قالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية إنه لا يوجد بلد يذكر كان أكثر خشية من إسرائيل من مستقبل مصر بعد الثورة. ومنذ أن أصبحت مصر أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل عام 1979، ارتبط البلدان بعلاقة تؤدي دورها وإن كانت باردة.
وأضافت أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كان حليفا حيويا لإسرائيل، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه الرجل الذي حافظ على السلام في الشرق الأوسط. لذلك، عندما أجبر مبارك ونظامه على التنحي خلال ثورات الربيع العربي عام 2011، كان لدى إسرائيل مخاوف عما قد يحدث لاحقا بين البلدين، وما إن كانت علاقة القاهرة مع إسرائيل، والتي لم تحظ قط بشعبية لدى المصريين، ستصبح معرضة للحظر.
ووصفت المجلة، المخاوف الإسرائيلية بأنها مشروعة، ودللت على ذلك بأن الحكومات التي تلت فترة حكم مبارك كانت أقل ودا لإسرائيل مقارنة بسابقتها، خاصة في عهد الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. لكن العلاقات بين البلدين تعززت بشكل كبير منذ عام 2013، في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي حيث وجد نتنياهو شريكا مستعدا، بحسب المجلة.
وشدد السيسي الحملة على الجماعات الإرهابية في شبة جزيرة سيناء، وكبح جماح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة، وقمع الاسلاميين في مصر، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
وقالت المجلة في الواقع، أن مصر وإسرائيل تبدوان الآن على شفا تحالف استراتيجي جديد ولكن لم يتضح بعد ما إن كان الشعب المصري سوف يدعم مثل هذه الخطوة.
وكانت للمشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع الأسبق رئيس المجلس العسكري الذي أدار شؤون البلاد في 2011-2012 عقب تنحي مبارك، مواقف متناقضة تجاه إسرائيل حيث ساعد المجلس العسكري آنذاك على تعزيز نظرية المؤامرة بشأن إسرائيل ورغبتها في زعزعة الأمن المصري لاثارة اضطرابات ثورية.
وقالت المجلة إن رد فعل طنطاوي على الهجوم على السفارة الإسرائيلية في سبتمبر 2011 كان بطيئا. تدخل فقط بعد أن قدمت الولايات المتحدة العون إلى القاهرة.. وبطلب شخصي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. لتحرير موظفي السفارة.
وقالت المجلة إنه طوال فترة ولايته، لم يتعامل طنطاوي مع إسرائيل مباشرة، مفضلا استخدام واشنطن كوسيط. وكان المصريون الوحيدون المصرح لهم بالاتصال المباشر بنظرائهم الإسرائيليين هم النخبة العسكرية والأمنية.
وذكرت المجلة أن هذا الأسلوب استمر حين حكم مرسي البلاد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وجاء على رأس حكومة مدعومة من الأحزاب الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان. فمن ناحية، كان مرسي حريصا على الحفاظ على علاقات مع إسرائيل للحفاظ على المصداقة الدولية، ومن ناحية أخرى، كان عليه إرضاء قاعدته الإسلامية.
وخلال حرب غزة عام 2012، ساعدت حكومة مرسي في تأمين وقف إطلاق النار، ولكنه أوفد رئيس الوزراء المصري، هشام قنديل، إلى غزة لتقديم الدعم إلى حماس.
وقالت المجلة إن العلاقات بين مصر وحماس تحسنت خلال رئاسة مرسي. ونقلت عن خيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين آنذاك، قوله إن جهاز المخابرات المصرية سيبقى القناة المركزية في العلاقات مع إسرائيل. وظلت هذه السياسة على حالها حتى عام 2013. وقالت المجلة إن المسؤولين في إسرائيل لم يخفوا في الأحاديث غير الرسمية على الأقل نفورهم من مرسي، الذي بعث بإشارات متباينة فيما يتعلق بموقفه من اتفاقية كامب ديفيد التي أبرمت عام 1979.
وأضافت أن دوري جولد، الذي أصبح لاحقا المدير العام للخارجية الإسرائيلية، كشف لدى انتخاب مرسي عن بواعث قلق إسرائيل من المعارضة الأيديولوجية القوية من الحكومة الجديدة تجاه إسرائيل.
ومع حكم السيسي الذي عزل مرسي في 2013، بدأت القاهرة وإسرائيل التحرك نحو ما يبدو أنه تحالف استراتيجي، فقد كانت هناك زيارات متواصلة من مسؤولين إسرائيليين إلى مصر، ومنها زيارة لجولد في يونيو 2015، وأعيد فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وأوفد سفير مصري جديد إلى تل أبيب.
وفي فبراير الماضي، قال وزير البنية التحتية الوطنية الإسرائيلي يوفال شتاينتز إن العلاقات المصرية الإسرائيلية هي أقوى من أي وقت مضى، مشيرا إلى أن إغراق الجيش المصري لأنفاق بين مصر وقطاع غزة جاء بطلب إسرائيلي، قبل أن يقوم بسحب هذا البيان لاحقا خوفًا من أن يثير بعض التوترات في مصر.
وتحد إسرائيل من نشر معلومات بشأن مدى تعاونها مع مصر، وفقا لما ذكره صحفي إسرائيلي.
وفي مارس الماضي، خلال قمة الأمن النووي التي عقدت في واشنطن، التقى شتاينتز مع وزير الخارجية المصري سامح شكري في واحد من أوائل الاجتماعات على مستوى وزاري بين البلدين منذ سنوات لمناقشة عدة أمور من بينها إمكانية تزويد إسرائيل لمصر بالغاز.
والشهر الماضي، وافقت إسرائيل على نقل مصر تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية، في خطوة وصفتها المجلة بأنها كانت مستبعدة في الماضي، لأنها تنطوي على إعادة فتح الملحق الأمني لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من جديد.
وقالت المجلة إن العلاقات المصرية الإسرائيلية تحسنت وبدأ بعض السياسيين والمدنيين في التعبير عن وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه إسرائيل. ففي يوليو عام 2014، على سبيل المثال، كتب القيادي في حزب المصريين الأحرار الليبرالي محمد زكي الشيمي، مقالا بعنوان إسرائيل ليست العدو، قائلا إن الإسلام المتطرف يشكل خطرا على مستقبل مصر أكثر من سياسات إسرائيل الخارجية.
كما أشارت المجلة إلى دعم رجل الأعمال نجيب ساويرس لاستيراد الغاز من إسرائيل وزيارة البابا تواضروس الثاني إلى القدس، الذي كسر من خلالها الحظر المفروض على مثل تلك الزيارات من قبل سلفه البابا شنودة، وأخيرا إلى العشاء الذي جمع بين النائب البرلماني السابق توفيق عكاشة، والسفير الإسرائيلي في مصر.
وقالت المجلة إنه على الرغم من أن حكومة السيسي قد تكون منفتحة على علاقة أفضل مع إسرائيل إلا أن الشعب المصري مازال حذرا، مشيرة إلى أن عشاء عكاشة مع السفير الإسرائيلي خلق حالة غضب في البلاد وأدى إلى استبعاده من البرلمان، ومُنِع من مغادرة البلاد منذ ذلك الحين.
وأظهر استفتاء حديث أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) أن غالبية المصريين ما زالوا معادين لإسرائيل، حيث اختارها 88% من المشاركين في الاستفتاء باعتبارها أكثر الدول التي يكرهونها.
وذكرت المجلة أنه مع تركيز السيسي اهتمام القاهرة حاليا على الحرب ضد الإسلام السياسي، فهناك سبب للاعتقاد بأن إسرائيل سيكون لها شريك في مصر في المستقبل القريب. لكن وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ما زال في مرحلة التشكل في مجال الرأي العام.
وقالت المجلة إن العلاقة المصرية الإسرائيلية تتنامى مع امتداد التعاون العسكري بين البلدين إلى تحالف سياسي ودبلوماسي أوسع. وأضافت أن نقل مصر تبعية جزيرتي تيران وصنافير سيساعد اسرائيل على الانفتاح على "حليفها غير المعلن في السعودية".
واختتمت المجلة تقريرها قائلة إن السيسي يرى في إسرائيل حليفا قويا في حربه ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء. وتدرك كلا الحكومتين أهمية التحالف المصري الإسرائيلي. وقالت إن الأمر متروك الآن لجماهير المصريين ليقرروا ما إن كانت هذه الشراكة جيدة أيضا.
تعليقات الفيسبوك