ربما كانت هذه المرة الأولى التي تستغني فيها هانم عبد الجليل علي عن القطار - وسيلتها الآمنة للانتقال- بعد الزيادات الأخيرة التي وصلت بسعر تذكرة الدرجة الثانية من المنيا إلى القاهرة إلى ما يقرب من الخمسين جنيهًا. تحملت -السيدة المسنة- معاناة السفر لخمس ساعات "محشورة" -حسب وصفها- في ميكروباص ضم أهل قريتها "أشروبة" التابعة لمركز "بني مزار" من محبي الحسين.
قاومت هانم تدافع الناس في الطرقات المؤدية لمقام الحسين، وصولا للبوابة المخصصة للنساء، واندفعت بفعل الزحام الشديد نحو الداخل. وبعد إجراءات تأمينية استلزمت تفتيش حقائبها لحقت بركب من سبقوها من السيدات القادمات من مختلف محافظات الجمهورية للاحتفال بذكرى استقرار رأس الحسين في مصر.
ويحتفل المصريون بالحُسين مرتين سنويا، الأولى في 3 شعبان وهو تاريخ مولده، والثانية في ذكرى قدوم رأسه من مدينة عسقلان بفلسطين إلى مصر بشهر ربيع الآخر من كل عام وتكون في الثلاثاء الأخير منه، بحسب تصريحات مشايخ صوفيين لأصوات مصرية..
ويأتي الاحتفال بذكرى استقرار رأس الحسين في مصر بعد مجموعة إجراءات اقتصادية أثرت بشكل كبير على طقوس الاحتفال وهو ما رصدته "أصوات مصرية".
على عتبة الضريح وقفت فتحية التوني حسن، أو الحاجة أم عابد، -حسب ما تحب أن يناديها زوار المقام- تنظم حركة دخول وخروج النساء، مرتديًة زيًا يميزها عن غيرها من المتطوعات للخدمة.
وتقول أم عابد، "الناس تعبانه، ومناسبة زي دي بتخفف عنهم ضغوط الحياة". وتضيف "كلنا بنخدم في حب الحسين سيد شباب أهل الجنة وبلا مقابل".
والخدمة هي ما يقوم به المشاركون في الاحتفال لخدمة الزائرين ويتضمن نصب خيام وفرش وطبخ وعمل مشروبات وتقديمها مجانًا.
وتوضح حسنية محمد البيهي، موظفة وإحدى زوار المقام، "فيه احتفالين بسيدنا الحسين. الأول احتفال بميلاده في شهر شعبان، ويستمر لمدة ثلاثة أيام، والثاني احتفال بميلادنا إحنا المصريين بوجود مولانا بينا وده الاحتفال الأكبر ويستمر لمدة تسعة أيام بحيث يكون يوم الثلاثاء الأخير من نفس الشهر ربيع الآخر هو الليلة الختامية". وعن الاحتفال هذه المرة تقول "الحالة الاقتصادية والأسعار مأثرة طبعا علينا كلنا".
من إحدى "نصبات" الشاي المجاورة لساحة المقام يقول "الحاج عبد الله حسين"، من سكان الجمالية، "الأسعار أثرت على الخدمة واللي كان بيعمل زمان سندوتشات لحمة ورز اكتفى السنة دي بنصبات الشاي".
وتحكي "الحاجة أم شريف"، من سكان حي الحسين، عن أزمة السكر، قائلة، "الكيلو وصل 15 جنيها لكن ده عادتنا نقدم الشاى لضيوف البيت ولأول مرة اعتمد على سكر التموين الخاص بي كله، بجانب مساعدات أهل الخير من المتبرعين من سكان الحي، وربنا يقدرنا ونكمل خدمة وبعد مولد الحسين ننقل النصبة لمولد ستنا نفيسة وغيره من الموالد وكله في حب رسول الله لأنه قال: أنا من حسين وحسين مني".
الارتفاع في أسعار السلع الأساسية كان له أثر واضح على نوعية الأطعمة المقدمة كنفحات. اللحوم -والتي وصل سعرها إلى 90 جنيها للكيلو- اختفت من موائد الخيام الخاصة أو التابعة للطرق الصوفية، واستبدلت أطعمة بأخرى حيث احتلت المكرونة محل الأرز الذى وصل سعر الكيلو منه 7 جنيهات. واكتفى البعض بالملوخية الجافة إلى جانب الخبز، وما زال الفول النابت يقاوم، في حين اختفى العدس نهائيا بعد أن وصل سعر الكيلو 26 جنيها.
ويقول "الحاج رشاد هلال"، من الطريقة الرفاعية، "إحنا بنحاول نحافظ على نكهة الليلة.. والاحتفال مش بس أكل، فيه حلقات ذكر وإنشاد والاتصال الروحي مع أحياء السيرة العطرة لآل البيت هو الأهم".
لكن محمد سيد علي شبل، من مركز أشمون المنوفية، والتابع للطريقة الأحمدية لا ينكر تأثير الأسعار على احتفال الطرق الصوفية هذا العام ويقول، "الحال نايم والحاجة غالية .. إحنا بندفع من جيوبنا وما يقدمه أهل الخير من تبرعات". ويضيف "عدد الخيام اللي في الخدمة أقل من موالد سابقة، حتى الفرش اللي بنعتمد فيه على البطاطين والأكلمة كمبيت للقادمين من المحافظات هو نفس الموجود وبحالته السيئة .. ما بقاش ممكن إضافة أعداد جديدة أو تجديد الموجود".
وفيما يخص الأطعمة المقدمة يوضح، "العدس كان من الوجبات الأساسية وكمان النابت خاصة في فصل الشتاء، لكن ضغط الأسعار خلانا نستبدلها بأطعمة أقل تكلفة".
ويؤكد أن الأصل في الاحتفال إطعام الناس والفوز بالخدمة عبر المنافسة بين الطرق وبعضها و"كله لله".
صوت مديح آل بيت الرسول بصحبة فرقة من الطبل البلدي بمقهى يقع في ظهر المقام يجمع الناس، عجوز يرقص متوشحا بشارة حمراء وأخر معمم وهذا يطالب الفرقة بأناشيد معينة.. فيما يحتفظ صاحب المقهى بمكانه يتابع حركة الزبائن.
يقول الحاج عصفور "مولد سيدنا الحسين هيظل رغم كل شىء هو الأجمل تأتى إليه الناس من كل الطبقات موظفين وقضاه فقراء وغلابة صعايدة وبحاروة هدفنا مش جلب مزيد من الزبائن من خلال هذه الفرقة التى تعمل معنا على مدار التسع أيام الخاصة بالأحتفال هدفنا نفرح ونفرح الناس" .
تحت مبنى قديم بالقرب من مقام أم البنين الكامن ضمن ساحة الحسين تظل النسوة النوبيات تحيين الذكرى على طريقتهن بالدفوف يقطع أصواتهن اذان العشاء "الله اكبر الله اكبر" .
تعليقات الفيسبوك