لم يكن محمد رمضان مجرد بطل لمسلسل "الأسطورة"، بل انه تحول من مجرد ممثل إلى شخصية تستحوذ على مشاعر ووجدان من نصبوه ملكا بين نجوم الفن، وحاول الشباب والفتيات تقليد مظهره ولحيته ووضعوا صوره على حوائطهم وملابسهم.
ومسلسل "الأسطورة" الذي عرض في رمضان الماضي تأليف محمد أحمد عبد المعطي، وإخراج محمد سامي، وبطولة محمد رمضان، وروجينا، وفردوس عبد الحميد، ومحمد عبد الحافظ، وتدور أحداثه عن شاب خريج كلية الحقوق (ناصر) يسكن فى منطقة السبتية، يسعى إلى الانضمام للسلك القضائي، ولكن نظرًا لسمعة شقيقه (رفاعي) السيئة الذي يعمل تاجرًا للسلاح يتم رفضه، ويتورط ناصر في الإجرام الذي يمارسه شقيقه.
تحول شكل لحية الفنان محمد رمضان -خلال تجسيده لشخصية "ناصر الدسوقي" بالمسلسل- إلى موضة يقلدها عدد من الشباب والكبار، خاصة بعد نشر رمضان لصور لتلك الشخصية عبر صفحته على فيس بوك.
هذه الحالة الذي اعتبرها البعض ظاهرة ليست جديدة بل تتكرر منذ الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت مع المونولوجيست "محمود شكوكو" مرورا بـ"فريد شوقي" في الستينيات، و"عادل إمام" في ثمانينات القرن الماضي و"أحمد زكي" وصولا إلى "محمد رمضان".
هؤلاء النجوم كتبت جماهير "الدرجة التالتة" شهادة ميلاد لهم، من خلال أعمال استطاعت أن تحقق ببساطة أحلام الطبقات الشعبية في التغلب على القهر والظلم.
* بطل المقهورين
وقالت الناقدة الفنية إسراء إمام "إحنا عايشين في مجتمع مقهور، وكتير من البسطاء مغلوبين على أمرهم، وطول الوقت بيتظلموا اجتماعيا ونفسيا وماديا"، موضحة أن ناصر ورفاعي مثلا نموذجا لرجل من هذه الطبقة.
وأضافت "الناس حبته لأنه ما استسلمش للقهر حتى لو كانت وسيلته في ده غير مشروعة، لكنه قدر يكون قوي، يكون سند لأهله، وللناس في الشارع اللي ساكن فيه ومكانش بيسمح لحد يظلمه".
وأوضحت إسراء إمام "الناس ما اتعلقتش برفاعي على قد ما اتعلقت بقوته وقدرته، فعلى الرغم من انه طيب جدا وشبههم لكن مكانش عارف يسكت على ظلمه وقهره زيهم، وعلشان كدة برضه اتأثروا بناصر، لما اتحول لشخصة رفاعي".
* جمهور الترسو
وقال سيد محمود، رئيس تحرير جريدة القاهرة، "دايما فيه نجم بيلمع باختيار جمهور الترسو أو الدرجة التالتة زي شكوكو وفريد شوقي وعادل إمام وأحمد زكي ومحمد رمضان".
وأضاف "مش لازم الناس تتخض من صعود محمد رمضان أو تعتبره ظاهرة مخيفة"، مشيرا إلى أن صعود نجوم بعينهم لتفضيل الطبقات الشعبية أو "العشوائية" لهم كان موجودا في السينما منذ الخمسينيات من القرن الماضي.
وأوضح أن شكوكو بعد قيامه ببطولة فيلم "عنتر ولبلب" بدأ يحتل مكانة كبيرة لدى الجماهير الشعبية، وقاموا بتعليق صوره وارتداء ملابس تشبه ملابسه وصناعة عروسة له، مؤكدا "ده نفس اللي حصل مع عادل وأحمد زكي وبيحصل دلوقتي مع محمد رمضان".
وأشار محمود إلى أن هذه الظاهرة اختفت خلال فترة حكم عبد الناصر، موضحا أن البطل القومي حل محل أبطال الدراما في الاستحواذ على مشاعر ووجدان الجمهور.
ورأى رئيس تحرير جريدة القاهرة أن "الطبقة اللي حبت محمد رمضان عندهم مشاكل مع كل أنواع السلطة سواء سلطة الدولة، أو سلطة مؤسسات العقاب، أو حتى السلطة النقدية المتمثلة في المثقفين، ومثل لهم البطل الشعبي".
ويتوقع محمود انتهاء نجومية محمد رمضان كغيره ممن سبقوه، مستشهدا بمحمد سعد في دور "اللمبي"، قائلا "النجومية السريعة بتستهلك بسرعة والدليل على كدة بعد وقت مبقناش نسمع عن محمد سعد ولا بنشوف أفلامه".
* الأحضان والقبلات تؤذي المجتمع
فيما رأى الفنان محمد رمضان أن مشاهد القبلات والأحضان في الأفلام تؤذي المجتمع أكثر من البلطجة، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع أن يشاهد مع أسرته أي فيلم به مشاهد للقبلات والأحضان، بينما يمكنه مشاهدة أفلام بها بلطجة.
وأضاف رمضان، في حوار له في برنامج المتاهة على قناة MBC الفضائية، "أنا أكثر نجم صاعد، واللي الناس بتعمله في عشرين سنة أنا عملته في خمس سنين وأنا مش تقيل على أحد في المجال الفني".
* الفتونة والتراث الشعبي
وأشارت د.نهلة إمام أستاذ العادات والتقاليد بالمعهد العالي للفنون الشعبية، إلى فكرة الفتونة الموجودة في التراث الشعبي المصري، موضحة "طول الوقت الناس بتميل للبطل اللي بيحمي الضعفاء وبيحمي مصالحهم، ويقف جنب الفقير والمغلوب على أمره حتى لو بطريقة غير قانونية".
وأوضحت أن الفتوة دائما تظهر سطوته بوضوح في ظل غياب دور الدولة وانسحابها، مستشهدة بفترة ثورة 25 يناير التي غابت فيها الدولة وحل محلها كيانات شعبية "لجان شعبية".
وقالت أستاذ العادات والتقاليد "الأشخاص اللي بتفرض سطوتها مش دايما بيكونوا أشرار وبالفعل بيسدوا فجوة غياب الدولة".
وأضافت "نجيب محفوظ أكتر واحد أرّخ للفترة ديه ببراعة وكان بيظهر شخصية الفتوة ودوره".
* فتوة العطوف
وتوسع نجيب محفوظ في مجموعته القصصية "فتوة العطوف" في رصد شخصية الفتوة، وتدور المجموعة في فلك العلاقات الإنسانية والمشاهد الاجتماعية ولا تخلو من قصة تتحدث عن الفتوة.
ولم يتردد محفوظ في ربط شخصية الفتوة وممارساته المتعددة بقضايا الإنسان الكبرى من حظ وقدرة وضعف.
وتحدث محفوظ في عدد من رواياته عن علاقة الفتوة بالمرأة والمال، وغيرها من الإغراءات التي قد تحرف الفتوة عن طريقه، لكنه سرعان ما يعود إلى رحاب الفتونة ومعدنها الأصيل.
و"فتوة العطوف" هي قصة حقيقية لشخص يدعى "عرابي" حكم عليه بالسجن، وكتب عنه محفوظ متعاطفاً مع وضعه الإنساني.
تعليقات الفيسبوك