الإجـراءات الصعبـة والـدواء الـمر.. بهذه الكلمات أطلقت وسائل إعـلام حملة لترويج خطط التقشف التي بدأت الحكومة تنفيذها بالفعل، وبدأ المصريون يشعرون بمراراتها يوما بعد الآخر.
الرئيـس عبد الفتاح السيسي، قال في خطاب بثه التلفزيون المصري أثناء افتتاح مصنع للبتروكيماويات في الإسكندرية إنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات إصلاح اقتصادي صعبة كان يتجنبها الرؤساء السابقون خشية اندلاع احتجاجات. وأضاف أن" المحاولة الأولى لإجراء إصلاح حقيقي كانت في 1977"، في إشارة إلى محاولة الرئيس الراحل أنور السادات رفع سعر الخبز، مما تسبب في انتفاضة شعبية شهدتها مصر في 18 و19 يناير1977 تراجع على إثرها السادات عن قراره.
آلة اعلامية ضخمة تشمل صحفا قومية وخاصة وقنوات تلفزيونية، تتصارع في اثبات الولاء للرئيس، يقـع على عاتقها مسؤولية إقناع المصريين بتحمل موجة غلاء قادمة لا محالة، في مسعى لتجنب تكرار سيناريو احتجاجات 1977.
حملة الصحف
حـوار صحفي استمر لمدة سبع ساعات أجراه رؤساء تحرير الصحف القومية الكبرى (الأهرام والاخبار والجمهورية) مع الرئيـس، تركزت غالبية محاوره على الوضع الاقتصادي السيء وضرورة تقبل المصريين للدواء المر. وقال السيسي خلال الحوار الذي نشر في الصحف الثلاث "صحيح أن الدواء مر المذاق، وأنه لابد من حلول مناسبة لتحقيق الإصلاح حتى لو كانت موجعة مؤقتا، لكننا نعمل على تخفيف العبء عن محدودي الدخل والطبقة المتوسطة من خلال قرارات، وأقول باختصار إن المقاتل لا يقاتل وحده ولابد أن يكون سنده شعبه يقاتل معه."
تصريحات السيسي تأتي عقب توصل الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي لاتفاق مبدئي على قرض قيمتـه 12 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات على أساس برنامج للإصلاح الاقتصادي.
وسبقت هذا الحوار عدة مقالات لكتاب كثر موالين للنظام تمهد لما سموه بالدواء المر، فمن جانبه أشاد ياسر رزق رئيس تحرير الأخبار المقرب من السيسي في مقال بعنوان "خطاب المصارحة وفاتورة الدواء" بصراحة الرئيس، وشجاعته، وثقته المطلقة في تفهم الشعب ووعيه، "وثقة الشعب الهائلة في صدقه وإخلاصه وحرصه علي البسطاء، التي قلما أولاها الشعب لأحد سواه". وأكد رزق على ضرورة أن يتقبل الشعب ما يتخذه الرئيس من إجراءات حتى وإن كانت صعبة لأنها في النهاية للصالح العام. وقال رزق إن دواء الاقتصاد المصري مر المذاق، وله أعراض جانبية كأي دواء.
أما الكاتب الصحفي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري فكتب في مقال بعنوان "قدر السيسي ومسئوليته" إنه ليس أمام السيسي خيارات أخرى، فإما هذه الإجراءات الاقتصادية الصعبة وإما الإفلاس، مشيرا إلى أنه تصدى بجرأة لمشكلات وأزمات متعددة عاشتها مصر طيلة العقود الأربعة الماضية، وقد طالت هذه الإجراءات فئات اجتماعية متعددة، مما تسبب فى حالة من التململ والرفض.
وانتقد الكاتب محمود الكردوسي في مقال بعنوان "كرباج الرئيس زعلان" المواطن المصري الذي بعد أن شعر بالأمان وأصبحت لديه دولة (بعد أن كانت شبه دولة)، لم يعد يفكر إلا في تأمين حاضره. وأضاف أن المواطن يريد أن يمارس حياته ويتمتع بحقوقه، ناسياً أن الدولة لا تزال مهددة ومستهدفة، وتلك هي المشكلة.
حملة التلفزيون وبرامج التوك شو
لم يكن مقدمو البرامج التلفزيونية أقل دعما للإجراءات الاقتصادية الحكومية من زملائهم في الصحف، فمن جانبه، شارك الإعـلامي أحمد موسى في حملة اقناع المصريين بخطط التقشف، وطالبهم خلال حلقة في رمضان الماضي لبرنامجه "على مسئوليتي" الذي يذاع على قناة صدى البلد المملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين بعدم الإسراف في رمضان، وأن يتناولوا إفطارا رخيص الثمن، كالبلح باللبن والعرقسوس. إلا أنه حين وصل إلى نهاية الحلقة بدا كأنه نسي ما قاله عن التقشف إذ فاجأ موسى المشاهدين بأنه سوف يتناول "الفخدة الضاني والقطايف على الإفطار".
أما الإعلامي عزمي مجاهد، مقدم برنامج "الملف" على قناة العاصمة المملوكة لرجل الأعمال سعيد حساسين، فقد اختار أسلوب الاشتباك مع المشاهدين إذ عاتب المصريين على انتقادهم للسيسي بسبب الإجراءات الاقتصادية الصعبة، وقال "عزيزى المواطن سواء كنت تعبان في عيشتك أو مستريح لو كان بيت حضرتك من إزاز فمفيش داعي تحدف بيت السيسي بالطوب، ماشي يا ننوس عين مصر".
وتابع مجاهد قائلاً إن "السيسي إيلي مشعجبك كنت بتبوس رجليه عشان يبقى رئيسك."
"يا ريت بعد ما تطفح وتشرب شايك وتضربلك نفسين جوزة تقعد مع نفسك يا حيلتها وتحط راسك بين رجليك وشوف انت بقى تعيش من غير شرف ولا كرامة، ولا تعيش من غير كهربا ولحمة وجوزة."
أمـا الإعـلامي أسامة كمال مقدم برنامج "القاهرة 360" على قناة القاهرة والناس فقد اعتمد على سياسة الإنكار حيث دافع عن قرض صندوق النقد الدولي، قائلاً: "غير صحيح إنه جاي على الفقراء وملوش علاقة بأي حاجة".
وقال كمال إن صندوق النقد الدولي لا يطلب سوى أن توجه موارد الدولة في الاتجاه الصحيح، لافتًا إلى أن مصر لا تعاني من حالة تقشف، مدللاً على ذلك بقوله "روح شوف اليونان.. المحلات مقفولة ومفيش إضاءة في الشوارع والمطاعم مفيهاش مظاهر بذخ زي هنا".
رأي الخبراء
ومن جانبه، يرى ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، أن الأداء الإعلامي المصري المواكب لسياسات رفع الدعم والتقشف الجديدة أغلبه يتسم بالتخبط والعشوائية ويستخدم تكنيكات يمكن أن تجلب رد فعل عكسيا.
وقال إن هناك أصحاب رأي تناولوا الموضوع بشيء من العقلانية لكن معظم أنماط الاعلام الموالي للحكومة تسير في اتجاه خاطئ. وأشار الى أن الفكرة المركزية في إعلام الموالاة هي اللعب على مبدأ التباين (المقارنة بين السيئ والأسوأ)، مضيفا أن مبدأ التباين "له طاقة لا يتعداها، وأعتقد أنه بلغ مداه وغير قادر على التأثير الفعال."
وقال عبد العزيز إن ما يثير الانتباه أن الحملة لها إدارة مركزية، مشيرا إلى أن الرسائل متشابهة ومكررة إلى حد كبير، الاختلاف الوحيد هو أن كل منصة إعلامية تضع لمستها. وأوضح أن المقولات الرئيسية تبدو موزعة من قبل إدارة مركزية.
تعليقات الفيسبوك