يستعد الناخبون الأمريكيون للإدلاء بأصواتهم الثلاثاء في ماراثون رئاسي مثير للجدل، بين المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، وغريمته الديمقراطية، هيلاري كلينتون.
وأظهرت الحملات الانتخابية للمرشحين والمناظرات التي عقداها، حضورًا قويًا لقضايا الشرق الأوسط والإرهاب، من خلال التركيز على مستقبل واشنطن مع دول المنطقة، خاصة بلدان الخليج ومصر، فضلا عن اتهامات بتمويل بعض هذه الدول لحملات مرشح بعينه من أجل الحصول على أولوية خلال فترة الرئاسة المقبلة.
وفي بداية العام الحالي، شن ترامب حملة إعلامية واسعة، طالب فيها كلينتون بإرجاع الأموال التي تلقتها من دول عربية والتي تبلغ 25 مليون دولار، حسب تقديره، وقال عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك إن "السعودية والعديد من الدول، التي تعامل النساء كإماء وتقتل المثليين، أعطت مبالغ مالية كبيرة لمؤسسة كلينتون، ينبغي على كلينتون أن تعيد جميع هذه الأموال".
* مصر حاضرة
دائمًا ما كانت مصر من أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وبالرغم من توتر العلاقات بين البلدين مع تداعيات عزل الجيش لرئيس الأسبق محمد مرسي بعد الاحتجاجات الشعبية على حكمه، وتعليق واشنطن لجزء من المساعدات العسكرية للقاهرة، إلا أن المياه عادت لمجاريها بين البلدين واعتمد الكونجرس، في شهر نوفمبر 2015، المساعدات العسكرية لمصر لعام 2016 دون أي تعديلات.
والتقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالمرشحين الرئاسيين في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث ظهر مدى التقارب مع ترامب لدرجة دفعته إلى وصف الرئيس المصري بـ"الفتى الرائع"، مشيرا إلى وجود "كيمياء" بينهما.
وحسب موقع "بوليتيكو" الأمريكي، فإن السيسي وصف ترامب بعد اللقاء بأنه سيكون قائدا قويا إذا ما تولى الحكم. وردا على هذه الإشادة، اعتبر ترامب أنه حظي باجتماع مع رجل رائع، قائلا "لقد التقينا لفترة طويلة في الواقع، وقد كانت بيننا كيمياء ومشاعر جيدة".
وفي الوقت الذي تتعرض فيه الحكومة المصرية لانتقادات غربية بسبب حملتها ضد المعارضة، يرى ترامب الأمور من منظور آخر، إذ أشاد بسياسة السيسي في السيطرة على بلاده، معربا عن دعمه لحرب مصر ضد الإرهاب، وأكد أنه خلال حكمه ستصبح أمريكا صديقا مخلصا وليس فقط حليفاً يمكن أن تعتمد عليه مصر في السنوات المقبلة.
وعلى الرغم من هذه "الكيمياء"، إلا أن الرئيس المصري يفضل إمساك العصا من المنتصف، إذ أعرب أيضا عن ثقته في المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، التي وعدت بعدم تغيير سياسة بلدها تجاه مصر حال فوزها بالرئاسة.
وقد برز اسم مصر كإحدى الدول التي تحاول مبكرا التأثير في العملية الانتخابية بدعم المرشحة الأوفر حظا، هيلاري كلينتون، بينما كان المرشحون الأمريكيون يستعدون لخوض الانتخابات الداخلية في الحزبين منذ عام 2014 تمهيدا للوصول إلى المنافسة النهائية لدخول البيت الأبيض.
ونشرت خدمة "ألتر نت" الأمريكية الإخبارية على الانترنت في بداية العام الحالي، وثائق بموجب قانون تسجيل وكلاء الدول الأجنبية Foreign Agent Registration act، تفيد بأن القاهرة تستخدم جماعة ضغط (لوبي) في واشنطن تعمل لحسابها وتتولى دعم هيلاري كلينتون.
وكشفت الوثائق أن مؤسسة استشارات الاتصالات "جلوفر بارك جروب Glover Park group" تدعم المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية موضحة أن هذه الشركة التي يديرها أعضاء سابقون في إدارة بيل كلينتون، وبيل كلينتون نفسه، تعمل كشبكة ضغط لمصر منذ عام 2013 وتتولى عقد علاقات مع مسئولين بالكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية.
ووفقا للوثائق، فإن مصر دفعت أكثر من 5 ملايين دولار لهذه المؤسسة، وأحد قياداتها نظم عملية جمع تبرعات لهيلاري كلينتون في أبريل 2014 وصلت لآلاف الدولارات من أجل دعمها للترشح للرئاسة، وفي الوقت نفسه تبرع موظفون بالشركة بأكثر من 15 ألف دولار دعما لكلينتون.
وبحسب الموقع الذي نشر الوثائق، فإن مصر تحاول أن يكون لها دور كبير عبر هذا الطريق إذا ما فازت كلينتون، وأن هذا قد يدفع الرئيسة الأمريكية الجديدة للتغاضي عن انتهاكات حقوقية في القاهرة.
وتبرز مصر مرة أخرى في معادلة الانتخابات الأمريكية حيث يهاجم ترامب كلينتون لسماحها بسقوط حسني مبارك إبان توليها وزارة الخارجية الأمريكية، وما ترتب على ذلك من فوضى عامة في الشرق الأوسط الذي لا يزال ممزقا بسبب هذه الخطوة، بحسب ما نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية نهاية أكتوبر الماضي.
* السعودية ودول الخليج.. بين التمويل ودعم الإرهاب
السعودية من الدول التي تحاول أن تلعب دورا كبيرا في تشكيل السياسة الأمريكية، نظرا للتحالف والشراكة بين الدولتين منذ تأسيس المملكة، وإدراك واشنطن أهمية الرياض، لاسيما لثروتها البترولية.
وفي الانتخابات، يبدو أن المملكة تميل إلى المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، خاصة في ظل النبرة العدائية التي يتبناها المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، والتي وصلت إلى حد قوله إنه بدون الولايات المتحدة، لم يكن هناك شيء اسمه المملكة العربية السعودية.
وتعتبر السعودية من أكبر الممولين للحملات في هذه الانتخابات، لا سيما لهيلاري كلينتون.
وخلال الشهر الماضي، نشرت وكالة "بترا" الأردنية تصريحات نسبته لولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قال فيه إن الرياض لا تزال تلعب دورها القديم في دعم حملات المرشحين للانتخابات الرئاسية، مؤكدا أنها تمول 20% من تكلفة الحملات الانتخابية الرئاسية.
غير أنه وبعد تناقل وسائل إعلام عالمية لهذه التصريحات، خرجت المملكة لتنفيها لا سيما أن القانون الأمريكي يحظر الاستعانة بتمويل خارجي للحملات الانتخابية، وقالت الوكالة الأردنية إن اختراقاً وقع لموقعها وتم نشر هذه التصريحات.
لكن وسائل إعلام أمريكية رصدت في تقارير لها تبرعات سعودية لكلينتون.
ففي تقرير نهاية أغسطس الماضي، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن المملكة السعودية تبرعت بأكثر من 10 ملايين دولار لمؤسسة كلينتون، موضحة أنه على مدى أعوام، ازدهرت مؤسسة بيل وهيلاري و(ابنتهما) تشيلسي بشكل واسع معتمدة على كرم "المانحين" الأجانب الذين أعطوا مئات الملايين لهذه المنظمة التي يمثل نشاطها الخيري حصان طروادة لحملة كلينتون الرئاسية، موضحة أن المؤسسة تلقت تبرعات كبيرة من دول مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والجزائر وبروناي.
وأضافت الصحيفة أن السعودية متبرع كريم، إذ أعطت المؤسسة ما بين 10 إلى 25 مليون دولار، فضلا عن مليون دولار على الأقل من جمعية "أصدقاء السعودية" التي شارك في تأسيسها أمير سعودي.
وفي تقرير آخر، تحت عنوان "منح الحكومات الأجنبية لمؤسسة كلينتون في تزايد"، أوضحت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن دولة الإمارات أعطت ما بين مليون إلى 5 ملايين دولار في 2014 لمؤسسة كلينتون، أي مع انطلاق الحملات للانتخابات الرئاسية.
إلا أن الجانب الآخر للعلاقة بين دول الخليج والمرشحة الديمقراطية يظهر في الاتهامات التي وجهتها لهم بدعم جماعات متطرفة.
وأظهر إيميل نشره موقع ويكليكس لهيلاري كلينتون يعود إلى عام 2014، ضمن رسائل تم تسريبها من الحساب الشخصي لمدير حملة كلينتون، جون بودستا، بداية أكتوبر الماضي أنها ربطت بين السعودية وقطر وتنظيم داعش، باعتبار أن الدولتين قدمتا دعما للتنظيم.
وفي خطاب لها بداية العام الحالي، دعت كلينتون السعودية وقطر والكويت إلى ممارسة المزيد من الضغوط على مواطنيها لوقف تمويل الجماعات الإسلامية المتطرفة، قائلة: "حان الوقت للسعوديين والقطريين والكويتيين وآخرين لوقف مواطنيهم من دعم الجماعات المتطرفة".
وأضافت "وينبغي عليهم هم أن يوقفوا دعم المدارس المتطرفة والمساجد التي تضع الكثير من الشباب على طريق التطرف حول العالم".
وأثار هذا سخرية ترامب الذي كتب: "هيلاري المنافقة تقول إنه ينبغي أن ندعو السعودية والدول الأخرى لوقف تمويل الكره، وأنا أدعوها لإعادة أكثر من 25 مليون دولار فورا حصلت عليها منهم لمؤسسة كلينتون".
أما ترامب، فيظهر للرياض على أنه "كابوس" ينبغي تخطيه، لا سيما أنه لا يفوت فرصة إلا ويوجه انتقادا لاذعا للمملكة منذ الأيام الأولى للانتخابات التمهيدية، حتى قال صراحة في حوار لقناة NBC، في نهاية أغسطس 2015، إنه ليس من المشجعين للسعودية، وأن أمريكا دفعت كثيرا جدا من أجل جعلها تقف على أقدامها.
وتابع ترامب: "السبب الرئيسي في أننا مع السعودية هو حاجتنا إلى البترول، والآن نحن لسنا بحاجة له كثيرا". وأضاف "المملكة سوف تسقط قريبا في مشكلة وسوف تحتاج المساعدة، لكن لم نحصل على شيء من قبل مقابل مساعدتهم، في حين أنهم يكسبون مليار دولار يوميا".
وفي حوار أيضا مع صحيفة "نيويورك تايمز" نهاية مارس الماضي، لوح ترامب بأنه سوف يوقف شراء أمريكا للبترول من السعودية ودول الخليج إذا لم تمول هذه الدول الجهود العسكرية التي تبذلها بلاده تجاه تنظيم داعش، أو لم ترسل قوات على الأرض للمشاركة في القتال.
* الاتفاق النووي الإيراني
معارضة ترامب الشرسة للسعودية، لا تعني أنه يميل إلى كفة إيران، إذ يحمل المرشح الجمهوري أيضا موقفا معارضا للدولة الفارسية وكذلك الاتفاق النووي الإيراني الموقع في يوليو من العام الماضي بين طهران والدول الخمس الكبرى.
ففي حواره مع قناة "NBC"، أكد ترامب أنه سوف يعلق العمل بالاتفاق النووي الإيراني إذا أصبح رئيسا.
أما موقف كلينتون تجاه الاتفاق النووي الإيراني فيبدو جليا منذ توليها وزارة الخارجية الأمريكية، إذ أنها كانت ضمن المسئولين الذين تفاوضوا مع إيران للتوصل للاتفاق النووي، قبل أن يكمل خليفتها جون كيري هذه المفاوضات.
* ليبيا
يعد التدخل في ليبيا من أكثر النقاط التي تسبب صداعاً لحملة كلينتون، والتي يلجأ إليها المرشح الجمهوري حينما يصبح موقفه ضعيفاً أو في وضع دفاعي أمام غريمته الجمهورية. الأمر يزداد سوءا، حينما يقرر ترامب التطرق إلى "تعامل كلينتون السيئ" مع هجوم القنصلية الأمريكية في بنغازي عام 2012، الذي تسبب في مقتل السفير الأمريكي هناك.
فخلال المناظرة الأولى للانتخابات الرئاسية في 26 سبتمبر الماضي، انتقد ترامب موقف كلينتون تجاه الأزمة الليبية، مؤكدا أن القصف الجوي على ليبيا في 2011 "واحد من كوارثها"، بعدما قادت الحملة للدعوة للتدخل في ليبيا، واصفا إياها "بالتدخلية"، وأنها السبب في موجة المهاجرين إلى أوروبا والفوضى التي تعيشها هذه البلد، بحسب ما نشر موقع "ذا انترسبت".
وعلى الرغم من اعترافها بأنها أخطأت في التقدير فيما يتعلق بإسقاط القذافي، إلا أن كلينتون حاولت تقوية موقفها بالتأكيد بأن ترامب هو الآخر كان داعما للتدخل في ليبيا.
* القضية الفلسطينية
على الرغم من موقف ترامب المناهض للمسلمين، منذ تصريحه خلال الانتخابات التمهيدية بأنه سيمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة إذا ما فاز في الانتخابات الرئاسية، إلا أنه تعهد بأن يكون "حياديا" في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الأمر الذي أثار جدلا واسعا آنذاك.
غير أن هذه الوعود تبخرت مع لقاء ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 25 سبتمبر الماضي على هامش جمعية الأمم المتحدة، إذ شارك المرشح الجمهوري المسئول الإسرائيلي في الرأي في أن السلام لا يمكن أن يحدث قي ظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على مدى أجيال نتيجة العرقلة التي يتسبب فيها الفلسطينيون، حسب وصفه.
كما صرحت حملة ترامب عقب الاجتماع بأن الإسرائيليين يريدون سلاما عادلا وطويلا مع جيرانهم، ولكن هذا سيكون ممكنا فقط حينما يتخلى الفلسطينيون عن العنف ويقبلوا بإسرائيل كدولة لليهود، بحسب ما نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وفيما يتعلق بكلينتون، فقد أعادت المرشحة الديمقراطية تأكيدها على التزامها بالعمل تجاه حل الصراع الفلسطيني على أساس الدولتين من خلال تفاوض مباشر يضمن مستقبل إسرائيل كدولة يهود آمنة وديمقراطية مع حدود معترف بها، وتحقيق الاستقلال والسيادة والكرامة للفلسطينيين، بحسب بيان لحملتها بعد لقاء نتنياهو.
كل هذه النقاط كانت مطروحة على مدى الحملة التي انشغلت بالعرب والشرق الأوسط أكثر من المعتاد.
تعليقات الفيسبوك