تشهد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تحولات على المستويين الفكري والتنظيمي، بدت كالدخان من تحت الرماد، في أعقاب ثورة 25 يناير، لكنها ظهرت جليَّة وواضحة، منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المحسوب على الجماعة الإخوانية، في مطلع يوليو عام 2013.
هذه الظروف، وما صاحبها من أحداث وتحولات وتشابكات وخلافات وصراعات بين قيادات الإخوان وبين النظام المصري الحاكم، من جهة، وفيما بين القيادات أنفسهم، من جهة أخرى، تتعقد كل يوم، وألقت بظلالها على وضعية الأخوات المسلمات، ودورهن ومكانتهن التنظيمية وحياتهن اليومية وحياة من ارتبطوا بهن أو تعاطفوا معهن أيضًا.
وحظرت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين واعتبرتها جماعة إرهابية في ديسمبر 2013 عقب تفجير استهدف مديرة أمن الدقهلية، وذلك بعد شهور من عزل الجيش لمرسي المنتمي للجماعة.
وتشكل الأخوات المسلمات قطاعًا كبيرًا من الجماعة، غير أنه لا توجد أي إحصاءات في الوقت الحالي حول أعدادهن، نتيجة للظروف التي يمر بها التنظيم، إلا أن مصدرًا مقربًا من الجماعة، ذكر أنهن يشكلن ما يقرب من 30% من أعضاء الجماعة.
ولهن قسم خاص داخل الجماعة، يعرف باسم "قسم الأخوات"، وضع حسن البنا مؤسس الجماعة بذرته الأولى في الإسماعيلية، وتولت فاطمة عبد الهادي منصب وكيل أول لجنة نسائية في الإخوان، غير أن القسم ظل تحت إدارة رجال التنظيم، منذ بدايته، الأمر الذي تسبب في مشكلات أزعجت رجال التنظيم، تمثلت في مطالبة الأخوات المستمرة بتولي مناصب قيادية داخل الجماعة.
وفي مايو 2014، نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريرا مطولا بعنوان: "مذبحة الإخوان.. تمكن الأخوات من الخروج من الظل"، نقلت فيه عن بعض الأخوات تطلعهن للحصول على مواقع قيادية داخل التنظيم، في ظل ما يتعرضن له من اعتقالات وتصدرهن للمظاهرات بعد سجن العديد من القيادات الرجال. وكشفت الصحيفة عن خلافات، نتيجة لكبح تطلعات الأخوات.
اليوم، تراجعت المظاهرات واندثرت في مناطق شرق القاهرة والجيزة وحلوان، المناطق التي طالما شهدت مظاهرات عنيفة، وبقيت محدودة في محافظات الدلتا، في ظل صراع بين كبار القيادات (مكتب الإرشاد) مع شباب التنظيم ومعهم بعض من قيادات الصف الأول، وسعي كل طرف للإمساك بمفاصل التنظيم.
بدون مناصب قبل الثورة وبعدها
وعلى الرغم من تأكيد التنظيم، وفق موقع "إخوان ويكي" التابع للجماعة، على حق المرأة للترشح للانتخابات البرلمانية وتولي المناصب الحكومية، إلا أن عمار علي حسن المتخصص في شؤون الإسلاميين، يرى أن الإخوان ينظرون للمرأة باعتبارها عددا تكميليا له مهام محددة وليس من حقه تولي أي مناصب قيادية في الجماعة.
لكن محمد حبيب نائب المرشد السابق للجماعة، يؤكد في حديثه لأصوات مصرية، أن الأخوات لم يكن لهن أي دور تنظيمي سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها أو حتى في الوقت الحالي، مرجعا ذلك لكون القيادات قبل الثورة كانت ترى أن وضع الأخوات في مناصب تنظيمية، يعرضهن للضغوطات الأمنية.
أما عن عدم توليهن أي مناصب بعد الثورة، وقت وصول الإخوان لسدة الحكم، فقال إن الجماعة كانت ترى نفسها مضغوطة وتواجه هجومًا صعبًا لذلك لم تكن تدفع بهن في الأماكن القيادية.
وأوضح أن الجماعة في الوقت الحالي مفككة، وتسعى لبناء نفسها مجددًا، والمواقع التنظيمية فيها حاليا ـ لا قيمة لهاـ حسب رأيه.
وقالت هدى عبد المنعم القيادية بالجماعة إن "الأدوار التنظيمية في الجماعة متوقفة، نظرا للحالة الأمنية والقمع الشديد، خاصة أن كل نساء الإخوان تعانين من اعتقال الأزواج والأبناء وتحطيم المنازل والتحفظ على الأموال".
وأضافت "كان للأخوات دور سواء في الجماعة أو الحزب لأنهن ضمن القاعدة التي تمارس الشورى على مستوى عالٍ، وكان لهن دور في مجالس الشعب والشورى، وأمانة المرأة بالحزب كان لها دور فعالا".
واعترضت خديجة، التي تركت الجماعة في أول 2015 لخلافات تنظيمية، على كلام عبد المنعم، مؤكدة أن المرأة الإخوانية غير قادرة على تولي أي مناصب قيادية في التنظيم برغم كل ما تعانيه، مشيرة إلى أنهن تلقين وصية من محمد بديع المرشد العام للجماعة، من محبسه في 2014، تدعوهن لعدم تشكيل ما سمته بـ"أولتراس بنات"، كون الفكرة لا تتناسب والأعراف الإخوانية.
وتقول خديجة، التي فصلت من جامعة الأزهر عام 2014، لتصدرها وقيادتها مظاهرات، إن الكثير من الأخوات تعانين من عدم التصعيد التنظيمي، علاوة على المعاناة المادية من بعد سجن أزواجهن أو الهروب للخارج.
الزواج من داخل الجماعة
واضطرت فتيات محكوم عليهن بأحكام قضائية أو خائفات من القبضة الأمنية، للهروب خارج مصر بحسب مصدر اعلامي مقرب من الجماعة، مقيم في تركيا. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه "معظم من عليهن أحكام قضائية خرجن مهربات من السودان، ثم إلى تركيا، وهناك حالات أتت من السعودية كان عليها أحكام في مصر وتم التنسيق مع الحكومة التركية لإدخالها من المطار".
ويتابع المصدر: "توجد في تركيا لجنة من الإخوان مسؤولة عن إعاشة البنات وتزويجهن، وتوفير شقق ومرتبات شهرية تقترب من 400 دولار لهن. وأكد أنهن لا يتزوجن من خارج الإخوان، أو من لا يعمل في وظيفة معينة من الإخوان؛ لضمان توفير حياة كريمة لهن"، مشيراً إلى أن الحكومة التركية لا توفر لهن أي دعم مادي، وأن كل ما تقدمه مقتصر على بعض التسهيلات للحصول على منح دراسية.
حالة من حالات الثأر
ولم يسلم المتعاطفون مع الجماعة، من الضرر الذي أصاب أكبر جماعات الإسلام السياسي في العالم. تقول فاطمة محمد الصحفية المصرية "لم يكن ليّ علاقة بالإخوان، قبل 30 يونيو، وعلى العكس من الوقت الحالي، كانت مواقفي منهم حادة وعدوانية للغاية، لكن بعد 30 يونيو، اختلف الوضع تمامًا، نتيجة لما يحدث ولما نتعرض له".
وتضيف "قوات الأمن ألقت القبض على خطيبي، قبل 4 أيام من زفافنا، بينما كنت أنتظره في الشارع لشراء فستان الفرح. انهرت حينما علمت بالخبر، وانهرت مرة ثانية حينما حكمت عليه المحكمة بالإعدام، في إحدى القضايا، المتهم فيها قيادات الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي، ويعيش في حالة صحية صعبة ويعاني حاليًا من ضعف سمع في الأذن اليسرى".
وتقول "لم يكن لخطيبي أي علاقة بالإخوان، لكنه رفض 30 يونيو، وكان يجهز لفيلم وثائقي عن فض اعتصام رابعة وغيرها من الأفلام عن الأوضاع في سيناء".
وأكدت أن علاقتها بخطيبها، ستظل مستمرة، على الرغم من الحكم الصادر بحقه، في ظل عجزها عن زيارته في السجن، كونها ليست من أقاربه من الدرجة الأولى. وترى أن علاقتهما مقدسة وملهمة في الدفاع عن السجناء.
ودفعت الظروف والأحداث التي تعرض لها الجماعة، أخوات منها لدعم العنف وتصدر المظاهرات، بدلا من الرجال، وذلك على عكس فترات سابقة، اقتصر فيها نشاط الأخوات على العمل الخيري، أو المشاركات الهامشية في التظاهرات.
وكشف وسم "هاشتاج"، دشنه شباب الجماعة، في مارس عام 2014، بعنوان: "تحولاتي الفكرية الأخيرة"، رغبة الشباب بما فيهم الفتيات، في "الانتقام" من النظام الحالي، والتخلي عن شعار "السلمية"، الذي طالما جاء على لسان القيادات، رغبة في "الثأر" لذويهم.
ويرى أحمد بان الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أن تعرض المرأة الإخوانية لمشاهد العنف، بين الدولة والجماعة، بدءًا من أحداث الحرس الجمهوري وصولا لفض اعتصام رابعة وما بعدها من أحداث، دشن لحالة من حالات الثأر بين الجماعة والدولة.
وأكد أن ذلك انعكس على الشخصية الإخوانية، وجعلها حادة وعنيفة ومستسلمة لحالة الكراهية والثأر، وأن المرأة كانت في القلب من ذلك.
واستبعد بان، مشاركة الأخوات في أي أعمال عنف، لأن الإخوان حريصون على إبعادهن عن هذه الأعمال، خوفاً عليهن، وفق رؤيته.
ـ جرى تغيير أسماء بعض المصادر بناء على رغباتهم.
تعليقات الفيسبوك