نزح محمد صلاح من منزله بمدينة الشيخ زويد إلى مدينة العريش محافظة شمال سيناء هربا من الاشتباكات الدائرة هناك بين قوات أمن وجماعات مسلحة، رغم رفض والد محمد الرحيل معه وتمسكه بأرضه ومنزله.
على درب والد محمد أمتنع عشرات من المواطنين عن ترك منازلهم بالشيخ زويد، والنزوح إلى أماكن أخرى مفضلين البقاء.
صلاح يحاول من وقت لآخر زيارة والده وتزويده بالطعام، لكن الوضع الأمني يُصعِّب مهمته حتى في مجرد الاتصال نتيجة انقطاع شبكات الاتصالات على مدى 12 ساعة يوميا تقريبا.
مواطنون نازحون من الشيخ زويد ويترددون عليها من حين إلى آخر قالوا إن الحياة بالشيخ زويد الآن صعبة للغاية بعد النقص الشديد في المواد التموينية، والأدوية، وخدمات المستشفيات، وانقطاع المياه والكهرباء، علاوة على صعوبة التحرك إما بسبب حظر التجوال وإما بسبب الاشتباكات والتفجيرات اليومية وغلق الشوارع.
ويضيف المواطنون أن غالبية من بقوا بالشيخ زويد حتى الآن من الفقراء الذين لا يملكون القدرة المالية على استئجار سكن بأماكن أخرى.
وبحسب الموقع الرسمي لمحافظة شمال سيناء تبعد مدينة الشيخ زويد عن العريش عاصمة شمال سيناء 30 كيلومترا ويبلغ إجمالي عدد سكان المحافظة 446 ألف نسمة بينهم 55 ألف نسمة سكان مدينة الشيخ زويد وحدها وفق تحديث يناير 2016.
وتشهد محافظة شمال سيناء منذ مارس 2013 مواجهات أمنية عنيفة بين قوات الأمن وتنظيم أنصار "بيت المقدس" الذي غير اسمه إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في نوفمبر 2014.
يقول صلاح إن التشديد الأمني والأكمنة لفرض حصار على الجماعات المسلحة، تمنع حتى دخول المواد الغذائية والبضائع غالبية الوقت، ما يفرض حصارا غير مباشر على القاطنين هناك من المواطنين.
ويضيف صلاح أن التشديد الأمني لحصار الجماعات المسلحة تسبب في عزوف مندوبي مبيعات الشركات ومن بينها شركات الأدوية عن الذهاب إلى الشيخ زويد، ما أدى إلى نقص شديد في السلع الإستراتيجية التي يحتاج إليها المواطنون ومن بينها الدواء ومواد البناء.
التشديد الأمني
ويقول إبراهيم سليمان أحد المواطنين النازحين من مدينة الشيخ زويد إلى العريش إن قوات الأمن بأحد الأكمنة الأمنية المتمركزة شرق العريش على الطريق المؤدي لمدينة الشيخ زويد "كمين الريسة" صادرت جميع ما بحوزته من بضاعة تموينية لا يتعدى ثمنها مئات الجنيهات كان ينتوى بيعها بالتجزئة ليرتزق منها.
ويضيف سليمان أنه انتظر قرابة الساعة في طابور من السيارات حتى يأتي دوره للتفتيش من أجل المرور ما جعله يقطع طريق الشيخ زويد العريش البالغ مسافته 30 كيلومترا في 4 ساعات بدلا من نصف ساعة، بسبب للتفتيش في أكثر من كمين أمني على الطريق.
ويقول سليمان إنه ليس بغاضب ويعرف جيدا أن الوضع الأمني في سيناء يتطلب ذلك، ولكنه يتساءل "إلى متى سيبقى هذا الوضع؟ وما هي قدرة المواطن على استمرار التحمل؟"
رد الأمن
قال مصدر أمني بشمال سيناء إن الغرض من التشديدات الأمنية عند كمين الريسة لا تتعلق فقط بتنظيم دخول البضائع التموينية إلى الشيخ زويد ورفح لكنها في إطار إجراءات أجهزة الأمن بمدينة الشيخ زويد لإنشاء كمائن ثابتة ومتحركة ضمن أعمال تأمين مسرح عملية حق الشهيد 3 التي انطلقت منذ أيام بوسط وشمال سيناء.
ونجحت القوات المسلحة والشرطة في إنشاء كمين خامس في غضون 72 ساعة بجانب أربعة آخرين بمحيط قرية الجورة جنوب مدينة الشيخ زويد، وبجوار معسكر قوات حفظ السلام لإحكام الحصار على تحركات عناصر تنظيم ما يسمى بـ"بيت المقدس".
ويضيف المصدر أن منطقة الجورة تعتبر من بين المناطق التي كانت تتحرك فيها العناصر التكفيرية بحرية تامة، بعيدًا عن أعين القوات.
جماعات مسلحة
من جانبه يقول حسن اجميعان من السكان النازحين ويعمل سائقا على سيارة أجرة إنه حين يصل إلى مدينة الشيخ زويد بعد ساعات من الانتظار والتفتيش يقابله على الطرق الفرعية المؤدية إلى قرى جنوب الشيخ زويد أكمنة أخرى لكنها هذه المرة لجماعات مسلحة.
يضيف اجميعان أن الجماعات المسلحة تقوم بعمل أكمنة متحركة لمدد قصيرة على الطرق الفرعية وبعضها على الطريق الرئيسي للبحث والتفتيش في سيارات القادمين إلى الشيخ زويد وقراها عن جنود أمن من الذاهبين والعائدين من إجازاتهم علاوة على البحث عن أفراد مطلوبين لديها، ومن يعترض يتم قتله في الحال.
الكهرباء والمياه
يقول أبو مؤمن أحد مواطني الشيخ زويد النازحين إلى العريش إن والده وشقيقه الأصغر رفضا الانتقال معه ويعيشان الآن بحي الزهور بالشيخ زويد وسط معاناة ونقص جميع مقومات الحياة.
ويضيف أبو مؤمن أن شقيقه دائما ما يشكو له من انقطاع الكهرباء لمدد تصل إلى 10 أيام بالشهر وتزيد، كما يشكو له من انقطاع المياه أيضا لاعتماد محطة ضخ المياه على الكهرباء في عملية التشغيل.
ويقول أبو مؤمن إن انقطاع المياه والكهرباء عن الشيخ زويد بأكملها كان يحدث قبل نزوحه من الشيخ زويد إلى العريش، وعند الاستفسار عن سبب الانقطاع من الجهات المسئولة يكون الرد أن جماعات مسلحة اعتدت على الخط الرئيسي للكهرباء (كابل66) الواصل للشيخ زويد وجاري التصليح.
ويوضح أبو مؤمن أن غالبية السكان الباقين بقرى الشيخ زويد يعتمدون كثيرا على مياه الآبار الزراعية التي لا تصلح للشرب من الأساس.
هلع الأطفال
ويقول أبو مؤمن إن لديه خمسة أطفال أكبرهم 9 سنوات وأصغرهم لم يتجاوز سنتين وهم السبب الرئيسي، بجانب نقص الخدمات، لنزوحه من الشيخ زويد إلى العريش لكونهم تأثروا نفسيا بسبب الرعب من سماع دوي الانفجارات وأصوات المدافع والرصاص في الليل والنهار من جراء الاشتباكات بين قوات أمن وجماعات مسلحة.
ويضيف أن أطفاله كانوا يستيقظون من النوم في حالة فزع ويدخلون في نوبات بكاء حينما تدور اشتباكات وتتعالى أصوات زخات الرصاص والانفجارات.
وتظل معاناة الأهالي قائمة في الدخول والخروج لمدينتهم الأم الشيخ زويد لحين وجود أشعار آخر، وسط التشديد الأمني لحصار الجماعات المسلحة التي تتحرك من حين إلى آخر لتضرب ضربتها وتختفي.
تعليقات الفيسبوك