يَجر قدميه الصغيرتين بقوة للتغلب على صعوبة المشي في طريق رملي تزيد مسافته على الكيلو متر. ويقول محمد سلمان الذي يبلغ من العمر عشر سنوات إنه يدرس بالمرحلة الابتدائية ويذهب إلى مدرسته الجديدة، كل صباح سيرا على الأقدام.
سلمان نزح برفقة أسرته من مدينة الشيخ زويد إلى العريش في شمال سيناء عام 2013 اضطرارياً، نتيجة تخوفهم بعد سقوط القذائف عشوائياً على المدارس والمنازل، بسبب اشتباكات قوات الأمن مع جماعات مسلحة.
نزح من الشيخ زويد خمسة آلاف و824 أسرة يقيمون في 86 تجمعاً وفقاً لإحصائيات لجنة حصر النازحين التابعة لمحافظة شمال سيناء في الفترة من 2013 وحتى منتصف 2016.
لم يكن محمد سالم الطفل الوحيد الذي تضرر تعليمه بسبب النزوح من مكان إلى آخر، إذ سبقه آلاف الطلاب بينهم من ترك التعليم نهائياً بسبب النزوح ودمار مدارس نتيجة الاشتباكات المسلحة.
عقب بحث استمر شهورا للحصول على عدد المدارس التي دمرتها الاشتباكات بين مسلحين وقوات الأمن، وللحصول أيضا على عدد الطلاب الذين تركوا مدارسهم ونزحوا لأماكن أخرى، لم نجد أي جهة حكومية أو غيرها تمتلك أي إحصاء لصعوبة الدخول لهذه الأماكن.
وتقول فاطمة عياد زويد إنها نزحت من بيتها بمنطقة الشيخ زويد إلى مدينة العريش لسقوط قذيفة عشوائية على منزلها جراء الاشتباكات، أدى لوفاة ابنها وزوجته ونجلته.
وتتساءل "إن كان ما الدولة تنفعنا مين ينفعنا؟" مطالبة الحكومة بأن توفر لها مأوى مناسبا حتى تستطيع أن تعول أربعة أطفال هم أبناء نجلها.
وتؤكد فاطمة على أنها تقطن في منزل وفره لها أبناء مدينة العريش لحين استقرار الحال.
من جهته، يقول محمد كريشان -يقطن العريش الآن- إنه ترك بيته ومزرعته بالشيخ زويد، ولم يتمكن من جلب الآلات الزراعية جراء الاشتباكات.
ويوضح كريشان أن المنطقة التي كان يعيش فيها قبل النزوح بمدينة الشيخ زويد جميع أفرادها نزحوا جراء الاشتباكات.
أما محمد سليمان المدرس بالإدارة التعليمية بمدينة الشيخ زويد فيقول إن عمليات نزوح المواطنين من الشيخ زويد إلى مدينة العريش وغيرها من الأماكن أثرت كثيراً على المسيرة التعليمية لطلاب محافظة شمال سيناء.
ويبلغ عدد طلاب محافظة شمال سيناء 110 آلاف طالب موزعين على 591 مدرسة، فيما يبلغ عدد الطلاب بمدينة الشيخ زويد 13 ألفا و184 طالبا موزعين على 62 مدرسة، ويبلغ عدد الطلاب في مدينة رفح 16 ألفا و464 طالبا موزعين على 68 مدرسة بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2016 – 2017.
ويؤكد سليمان انخفاض نسبة التحصيل العلمي لدى الجيل الحالي من الطلاب (اعدادي، ابتدائي وثانوي) بمدارس شمال سيناء وخاصة مدينتي رفح والشيخ زويد، مشيراً إلى أنها لا تتعدى 20% على أقصى تقدير.
وأرجع سليمان ضعف التحصيل العلمي لدي الطلاب إلى الأحداث التي تشهدها محافظة شمال سيناء.
ويقول سليمان إن المدرسين الذين يذهبون من مدينة العريش لتعليم الطلاب في الشيخ زويد ورفح يجدون صعوبة بسبب التشديدات الأمنية، ما يجعل المدرسين يتأخرون عن عملهم، ما يصعب عليهم تدريس جميع حصص اليوم الدراسي، فعلى أقصي تقدير يقومون بتدريس حصة أو حصتين من أصل ست حصص.
ويقول سليمان إنه ونتيجة لعمليات النزوح تراجع عدد الطلاب في رفح والشيخ زويد ما جعل الإدارة التعليمية تقوم بضم طلاب مدرستين أو ثلاثة من أجل توفير جهد المدرسين والطلاب.
ويشير سليمان إلى أن عددا كبيرا من طلاب الشيخ زويد ورفح تركوا المدارس نهائياً.
محمد فريج طالب بالمرحلة الإعدادية يقول إن مدرسته التي نزح منها في الشيخ زويد كانت بالقرب من منزله، مضيفا أنه الآن يذهب إلى مدرسة أخرى بمدينة العريش تبعد عن منزله قرابة كيلو متر.
ويشير فريج إلى أنه وجد معاناة كبيرة هو وأسرته من أجل توفير مكان بإحدى المدارس بعدما رفضته أكثر من مدرسة لاكتمال عدد الطلاب بها.
ويقول أبو صالح ولي أمر طالب إنه تقدم بأوراق أبنائه بالصف الثاني والثالث والرابع والسادس الابتدائي، لإحدى المدارس بالعريش بعدما قام بسحب مستنداتهم من مدارسهم بالشيخ زويد.
ويقول أبو صالح إن أولاده كانوا مجبرين بسبب الظروف التي تمر بها المحافظة على ترك مدارسهم والنزوح معه إلى العريش. ويضيف أن اختلاف المكان والمدرسين وأصدقاء أبنائه أثر عليهم دراسياً.
ويطرح أبو صالح وغيره من النازحين تساؤلات ممزوجة بحلم العودة، ولا يجدون لها اجابة، متى تنتهي الاشتباكات بين قوات الأمن والمسلحين؟ ومتى سيعودون إلى منازلهم ويعود أبناؤهم إلى مدارسهم؟.
"هذا التقرير من مخرجات برنامج أريج لصحافة الموبايل"
تعليقات الفيسبوك