عاش الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية رجل الدين المصري المتشدد عمر عبد الرحمن حياة حافلة بالأحداث تنقل خلالها من مصر إلى السعودية ومنها للسودان حتى أعلنت وفاته يوم السبت في سجن بالولايات المتحدة التي وفرت له الملاذ ثم سجنته في نهاية الأمر.
وقالت وكالة رويترز إن عبد الرحمن ظل على مدى عشرات السنين رمزا مهما للإسلاميين المتشددين في مختلف أنحاء العالم حتى بعد سجنه لسنوات طويلة في الولايات المتحدة.
وأعلنت السلطات الأمريكية وفاة الرجل المعروف "بالشيخ الكفيف" يوم السبت عن 78 عاما في سجن بولاية نورث كارولاينا.
وذكرت السلطات أن الشيخ الذي كان يعاني من داء السكري ومرض الشريان التاجي سجن في المجمع الإصلاحي الاتحادي في بوتنر بولاية نورث كارولاينا لنحو عشر سنوات.
وذكرت رويترز أن عبد الرحمن عرف بأنه الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية التي حملت السلاح ضد الحكومة المصرية في مطلع التسعينيات.
لعبد الرحمن تاريخ طويل من المعارضة للحكومة المصرية وسجن مرتين إحداهما نحو ثمانية أشهر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 1970 والأخرى ثلاث سنوات بعد مقتل الرئيس أنور السادات في 1981.
لكنه نال البراءة في قضية اغتيال السادات الذي لقي حتفه برصاص إسلاميين متشددين خلال عرض عسكري في القاهرة.
امتياز مع مرتبة الشرف
ولد عبد الرحمن في 1938 في الجمالية إحدى مدن محافظة الدقهلية في دلتا النيل. وتقول ابنته أسماء في صفحتها على فيس بوك إنه فقد البصر بعد ولادته بعشرة أشهر.
وتضيف أسماء أنه أتم حفظ القرآن في الحادية عشرة من عمره ثم التحق بالمعهد الديني بمدينة دمياط الساحلية المجاورة ومكث به أربع سنوات حصل في نهايتها على الشهادة الابتدائية الأزهرية.
والتحق بالمعهد الديني في مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية وحصل منه على الثانوية الأزهرية عام 1960 ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة وتخرج فيها في 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف بحسب تعريف به نشرته ابنته.
عين في وزارة الأوقاف إماما لمسجد في قرية بمحافظة الفيوم ثم حصل على شهادة الماجستير وعمل معيدا بالكلية التي تخرج فيها مع استمراره في العمل بالخطابة.
وحصل لاحقا على درجة الدكتوراه وعين في 1973 مدرسا بكلية أصول الدين جامعة الأزهر في مدينة أسيوط بجنوب البلاد وقضى بها أربع سنوات ثم أعير إلى كلية البنات بالعاصمة السعودية الرياض حتى 1980 عاد بعدها إلى مصر.
في سبتمبر 1981 صدر قرار باعتقاله ضمن أكثر من ألف من معارضي السادات من السياسيين ورجال الدين والصحفيين لكنه هرب إلى أن ألقي القبض عليه بعد أسابيع.
ترك مصر إلى السودان ومنها إلى الولايات المتحدة وأيد مبادرة لوقف العنف أطلقتها الجماعة الإسلامية عام 1997.
وقالت رويترز إن الشيخ عبد الرحمن بلحيته البيضاء ونظارته السوداء وعمامته الأزهرية وشخصيته الكاريزمية كان وجها للإسلام المتشدد في الثمانينيات والتسعينيات.
وأضافت أنه دعا في خطبه النارية إلى قتل أشخاص وإسقاط حكومات يعارضها وإقامة نظام حكم إسلامي في مصر. وارتبط أتباعه بأعمال قتل وهجمات بقنابل لمتشددين في مختلف أنحاء العالم.
واتهم عبد الرحمن بإصدار فتوى أدت إلى اغتيال السادات في اكتوبر 1981 بعد أن عارضه لسنوات. وقال عبد الرحمن إنه علق من قدميه في سقف وضرب بالعصي وتعرض للصعق بالكهرباء عندما كان محتجزا إلى أن بريء من الاتهام ثم ذهب إلى منفى اختياري في عام 1990.
أمريكا توفر الملاذ
تمكن عبد الرحمن من السفر إلى نيويورك بعد أن منحته السفارة الأمريكية في السودان تأشيرة سياحة عام 1990 رغم أنه على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للأشخاص المرتبطين بجماعات إرهابية.
وأرجعت السلطات الأمريكية منح التأشيرة إلى خطأ في الكمبيوتر لكنها منحته عام 1991 بطاقة خضراء وإقامة دائمة في الولايات المتحدة.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أعطت موافقتها على طلب التأشيرة لعبد الرحمن الذي دعم المجاهدين ضد السوفييت في أفغانستان خلال الثمانينيات.
وعمل عبد الرحمن على نشر رسالته المتشددة وعاش في حي بروكلين بمدينة نيويورك وفي مدينة جيرزي سيتي القريبة بولاية نيوجيرزي وأكتسب أتباعا من الإسلاميين المتشددين. وحتى وهو في المنفى ظل عبد الرحمن قوة في الشرق الأوسط حيث كان أتباعه يستمعون إلى خطبه التي تندد بالحكومة المصرية وإسرائيل على شرائط الكاسيت والمحطات الإذاعية.
وأثناء الإقامة في الولايات المتحدة ارتبط عبد الرحمن وأتباعه بمقتل الحاخام المتشدد مائير كاهانا في نيويورك عام 1990 وبمقتل الكاتب المصري المناهض للمتشددين فرج فودة في مصر عام 1992 وبهجمات على سياح أجانب في مصر.
وألغت السلطات الأمريكية في 1992 البطاقة الخضراء لعبد الرحمن على أساس أنه كذب بشأن تهمة شيك بدون رصيد في مصر وبشأن أن لديه زوجتين عندما دخل البلاد.
وكان يواجه احتمال الترحيل عندما انفجرت شاحنة ملغومة في ساحة لانتظار السيارات أسفل مركز التجارة العالمي في 26 فبراير شباط 1993 مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة ما يربو على ألف في هجوم دفع الأمريكيين لإدراك أنهم ليسوا بمنأى عن الإرهاب الدولي.
إدانة بالتخطيط ليوم من الرعب
وبعد أربعة أشهر اعتقل عبد الرحمن وقدم للمحاكمة مع عدد من أتباعه في عام 1995 حيث اتهموا بالتخطيط ليوم من الرعب في الولايات المتحدة شمل اغتيالات وتفجيرات متزامنة لمقر الأمم المتحدة ومنشأة حكومية اتحادية رئيسية في مانهاتن وأنفاق وجسر يربط مدينة نيويورك بولاية نيوجيرزي.
وذكرت لائحة الاتهام أن عبد الرحمن وأتباعه خططوا "لشن حرب إرهاب في مناطق حضرية ضد الولايات المتحدة" في إطار الجهاد لوقف دعم الولايات المتحدة لإسرائيل وتغيير سياستها الشاملة تجاه الشرق الأوسط.
ولم توجه للمدعى عليهم اتهامات بشكل مباشر في هجوم مركز التجارة العالمي عام 1993 لكنهم أدينوا بالتآمر مع منفذي ذلك التفجير.
وشملت اتهامات عبد الرحمن أيضا التآمر لقتل الرئيس المصري السابق حسني مبارك خلال زيارة إلى الولايات المتحدة عام 1993 ومشرع يهودي بولاية نيويورك وقاض يهودي بالمحكمة العليا للولاية.
واعتمدت أغلب دفوع الإدعاء ضد عبد الرحمن وأتباعه على تسجيلات مصورة وصوتية سجلت بمساعدة حارس للشيخ أصبح مخبرا لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي). وأظهرت لقطات فيديو أيضا أربعة من المدعى عليهم وهم يخلطون أسمدة بوقود الديزل لصنع قنابل.
وبعد محاكمة استمرت تسعة أشهر أدين الشيخ وتسعة من أتباعه في أكتوبر عام 1995 في 48 تهمة من أصل 50 تهمة.
ولم يدل عبد الرحمن بشهادته أمام المحكمة لكنه في جلسة النطق بالحكم ألقى كلمة مؤثرة استمرت لأكثر من 90 دقيقة من خلال مترجم وزعم براءته وأدان الولايات المتحدة وقال إنها عدو لدينه.
وقال حينها "لم ارتكب أي جريمة سوى أني أتحدث مع الناس عن الإسلام."
وفي 2011 قتل أحد أبناء عبد الرحمن ويدعى أحمد في غارة شنتها طائرة أمريكية بدون طيار على قادة لحركة طالبان في باكستان.
ويقول أفراد في أسرة عبد الرحمن إنه تزوج مدرسة أنجب منها ثمانية أولاد وبنتين وتزوج مهندسة أنجب منها ابنا وابنتين.
وظل عبد الرحمن شخصية مؤثرة لدى الإسلاميين المتشددين حتى بعد سنوات في السجن. وقبل عام من تنفيذ أتباعه لأكبر هجوم على الأراضي الأمريكية (هجمات 11 سبتمبر 2001) أعلن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل الجهاد من أجل إطلاق سراح عبد الرحمن من السجن.
وعندما بدأ محمد مرسي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين رئاسته القصيرة في مصر عام 2012 قال إن إطلاق سراح الشيخ أولوية وعندما هاجم متشددون حقلا نفطيا في الجزائر واحتجزوا رهائن في 2013 طالبوا أيضا بإطلاق سراحه.
وفي عام 2006 حكم بالسجن على لين إف. ستيوارت محامية عبد الرحمن بالسجن 28 شهرا لمساعدتها في تهريب رسائل منه إلى أتباعه في مصر.
تعليقات الفيسبوك