استكمل معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين مساره الصعودي الذي بدأه قبل ثلاثة أشهر، ليصل إلى 14.8% في يونيو الماضي، والذي تلا الزيادة الكبيرة في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في مارس الماضي.
ويرى خبراء ومتعاملون أن الدولار هو المتسبب الرئيسي في ارتفاع التضخم خلال الفترة الماضية، وتذهب توقعاتهم إلى استمرار ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين مع توقع زيادة جديدة في قيمة العملة الأمريكية، بالإضافة إلى تبني سياسات تساهم في رفع الأسعار، مثل التحول من ضريبة المبيعات إلى القيمة المضافة.
كان البنك المركزي خفض قيمة الجنيه في السوق الرسمية بنحو 14% في مارس الماضي ليصل الدولار إلى 8.78 جنيه، لكنه يدور حول 11 جنيها في السوق السوداء حاليا.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعلن، في بيان أمس الأحد، ارتفاع معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في أنحاء الجمهورية إلى 14.8% في يونيو الماضي، مقابل 12.9% في مايو.
وبذلك يكون متوسط معدل التضخم خلال الشهور الثلاثة (أبريل- يونيو) ارتفع إلى 12.8% مقابل 12% في نفس الشهور من العام الماضي، ومقابل 9.8% خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري (يناير-مارس).
وأكبر زيادة سنوية في الأسعار خلال يونيو كانت من نصيب قطاع الرعاية الصحية، بنسبة 23.2%، وهي الزيادة التي جاءت عقب قرار الحكومة في مايو بزيادة أسعار الأدوية التي يقل سعرها عن 30 جنيها.
ويقول أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الأدوية، إن "الأدوية ليست المكون الطبي الوحيد الذي شهد ارتفاعا في أسعاره، فالعديد من المعدات الطبية المستوردة شهدت زيادة خلال الفترة الماضية بسبب ارتفاع الدولار وهي منتجات لا تتحكم الدولة في وضع سقف لأسعارها مثل الدواء".
وبحسب بيانات جهاز التعبئة والإحصاء، فقد ارتفعت أسعار المنتجات الطبية والأجهزة والمعدات في يونيو بنسبة 23.1% مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، كما ارتفعت خدمات مرضى العيادات الخارجية بنسبة 40.2% وخدمات المستشفيات بنسبة 24.9%.
ويقول محمد اسماعيل، رئيس شعبة المستلزمات الطبية، إن "قطاعا واسعا من المستلزمات الطبية يعتمد على الاستيراد، حتى الحقنة التي نصنعها محليا نستورد مادتها الخام من الخارج، لذا فمن الطبيعي أن يتأثر هذا القطاع بزيادة الدولار".
وجاءت ثاني أكبر زيادة في يونيو في قطاع المطاعم والفنادق، بنسبة 21.9%، لكن المساهم البارز في هذه الزيادة كان بند المطاعم وليس قطاع الفندقة الذي زادت أسعاره بنسبة 7.5%.
فبحسب التعبئة والإحصاء، واجه مستهلكو الوجبات الجاهزة في يونيو زيادة في الأسعار بنسبة 22.1% مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي، بينما من يفضلون الطهي في المنزل واجهوا زيادة أقل في الأسعار، حيث ارتفعت أسعار سلة منتجات الطعام والشراب في نفس الشهر بنسبة 18.4%.
وتقول ريهام الدسوقي، كبيرة الاقتصاديين ببنك الاستثمار الإمارتي أرقام كابيتال، إن "العامل الموسمي لعب دورا كبيرا في زيادة أسعار الأغذية في شهر يونيو الذي ترتفع فيه معدلات استهلاك الطعام بسبب شهر رمضان واقتراب العيد".
ومن السلع التي ترتبط زيادة أسعارها بالموسم الرمضاني والعيد أيضا هي الملابس الجاهزة، والتي ارتفعت أسعارها في يونيو بنسبة 10.5%، وكذلك السياحة الدينية والتي ساهمت في رفع أسعار الرحلات السياحية بنسبة 18.7%، وفقا للتعبئة والاحصاء.
ويقول ايهاب عبد العال، عضو مجلس إدارة غرفة شركات السياحة سابقا "لقد تأثرت أسعار السياحة الدينية هذا العام بارتفاع سعر الريال في السوق الموازية تزامنا مع زيادة سعر الدولار".
وبحسب موقع البنك المركزي، فإن السعر الرسمي لشراء الريال السعودي يبلغ نحو 2.3 جنيه، ولكن عبد العال يقول إن الريال ليس متوافرا بشكل كاف في السوق الرسمية، وشهد سعره زيادة في السوق الموازية منذ ابريل الماضي ليصل لنحو 3 جنيهات.
وأضاف "لقد ارتفعت أسعار السياحة الدينية في رمضان الماضي بما يتراوح بين 3 إلى 5% فقط وهو ما يقل عن زيادة تكاليف السياحة بحساب سعر الريال في السوق الموازية.. إذ كان من المفترض أن تزيد بنسبة 20% لكن ضعف الطلب حد من هذه الزيادة".
وترى ريهام الدسوقي أن التضخم مرشح لمزيد من الارتفاع خلال الأشهر المقبلة ليصل إلى 16%.
وتبرر ذلك بأن "هناك العديد من العوامل التي ستساهم في زيادة التضخم منها الخفض الجديد المتوقع في قيمة الجنيه مقابل الدولار بجانب التحول المنتظر من ضريبة المبيعات للقيمة المضافة والزيادة المتوقعة أيضا في أسعار المنتجات البترولية".
كان طارق عامر، محافظ البنك المركزي، قال في مقابلات مع ثلاث صحف نُشرت الأسبوع الماضي، إن محاولات المركزي السابقة للحفاظ على قيمة الجنيه في مواجهة الدولار كانت خطأ كبيرا.
وتحمل تصريحات عامر إشارة إلى تبنيه سياسة صرف أكثر مرونة قد تنعكس في صورة خفض جديد لقيمة الجنيه خلال الفترة المقبلة.
ويرى رئيس شعبة المستوردين، أحمد شيحة، أن قرارات حكومية طبقت خلال الفترة الماضية ساهمت في إعاقة الاستيراد، مما يجعل التضخم مرشحا للاستمرار في الزيادة خلال الفترة المقبلة، معتبرا أن "إعاقة الاستيراد ساهمت في تشجيع الممارسات الاحتكارية".
وطبقت الحكومة العديد من الإجراءات خلال الفترة الماضية للسيطرة على أزمة الدولار المتفاقمة، كان من أبرزها ما قامت به في منتصف مارس الماضي بتحديد 25 مجموعة سلعية تلتزم الشركات والمصانع المصدرة لها بأن تسجل بياناتها لدى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات المصرية، كشرط للسماح لتلك المنتجات بدخول مصر.
ولتيسير التعامل بالعملة الصعبة في السوق الرسمي ألغى البنك المركزي في مارس الماضي الحدود القصوى للإيداع والسحب النقدي بالعملات الأجنبية في البنوك، لكن هذه الميزة اقتصرت على المتعاملين الأفراد فقط واستمر تطبيق الحدود القصوى للشركات.
تعليقات الفيسبوك