بعد علاقات غلب عليها التوتر على مدى سنوات، تسعى مصر حاليا لتوثيق الصلات مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة وعرضت تقديم تنازلات فيما يخص التجارة وحرية التنقل مقابل اتخاذ إجراءات لتأمين الحدود من متشددين موالين لتنظيم الدولة الإسلامية قتلوا مئات من رجال الشرطة والجيش في شمال سيناء.
ومصر على خلاف مع حماس التي تدير قطاع غزة منذ إعلان الجيش في 2013 عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تربطها علاقات تاريخية وأيديولوجية بالحركة الفلسطينية.
وتغلق مصر معبر رفح البري مع غزة ولا تفتحه إلا فيما ندر.
لكن القاهرة خففت القيود في الأسابيع الأخيرة، وأصبحت تسمح للشاحنات المحملة بالمواد الغذائية وإمدادات أخرى بالدخول لغزة وتقدم مساعدات للقطاع الذي يخضع لحصار إسرائيلي يقيد حركة دخول البضائع.
وجاء هذا التخفيف عقب زيارات قام بها مسؤولون كبار في حماس للقاهرة التي تريد استعادة دورها كوسيط إقليمي، والقضاء على المتشددين الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية في منطقة شبه جزيرة سيناء الاستراتيجية المجاورة لقطاع غزة وإسرائيل من الغرب وتحدها قناة السويس من الشرق.
ويستند هذا التطور في العلاقات بين الجانبين إلى جهود تقول مصادر مصرية وفلسطينية إن حماس تبذلها لمنع دخول المتشددين إلى سيناء أو خروجهم منها.
وقال مسؤولون مصريون وفلسطينيون إن هذه التغيرات قد تشير إلى بداية حقبة جديدة من التعاون الوثيق بين الجانبين بعد سنوات من التوتر.
وقال مصدر أمني مصري كبير "نحن نريد تعاونا في السيطرة على الحدود والأنفاق وتسليم منفذي الهجمات المسلحة ومقاطعة الإخوان. وهم يريدون فتح المنفذ وبالتالي رواجا تجاريا".
وأضاف أن هذا التعاون "بدأ بالفعل ولكن بشكل جزئي ونأمل في استمراره".
ولا تتواصل إسرائيل بشكل مباشر مع حماس لكنها تعمل مع مصر على تأمين الحدود ومراقبة الأوضاع في غزة. وعبر مسؤولون عسكريون عن دعمهم لأي إجراءات تسهم في تحقيق مزيد من الاستقرار في شمال سيناء وفي غزة.
وعززت حماس الأمن على طول حدودها مع سيناء على مدى العام الماضي ونشرت المئات من قوات الأمن وأنشأت مزيدا من أبراج المراقبة. وتشن الحركة أيضا حملة أمنية على جهاديين سلفيين مناوئين لاتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل توسطت فيه مصرعام 2014.
ولم تذكر حماس -التي يدعو ميثاقها لتدمير إسرائيل وليس لديها طموح للانخراط في أنشطة جهادية دولية- عدد المتشددين الذين اعتقلتهم وترفض وصفهم بالجهاديين.
وقال المصدر الأمني المصري إن القاهرة أعطت حماس قائمة تضم 85 هاربا تقول إنهم متورطون في هجمات وتطالب بتسليمهم إليها. ونفت حماس صلتها ببعض المطلوبين وقالت مصادر في الحركة إن من غير المرجح تسليم مطلوبين إلى مصر لكن ربما تجري الحركة تحقيقات.
وأكدت حماس لمصر أنه ليس لديها مصلحة في تأجيج الاضطرابات في جارتها العربية التي توسطت في عدة اتفاقات هدنة مع إسرائيل ومع فصائل فلسطينية منافسة.
وقال محمود الزهار -المسؤول الكبير في حماس- إنه "مقارنة بما قبل سنة.. الوضع أو العلاقة أفضل ولكنها ليست بالقدر المطلوب."
وأضاف أن "احتياجات شعبنا كبيرة جدا سواء احتياجهم للسفر لاستكمال الدراسة أو للعلاج أو للالتحاق بأشغالهم في الخارج أو احتياجهم لتجارة مفتوحة مع مصر هي حاجة كبيرة أيضا."
* ارتياب متبادل ومصالح مشتركة
نتج تحسن العلاقات بين مصر وحماس عن نشاط دبلوماسي مكثف بلغ ذروته الشهر الماضي بزيارة إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحماس للقاهرة للقاء مسؤولين بالمخابرات المصرية.
وعقدت سلسلة مؤتمرات حول الشؤون الفلسطينية في مصر على مدى الشهور القليلة الماضية شاركت فيها قيادات من فصائل فلسطينية مختلفة.
وقال منظمو هذه المؤتمرات إنها تأتي في إطار الجهود الرامية إلى استعادة مصر لدورها الإقليمي في أعقاب الفوضى التي شهدتها المنطقة بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011.
وقال الكاتب العزب الطيب الطاهر -المتخصص في الشؤون العربية بصحيفة الأهرام المصرية الحكومية التي استضافت أحد المؤتمرات في نوفمبر- إن الأمور تعود إلى طبيعتها في الوقت الراهن.
وأضاف أن المخابرات تستعيد علاقتها مع حماس وفقا لأطر محددة، أهمها ألا تصبح حماس بوابة رئيسية لتهديدات قادمة من غزة لاستهداف الأمن الوطني.
وبرغم الارتياب المتبادل، أبقت مصر وحماس على قنوات الاتصال بينهما إذ تجري دعوة مسؤولي الحركة لزيارة مصر بشكل منتظم.
وتدهورت العلاقات إلى أقصى حد في 2013 بعد عزل مرسي وحظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتصنيفها جماعة إرهابية وسجن الكثير من أعضائها ومؤيديها.
وفي هذا الوقت كثفت جماعة أنصار بيت المقدس المتشددة التي تنشط في شمال سيناء هجماتها على قوات الشرطة والجيش. وكانت الجماعة برزت في خضم الفوضى التي أعقبت انتفاضة 2011 في مصر وكانت تشن في البداية هجمات على خط الغاز الذي تصدره مصر لإسرائيل.
وفي 2014، أعلنت الجماعة مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية وغيرت اسمها إلى ولاية سيناء وبعد ذلك اتسع نطاق هجماتها إلى خارج سيناء ومن بينها هجوم استهدف كنيسة بالقاهرة في ديسمبر وخلف 28 قتيلا.
* "من المبكر الحديث عن التجارة"
في ظل الحصار الإسرائيلي وغلق معبر رفح منفذ غزة الوحيد إلى العالم الخارجي معظم الوقت، لجأ سكان القطاع لحفر آلاف الأنفاق على الحدود مع مصر لتهريب مواد البناء والسلع الاستهلاكية. ويقول مسؤولون مصريون إن الأنفاق تستخدم أيضا في تهريب السلاح وتنقلات المسلحين.
وفي مسعى للقضاء على المتشددين، أقامت مصر منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة وهدمت مئات المنازل ودمرت ما لا يقل عن ألفي نفق.
وتفرض مصر حالة الطوارئ وحظر التجول أثناء الليل في مناطق في شمال سيناء التي كانت شواطئها يوما مقصدا سياحيا. وأقامت أيضا حواجز أمنية ونقاط تفتيش وتشن ضربات جوية على مواقع وأهداف للمتشددين.
ولدى مصر رغبة قوية لتأمين المنطقة وإعادة الأوضاع لطبيعتها في ظل احتياجها لإعادة الاستثمارات الأجنبية التي هجرت البلاد بعد 2011 وكذلك الحال بالنسبة لأهل غزة.
وقال المصريون -الذين نظموا المؤتمرات الفلسطينية- إن من المحتمل أن يفتح معبر رفح الحدودي أمام حركة التجارة لعشرة أيام أو 15 يوما دفعة واحدة بدلا من بضعة أيام كل ستة أسابيع كما هو الحال الآن وذلك بهدف إعادة بناء الثقة.
لكن الهدف النهائي أكثر طموحا، ويتمثل في إقامة منطقة تجارة حرة ومنطقة صناعية على الجانب المصري لتسهيل التجارة وللسماح لأهل غزة بالسفر للخارج وخلق وظائف للشبان الذين قد يقعون فريسة لأفكار المتشددين.
وقال طارق فهمي -رئيس الوحدة الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط والذي شارك في تنظيم مؤتمرين فلسطينيين العام الماضي- إن الجانب المصري يعمل على التوصل مع حماس إلى "إطار عمل لنبني عليه في المرحلة القادمة وبناء إطار العمل هذا يقتضي ضرورة ضبط الحدود والمعبر سيفتح بصورة دورية".
وأضاف "نفكر في عمل تبادل تجاري جيد كل هذا مهم جدا للأشقاء في حماس ولقطاع غزة، لكن لا بد أنها تتجاوب والتجاوب سيأخذ بعض الوقت وإجراءات بناء الثقة. وهذا سيأخذ وقتا.. ليس من يوم وليلة."
وبالنسبة لسكان شمال سيناء الذين يقضون كثيرا من وقتهم كل يوم في عبور الحواجز الأمنية، فإن فكرة إقامة منطقة للتجارة الحرة تبدو غريبة. فالأوضاع الأمنية غيرت من معالم بعض المناطق التي تحولت إلى خرائب من المنازل المهدمة وسواتر أكياس الرمال والخنادق.
وقال أحد السكان "من المبكر جدا الحديث عن التجارة. فنحن لا نزال نعيش في منطقة أمنية".
تعليقات الفيسبوك