عندما قرر البنك المركزي تعويم الجنيه بشكل كامل، في نوفمبر الماضي، كان من المفترض أن يمثل هذا خبرا سعيدا لإيناس هلال مديرة التصدير في شركة هارفست فوودز.
إذ أن تعويم العملة الوطنية في أي بلد -من الناحية النظرية- يسمح للمصدرين فيها بتخفيض أسعار منتجاتهم في الأسواق الخارجية، وهو ما يعطيهم ميزة تنافسية أمام منتجات الدول الأخرى.
لكن إيناس تقول إنه "ليس صحيحا أن تعويم الجنيه سوف يسمح للشركات بتخفيض أسعار منتجاتها في الأسواق التصديرية، لأن تكلفة الإنتاج ارتفعت جدا".
وأوضحت أن "قرار التعويم له ميزة وعيب، فهو صحيح قد يعطينا ميزة تنافسية في التصدير، لكنه أيضا له تأثير سلبي لأن كل الخامات ومستلزمات الإنتاج المحلية والمستوردة أسعارها تضاعفت".
التضخم في أسعار الخامات التهم الأثر الإيجابي للتعويم
ولا يتفق رأي إيناس مع تقديرات صندوق النقد الدولي الذي توقع أن تكون الصادرات المصرية أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية بعد تعويم الجنيه.
كما أن الصندوق توقع في الوثائق الخاصة بالقرض الذي قدمه لمصر، والتي أعلنها لأول مرة الأسبوع الماضي، أن يحل الاستثمار والتصدير كمحفزان للنمو الاقتصادي مكان الاستهلاك المحلي الذي طالما كان محركا رئيسيا للنمو.
وقالت إيناس إن "أسعار الكرتون والصفيح والفول والسمسم، وكلها خامات ومستلزمات إنتاج في شركتنا، أسعارها زادت بنسب وصلت في بعض الأصناف إلى 200%، هذا التضخم في أسعار الخامات التهم الأثر الإيجابي للتعويم".
ورصد مؤشر مديري المشتريات (PMI) الذي أصدره بنك الإمارات دبي الوطني، مطلع الشهر الجاري، أن تكلفة المشتريات في شركات القطاع الخاص ارتفعت "بوتيرة شبه قياسية" في شهر ديسمبر الماضي، الأمر الذي أدى إلى نقص المواد الخام في بعض الشركات وتقييد عملية الإنتاج.
وهو ما أرجعته الشركات التي يستطلع البنك رأيها إلى تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
وظل سعر الدولار ثابتا في السوق الرسمي عند مستوى 8.88 جنيه منذ مارس الماضي رغم تداوله في السوق السوداء بأسعار أعلى كثيرا وصلت قبل تعويم الجنيه يوم 3 نوفمبر الماضي بأيام قليلة إلى نحو 18 جنيها.
وبعد تعويم الجنيه ارتفع سعر الدولار بشكل متواصل في البنوك التي أصبحت مسؤولة عن تحديد سعره وفقا لآليات العرض والطلب، ويتجاوز سعره في البنوك حاليا مستوى 18 جنيها.
وقال إيهاب درياس، رئيس المجلس التصديري للأثاث، إن "الخشب الطبيعي الذي يعتبر خامة أساسية في صناعة الأثاث، كله مستورد، وأسعاره تضاعفت بعد تعويم الجنيه.. وهذا يمثل تحديا كبيرا أمام زيادة الصادرات".
وزير التجارة توقع أن ترتفع الصادرات بنسبة 10% بعد تعويم الجنيه
تكلفة الخامات ومستلزمات الإنتاج المستوردة ليست هي الوحيدة التي ارتفعت خلال الشهرين الماضيين، حيث أن مكونات الإنتاج المحلية ارتفعت أيضا بعد التعويم.
"سعر الغاز على مصانع الصباغة وقطاع الغزل والنسيج تضاعف بعد التعويم وهو ما ساهم في رفع تكلفة الإنتاج، ويهدد بتعثر بعض المصانع" يقول مجدي طلبة الرئيس الأسبق للمجلس التصديري للملابس الجاهزة.
وتبيع الحكومة الغاز للمصانع بأسعار مقومة بالدولار، وهو ما يعني أن ما تدفعه هذه المصانع بالجنيه تضاعف بعد تعويم الجنيه.
وكان وزير التجارة والصناعة طارق قابيل توقع أن يساهم تعويم الجنيه في زيادة الصادرات المصرية بنحو 10%.
وكانت الصارات السلعية غير البترولية تراجعت بنسبة 16.5% في عام 2015، واستمر انخفاض الصادرات في الشهور الأولى من العام الماضي، لكن وزارة التجارة والصناعة قالت في بيان لها مطلع الشهر الجاري إن إجمالي صادرات العام 2016 تجاوزت 20 مليار دولار بزيادة نحو 9% عن العام السابق.
والصادرات واحدة من أهم مصادر العملة الصعبة في مصر وكان تراجعها خلال الشهور الماضية أحد أسباب أزمة نقص الدولار.
توقعات طارق قابيل بزيادة الصادرات كانت تأخذ في اعتبارها أن مكونات الإنتاج المستوردة ستزيد أسعارها بعد تحرير سعر الصرف، ولذلك قال إن الشركات التي ستستفيد من التعويم في زيادة الصادرات هي تلك التي يمثل المكون المحلي في إنتاجها 50% على الأقل.
"هذه هي المشكلة .. أغلب الصناعات في مصر المكون الأجنبي يصل فيها إلى 60 و70% وهو ما يقلل فرصة استفادتها من التعويم" يقول طلبة وهو أحد أكبر المصدرين، وأحد المشاركين في إعداد الضوابط الجديدة لدعم الصادرات.
وأضاف طلبة أن التعويم وحده لا يمكنه أن يرفع الصادرات وأن المصانع في مصر تواجه مشكلات عديدة يجب حلها حتى تستفيد من أسعار الصرف الجديدة وتزيد صادراتها.
"حتى تستفيد المصانع من تعويم الجنيه كان لا بد أن نعمل على تعميق الصناعة المحلية وحل مشكلات المصانع المتعثرة وتوفير التمويل الميسر، وهي أمور كفيلة بمضاعفة الصادرات في مدة قصيرة وليس زيادتها فقط 10%" حسبما يقول طلبة.
كما أن استعادة الأسواق الخارجية ليس أمرا يسيرا، كما يقول محمود عفيفي رئيس شركة الدلتا للصلب.
وأضاف "لما بنفقد جزء من السوق العالمية..العودة له مش بتكون سهلة، لأن المنافسة شرسة، وهناك دول تقدم الدعم لصناعتها وتخفض عملتها من أجل السيطرة على الأسواق الخارجية".
لا يزال هناك أمل
رغم الزيادة التي طرأت على أسعار مدخلات الإنتاج المستوردة لكن إيناس تقول إن هناك أمل في الاستفادة من تعويم الجنيه إذا ما استقر سعر الدولار عند مستويات أقل من المتداولة حاليا خلال الشهور المقبلة بما يقلل من تكلفة استيراد الخامات.
كما أن تحرير سعر الصرف ساعد البنوك في جذب حصيلة دولارية مكنتها من توفير النقد الأجنبي لاستيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج وهو الأمر الذي كان شديد الصعوبة خلال العام الماضي، بحسب ما قاله عمرو أبوفريخة رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية.
وأضاف أبوفريخة "صادرات الصناعات الهندسية على سبيل المثال تراجعت خلال العام الماضي نتيجة لعدم توفير البنوك السيولة الدولارية اللازمة لاستيراد الخامات، الأمر الذي عطل الإنتاج في المصانع.. هذا الأمر تحسن كثيرا الآن".
وهو ما اتفق عليه درياس الذي قال إن "توفير الدولار من البنوك لشراء الخامات كان أمر صعب جدا خلال العام الماضي، وكانت الشركات تضطر لتعريض نفسها لمخاطر التعامل مع السوق السوداء، نحن نرى تحسنا كبيرا في توفير الدولار لشراء الخامات في الوقت الحالي".
وكان جان بول بيجات الباحث الاقتصادي في بنك الإمارات دبي الوطني قال في تعليق على نتائج مؤشر مديري المشتريات خلال ديسمبر الماضي، والذي أظهر استمرار تراجع آداء شركات القطاع الخاص غير المنتجة للنفط للشهر الخامس عشر على التوالي إن "الجانب المشرق في هذا الشهر أن طلبات التصدير الجديدة شهدت أبطأ وتيرة للانخفاض منذ سبتمبر 2015".
وأضاف أن "تخفيض قيمة العملة سيسهم في نهاية المطاف بتعزيز نمو الصادرات"، لكنه قال إن "هذا الأمر لن يحدث بصورة فورية".
وهو ما اتفق عليه طلبة الذي قال إن ظهور نتائج قرار التعويم على الصادرات لن يظهر قبل عام على الأقل.
كما أن أبوفريخة قال إن كل المصانع المصرية المصدرة سوف تستفيد من التعويم على المدى البعيد، "حتى إذا كان المكون المحلي لا يزيد فيها على 10%".
تعليقات الفيسبوك