نسيان أفضى إلى صمت، هذا هو حال الذكرى الثامنة والستين لنكبة 1948، وهو المصطلح الذي يطلقه العرب على يوم 15 مايو من ذلك العام ويشير لقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين. وأصبح السؤال المطروح الآن هو ما إن كان العرب يتذكرون النكبة بعدما مر بهم من اضطرابات ونكبات في سنوات "الربيع العربي".
وتناثرت الاشارات للنكبة على استحياء في وسائل الإعلام المصرية هذا العام. وكتب محمد سلماوي في الأهرام أعرق الصحف المصرية والعربية "ما من شك أن سلسلة الثورات العربية المتتالية فى أكثر من قطر عربى والتى أطلق عليها الغرب اسم الربيع العربى، كانت السبب الرئيسى لتراجع الاهتمام العام بالقضية الفلسطينية."
وقال فرحات حسام الدين في مقال بالأهرام أيضا إن ذكرى "النكبة حلت علينا هذا العام والقضية الفلسطينية تواجه أسوأ مراحلها، فلم تعد قضية العرب الأولى التى خاض من أجلها العرب أربع حروب كبرى ضد الكيان الصهيوني.
"فقد تراجعت أولوياتها فى الاجتماعات والمؤتمرات والمنتديات وحتى فى القمم العربية ولم تعد تتصدر جدول الأعمال إلا ذرا للرماد فى العيون باعتبارها قضية العرب الأولي، نظرا لوجود نكبات عربية أخرى خلقت واقعا جديدا فى سوريا والعراق واليمن وليبيا."
وكان إحياء ذكرى النكبة في القاهرة أكثر صخبا في أعوام سابقة. ففي عام 2011 أضرم مصريون النيران في العلم الإسرائيلي خلال مظاهرة احتجاجية أمام السفارة الإسرائيلية. وفي عام 2012، انطلقت من القاهرة دعوات لتدشين مظاهرات إلكترونية ضخمة تستهدف أشهر الصفحات الإسرائيلية على فيس بوك للتنديد بذكرى النكبة وتدهور أحوال السجناء الاسرى الفلسطنيين بالسجون الإسرائيلية.
لكن هذا العام اقتصرت أنشطة إحياء الذكرى على دعوة إلى وقفة مساء اليوم الأحد أمام نقابة الصحفيين، وحملة أطلقتها الحملة الشعبية المصرية لمقاطعة "الكيان الصهيوني" خلال مؤتمر صحفي عقدته مساء السبت بمقر نقابة الأطباء.
ويؤكد الموقف المصري الرسمي على اعطاء أولوية للقضية الفلسطينية. وخلال لقاء الأسبوع الماضي في القاهرة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفلسطيني محمود عباس، أكد السيسي ثبات موقف مصر إزاء دعم القضية الفلسطينية ومواصلة تفاعلها الإيجابي مع المبادرات التي من شأنها مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مشددا على دعم إقامة الدولة الفلسطينية علي حدود الرابع من يونيو1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لكن السيسي يسير على خيط مشدود في تعامله مع السلطة الفلسطينية واسرائيل. وقالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية هذا الأسبوع إن مصر وإسرائيل تبدوان الآن على شفا تحالف استراتيجي جديد ولكن لم يتضح بعد ما إن كان الشعب المصري سوف يدعم مثل هذه الخطوة.
وذكرت المجلة أنه مع تركيز السيسي اهتمام القاهرة حاليا على الحرب ضد الإسلام السياسي، فهناك سبب للاعتقاد بأن إسرائيل سيكون لها شريك في مصر في المستقبل القريب. لكن وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ما زال في مرحلة التشكل في مجال الرأي العام.
تأثير الإسلام السياسي
وقال سلماوي في مقاله بالأهرام إن القضية الفلسطينية دفعت ثمنا باهظا بسبب امتزاج حركات المقاومة الفلسطينية بمسحة دينية. وأضاف أن الاهتمام بالقضية تراجع منذ أن "اختلطت المقاومة بحركة الإسلام السياسى، فبدأت تتراجع صورتها الدولية، ويقل التعاطف معها، وطغت عليها المسحة الدينية المتطرفة فسهل على أعدائها وصمها كلها بالإرهاب.
"ووسط ذلك المناخ صعدت حماس إلى الحكم فى غزة، وناصبت السلطة الشرعية فى الضفة الغربية العداء، ففتحت بذلك الباب واسعا لضرب القضية الفلسطينية برمتها."
وتحت عنوان "من منكم يتذكر النكبة؟" كتب د.رفعت سيد أحمد في الأهرام قائلا "وفى أجواء ما سُمى بالربيع العربى غابت فلسطين بنكبتها عن المشهد السياسى، وحضرت الفتن والحروب بالوكالة، وإرهابي داعش" في اشارة إلى تنظيم الدولة الاسلامية.
ومن جانبه، عزا حسن نافعه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية بشكل جزئي لانشغال الدول العربية ومن بينها مصر بأمور أخرى منها الطائفية والصراعات الحديثة التي ظهرت على الساحة.
يأس وانقسام
وقال مصطفى كامل السيد أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة القاهرة، إن غياب القضية الفلسطينية عن الشارع المصري والعربي يعود إلي وجود مشاكل داخلية جذبت اهتمام المواطن، كما أن المواطن العربي والمصري أصابته حالة يأس من الوصول لحل للقضية، مشيراً إلي وجود حالة من الانقسام بين الدول العربية حول القضية الفلسطينية.
وأضاف السيد، في تصريح لأصوات مصرية، أن الدعاية المضاد لحركة حماس في مصر جعلت المواطن يظن أن حماس هي السبب في المشاكل التي تعانيها مصر مع الإرهاب وهو ما أبعد جزءا كبيرا من المواطنين عن القضية الفلسطينية.
وقالت الروائية عزة رشاد إن القضية الفلسطينية خسرت كثيرا كنتيجة طبيعية لما تشهده الفصائل الفلسطينية من انقسامات جعلت من الصعب التعامل مع الأمر ككتلة واحدة وبالتالي أضرت بالقضية.
وأضافت أن"الشغف الكبير الذي صاحب القضية الفلسطينية تراجع جراء ظهور قضايا أخرى على الساحة السياسية على رأسها الارهاب وانشغال الدول العربية بمحاربته بشتى الطرق، الأمر الذي طغى على ساحة الرأي العام تاركا ظلاله على القضية الفلسطينية".
وعبر مواطنون في الشارع المصري عن اعتقادهم بضرورة اعطاء الأولوية للوضع الداخلي.
ويري هشام علي (27 عاما)، الطالب في كلية الحقوق تعليم مفتوح، أن وجود الإسلاميين في المعادلة خاصة حماس واهتمامها بالشأن المصري أكثر من قضيتها دفع المصريين للبعد عن القضية الفلسطينية. وأضاف أن الوضع في سوريا واليمن وليبيا والعراق شغل العالم أجمع عن القضية الفلسطينية.
تعليقات الفيسبوك