقتة رغم رفض معظمهم العودة مجددا بسبب تردي الأوضاع الأمنية، ما يضيف غموضا حول مستقبل أوضاع النازحين بعد خروجهم من العريش.
وأوضح الأنبا بيمن، رئيس لجنة الأزمات بالمجمع المقدس في الكنيسة الأرثوذكسية، أن الدولة لم تتعهد بتسليم النازحين وحدات سكنية في الإسماعيلية أو في المحافظات الأخرى، وأن ما يتردد حول ذلك "محض شائعات".
وشكل مجلس الوزراء، يوم السبت الماضي، غرفة عمليات بالتنسيق مع الكنائس المصرية لحل أزمة المسيحيين النازحين من العريش، لكن مستقبل الأسر النازحة لا يزال غامضا وغير مستقر.
تعليقات الفيسبوك