ثلاثة وخمسون عاما قضتهم "يمن" في قرية منديشة بالواحات البحرية، لم تشهد فيهم يوما غروب الشمس من قمة جبل الإنجليز أو تتسلق تلال الصحراء السوداء.
فاتها زيارة البحيرة المالحة وعين السرو ووادي المومياوات الذهبية وكافة المعالم المميزة للواحات البحرية، لم تذهب حتى إلى أسواقها!.
ففي عرف أهل الواحات على المرأة أن تقر في بيتها، فلا تغادره إلا للضرورة القصوى ولا تخرج منه بمفردها أبدا.
ورغم أن الواحات البحرية تتبع إداريا محافظة الجيزة ولا تبعد عن جنوبها الغربي سوى 365 كيلومترا لكن لأهلها عاداتهم وطقوسهم المميزة.
تزوجت "يمن" وهي ابنة السادسة عشر، ورزقت بستة أبناء، نصفهم ذكور والنصف الأخر إناث، وتزوجت صغرى بناتها، ذات الثمانية عشر ربيعا، قبل 7 أشهر، وتقول يمن بلهجة أهل الواحات "البنت عندينا لو وصلت لعشرين سنة ومتجوزتش تبقى بارت".
فبداية من سن السادسة عشر تتوقف بنات الواحة عن لعب البيضة والحجيلة والبالوظة (أسماء ألعاب الأطفال في الواحات) وتستعد للزواج بمن سيوافق عليه أهلها من بين طالبي زواجها.
وحين تتزوج بنت الواحة لا تخرج من منزلها إلا متخفية وراء النقاب بصحبة زوجها لقضاء حاجة في القاهرة أو زيارة الأهل أو أحد الأقارب.
أما عن نصيب الفتيات من التعليم فلا يتخطى أكثرهن مرحلة الثانوية، وتبرر يمن ذلك بقولها "مبنودهمش كليات عشان مفيش عندينا في الواحات، ومينفعش نسيبوهم يطلعوا بره لوحديهم".
ولا يخلو الأمر من بعض الاستثناءات لفتيات من الواحة وصلن إلى مرحلة الجامعة كما تقول يمن "فيه اللي بتخلص كلية، وتشتغل مدرسة لكن بردو تخرج بالنقاب والعباية الطويلة".
وتقضي "يمن" أوقاتها بين أعمال المنزل ومساعدة زوجها-شأن نساء الواحة- في فرز التمور الصالحة واستبعاد الفاسدة، وتحكي عن أكلاتهم المميزة "عندينا البغلية (خليط من العدس والأرز) والبردية (مياه ممزوجة بالملح والشطة والليمون) بنشربوها ساعات العصاري مع التمر، وفي رمضان وقت الفطور".
كما تسلي يمن أوقاتها بأعمال الخياطة والتطريز فتصنع الملابس لأحفادها أو تصنع الجلباب البلدي المزركش لنفسها أو لإحدى جاراتها.
ولم تفكر يمن في التمرد على التقاليد التي تقف عائقا أمام بنات الواحة فتقول بابتسامتها البشوش ونبرتها الخافتة "دي عاداتنا اتعودنا عليها خلاص ومفكرناش نغيروها".
تعليقات الفيسبوك