لا يجد المرء حماسا للكتابة عن الإخوان حتى لا يتهم بالفجر في الخصومة وعدم المروءة في ظل استمرار حبس جميع القيادات، التي كانت مشاركة في صناعة الأحداث عقب ثورة يناير وحتى مأساة فض اعتصام رابعة، لكن مع حلول الذكرى الثالثة لتظاهرات 30 يونيو خرجت شهادات جديدة حول الأحداث لا يمكن عدم التعليق عليها لما تحتويه من معلومات متناقضة تخص الأحداث.
أهم هذه الشهادات ما كتبه الدكتور «محمد محسوب»؛ نائب رئيس حزب الوسط ووزير الشئون القانونية السابق، حيث تحدث عن اجتماع له مع الدكتور الكتاتنى وممثلى عدة أحزاب ــ لم يسمها ــ بتاريخ 2 يوليو عقب بيان القوات المسلحة، وأفاض فى شهادته حول مرونة الرئيس السابق محمد مرسى وكيف أنه استجاب للمطالب الشعبية وأن خطابه الأخير احتوى على خارطة طريق لم ينقصها سوى الإعلان عن انتخابات مبكرة تتبع الانتخابات البرلمانية على حد زعمه، يحدثنا الدكتور محسوب عن موقف تاريخى للدكتور مرسى رأى فيه منه انحيازا للثورة والتمسك بالديمقراطية ورفض المساومات، ويحمل الأطراف الأخرى كامل المسئولية عن انتكاسة الديمقراطية فى مصر فى مشهد تطهرى يصلح لعمل سينمائى رومانسى لتوثيق هذه الفترة.
على المستوى الشخصى أكن للدكتور محسوب احتراما وتقديرا ومودة لما لمسته منه قبل ذلك من دماثة خلق وموضوعية وحرص على تقريب وجهات النظر، لكن أختلف تماما مع هذه الشهادة التى تحمل تناقضات عدة مع روايات أخرى لقيادات إخوانية بارزة منها الدكتور «أحمد فهمى» ــ رئيس مجلس الشورى السابق ــ والذى قال فى شهادته المنشورة أنه قدم عرضا لوزير الدفاع حينها بتكليف من الدكتور مرسى بشأن توليه ــ وزير الدفاع ــ رئاسة الوزراء لحين إجراء انتخابات البرلمان مع القبول بإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد ذلك! يقول الدكتور محسوب أن الرئيس مرسى كان يخشى من سيطرة المؤسسة العسكرية على الانتخابات المبكرة، بينما يقول الدكتور فهمى إن أنهم طلبوا من وزير الدفاع تولى رئاسة الوزارة، التى ستقوم بتنفيذ عملية الانتخابات من أولها لآخرها! فمن نصدق؟
يصف الدكتور محسوب موقف الدكتور مرسى بالثورى ولا يمكن فهم ما الثورية فى تعيين وزير الدفاع حينها رئيسا للوزراء؟ يقول الدكتورمحسوب أيضا: أن رفض الدكتور مرسى لإجراء الانتخابات المبكرة أو حتى الاستفتاء على بقائه كان للحفاظ على الشرعية الدستورية، ولا يمكن أيضا استيعاب ما الذى سيهدم الشرعية الدستورية طالما تم اللجوء لوسائل دستورية!
***
هناك مجموعة من الحقائق التى ينبغى التأكيد عليها تخص هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر
أولا: الدكتور مرسى للأسف لم يكن صاحب قرار وإنما كانت مصر تحكم من مجموعة معينة داخل مكتب الإرشاد فرضت رؤيتها على الدكتور مرسى شخصيا بشهادة كثير ممن كانوا حوله داخل القصر، وهذه المجموعة أكملت تنفيذ رؤيتها وفرض سيطرتها حتى قادتنا لمأساة رابعة الدامية.
ثانيا: قناعات قيادة الإخوان تميزت بالجمود التام والرهان على قوة حشد الصف الاسلامى خاصة المجموعات الأكثر تطرفا ولعل بيان (جمعة الشرعية خط أحمر) بتاريخ 28 يونيو الذى دعا للاحتشاد فى رابعة وعدة محافظات أخرى يبين بوضوح انحيازات الجماعة وحلفائها الذين كان من بينهم حزب الوسط بعد أن حول الإخوان الخلاف السياسى لحرب بين الإسلاميين وما عداهم.
ثالثا: الإخوان حتى آخر لحظة كانوا يراهنون على اختيارهم لوزير الدفاع ويعتقدون فى ولائه التام لهم، حتى بعد بيان المؤسسة العسكرية الأول ونزول الجيش للشوارع ظلوا يقولون إن هذا النزول لحماية شرعية مرسى!
رابعا: سبق 30 يونيو مبادرات كثيرة لإنهاء الاحتقان السياسى الذى بدأ منذ الإعلان الدستورى وأحداث الاتحادية؛ منها مبادرة الشباب التى توجت بوثيقة الأزهر للحوار ومبادرة حزب النور وغيرها، ولكنها قوبلت من الإخوان بالرفض والتصلب التام.
خامسا: خيار كارثة فض اعتصام رابعة لم يكن جبريا بل اختياريا من الإخوان والسلطة معا مع اختلاف الأهداف، وكل مسار 3 يوليو كان يمكن تلافيه لكن الإخوان أصروا على المعادلة الصفرية التى جاءت على هوى معسكر داخل الدولة، وكذلك جزء كبير من التيار المدنى الذى رأى أنه لا يمكنه التخلص من الإخوان سوى بتدخل المؤسسة العسكرية وصرح بذلك عدد من رموزه بلا خجل.
***
الحديث عن كواليس 30 يونيو سيعيدنا لتبادل الاتهامات والمزايدات لكن الحقيقة أن الجميع أخطأ فى حق الديمقراطية ولا بد من الاعتراف بذلك، لم يعد مقبولا أن نكابر وأن نتطهر من أخطائنا بتحميل أطراف أخرى المسئولية لترتاح ضمائرنا، هذه صفحة يجب طيها والانتباه للواقع الذى سيكون الفيصل فيه الآن هو موقف كل شخص ومجموعة من قضية الديموقراطية وحقوق الإنسان، لم تنتهِ الدنيا عند خطأ ما مهما كانت جسامته، ولا يجب أن نظل أسرى للحظة سحقت فيها الأحلام وأعادتنا للوراء.
التوقف عن شهادات التطهر ومحاولات التبرير والتنصل من الأخطاء صار أمرا واجبا على الجميع أيا كان تيارهم السياسى، إذا توقفت النخب عن التلاوم، وتوجهت للتفاعل مع الواقع البائس الذى آلت إليه قضية الديمقراطية فى مصر ستتغير كثير من الأشياء.هذه صفحة من الماضى يجب طيها والتعلم من دروسها القاسية، قسوة الواقع تغنى عن أى قول والخوف من ظلامية المستقبل حافز للجميع لإنقاذ الوطن، فلنكن قدر المسئولية.