يحتفل المصريون بعد أيام قليلة بالمولد النبوي، وهي مناسبة ترتبط عادة بشراء أنواع مختلفة من الحلوى، وتأتي هذا العام وسط ضائقة اقتصادية بعدما رفع الجنيه الراية البيضاء أمام الدولار، لكن جعبة المصريين بها دائما كثير من الحيل للتغلب على مرارة الصعوبات وشدائدها.
" نستطيع عمل علبة حلوى بعشرين جنيه فقط، كذلك نبيع لمحلات الحلويات الكبرى، تأخذ ما نُصنِّعه وتغلفه هي وتطبع عليها شعارها وبأسعار أكثر بكثير مما نعرضه نحن"، بهذه الكلمات بدأت الحاجة عنايات صاحبة مصنع لحلوى المولد النبوي حديثها، بعد أن أضطرت لإغلاق ثمانية مصانع وأبقت على واحد للتغلب على تزايد تكلفة صنع الحلوى بعد ارتفاع سعر السكر وشحه في الأسواق .
تُجسد مصانع الحاجة عنايات، والكائنة بشارع باب البحر بميدان رمسيس في وسط القاهرة، أثر مشكلة ارتفاع أسعار الحلوى على سوق بيعها من ركود لم يسبق له مثيل، وما يلجأ اليه أصحاب المصانع والتجار وأصحاب المحلات الكبرى وكذلك المواطن من أفكار للتكيف مع تلك الأزمة.
ففي الوقت الذي أقتصرت فيه عنايات على محل واحد يصنع الحلوى، أعد تجار علبة "حلويات" بتكلفة 20 جنيها، وبادرت محلات كبرى بدورها بتقديم عروض لم تقدمها في السنوات السابقة، ودعا البعض على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، الى صناعة تلك الحلوى بالمنازل، فيما عرضت بعض برامج الطهي طرقا متعددة لكيفية إعداد حلوى المولد بالمنزل.
وأعلن طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري في الثالث من نوفمبر الحالي تعويم الجنيه بترك تحديد سعره للعرض والطلب ليصل تراجع قيمته أمام الدولار إلى حوالي مئة في المئة.
وعقب التعويم ارتفعت أسعار السكر وسلع أخرى كالبنزين والسولار، وغاز السيارات وأنابيب البوتاجاز والمازوت.
- تحدي تحطيم الأسعار
في زقاق باب البحر القريب من ميدان رمسيس، يعرض التاجر حسن الزغاط، حارة جانبية صنوفا عدة من حلوى المولد، عرائس وأحصنة وأقراصا من السمسمية والفولية وغيرها، ويدعو المارة لمعاينة علب حلوى سعر الواحدة منها 20 جنيها فقط.
يقول الزغاط "ورثت هذه المهنة عن أبائي وأجدادي، ولم أر في حياتي جنون أسعار مثلما رأيت هذا العام، حيث ارتفعت بنسبة 100% أو يزيد لكل مكونات الحلوى وأهمها السكر"، ونظراً لضعف الاقبال عليها هذا العام عن سابقه، قمنا بإعداد عُلبة ثمنها 20 جنيها فقط بها اصناف معقولة، وأخرى بثلاثين وغيرها بأربعين.
لم ينس الزغاط سرد معاناته بسبب ارتفاع الأسعار فيقول" إن زيادة أسعار مكونات الحلوى من نشا وسكر وجوز الهند ولوز وسمسم وفول سوداني وغيرها، وضعنا والمشتري في موقف لا نُحسد عليه، حيث اننا ننتظر ذلك الموسم كل عام لنحقق أرباحا معقولة نقتات عليها باقي العام، إلا أن هذه الزيادة أجهضت أرباحنا المنتظرة." ويضيف الزغاط، أن ورق السوليفان زاد الضعف وأكثر، فبعدما كان بعشرة أصبح ب24 جنيها، كذلك ارتفعت أسعار الحبوب والسمسمية 50% تقريباً.
- رشنال وصاحبته
ليس الصانع بأفضل حالا من التاجر، واقع تحكيه عنايات صاحبة مصنع "رشنال"، فتقول إنه "من الصعب الآن استمرار أصحاب المصانع في مهنتهم هذه، ولذا أضطررت الى إغلاق ثمانية محلات كانت تُصنع شتى صنوف الحلوى، وأبقيت على واحد بهدف الابقاء على اسم المصنع في السوق لحين الانتهاء من الأزمة الإقتصادية التي تمر بها مصر وتؤثر على مصانعنا.
وتتابع عنايات، أن كثيرا من محلات الحلوى الكبرى في مصر، تشتري منا منتجاتنا من الحلوى وتقوم بتغليفها وطبع شعار المحل عليها، وبيعها على أنها من انتاجها، ونضطر إلى الموافقة لمواجهة هذا الكساد، بينما تبيعه هي بأسعار مرتفعة.
وعن الأسعار تقول إنها "زادت أضعاف ما كانت عليه وأكثر، فأولاً لم نعد نشتري السكر جملة ولا بالطن كما كنا، بل نشتريه بالشيكارة (الجوال) بعد أن ارتفع ثمنه من 250 الى 850 جنيها للطن، كذلك كان سعر شيكارة جوز الهند 1200 جنيه، واصبح 2400، وكذلك باقي أسعار المكونات ومستلزماتها من كرتون وخلافه. وترسل عنايات رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي فتقول" إن ما وعد به الرئيس لم نره على أرض الواقع، انظر الينا يا سيادة الرئيس، لن نجد قوت يومنا بعد ذلك.
- حلوى مولد بيتي
اذا لم تستطع شراء حلوى المتاجر الكبرى والتي تجاوز أسعار بعضها ستمائة جنيه للعلبة الواحدة، فعليك تصنيعها بنفسك، هكذا دعا رواد السوشيال ميديا. وقدمت صفحات مثل "هوانم شوبينج بيع واشتري اللي نفسك فيه" بعرض طريقة مبسطة مرفقة بالصور لصناعة العديد من أنواع حلوى المولد النبوي الشريف.
كذلك استعرضت بعض برامج الطهي طرق صناعة حلوى المولد، منها ما قام به الشيف حسن على شاشة "MBC"، حيث قدم طرقا مختلفة لربات البيوت عن كيفية إعداد الفستقية والسمسمية، كما قام بالإجابة على تساؤلات حول كيفية صناعة القشطة والنوجا وغيرها من الحلوى.
- الزبون دايما على حق
ويقول الموظف محمد محسن "إن ما يقدمه التجار من عروض لا بأس بها، وليست مشكلة التاجر ولا الصانع ولا مشكلتي كمستهلك، لأن زيادة الأسعار هي من تسببت فيما ألم بنا جميعاً والجميع متضرر." وتابع محسن، هناك مثل شعبي "الزبون دائماً على حق" ولذا فمن حقي اختيار ممن أشتري، ووحدي أقرر من الأفضل والطريقة التي تناسبني، فليس شرط في السلعة انخفاض سعرها، وإنما ايضاً أبحث عن الجودة، وهي عادة تتوفر في المحلات الكبرى.
وقالت رضا محمد ربة منزل باب اللوق، "إننا نلجأ أحياناً الى شراء حلوى المولد من المحلات الكبرى، عند تقديم الهدايا لبعضنا، او من خطيب لعروسه، ولكننا في الغالب نشتري من محلات أقل سعراً نظراً للظروف الطاحنة التي نمر بها جميعاً، وتساءلت رضا عن المدة التي سيضطر فيها المواطن المصري الى مكابدة صعوبات المعيشة، منتقدة الدعوات التي أطلقها بعض الإعلاميين لمقاطعة حلوى المولد النبوي، مؤكدة على أنها عادة مصرية أصيلة وطقس ينشر البهجة فلماذا نمنعه طالما لدينا حلول.
تعليقات الفيسبوك