موجهًا حديثه إلى مات لوير في المنتدى التلفزيوني تحت عنوان القائد العام للقوات المسلحة يوم 7 سبتمبر، قال دونالد ترامب "لقد قلت دائماً، يجب الاستيلاء النفط." وكما جاء في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي على موقعها على الإنترنت، فإنها من الحالات النادرة التي لا يعتمد ترامب فيها على المبالغة. كان الاستيلاء على نفط الشرق الأوسط يمثل دائماً إحدى لزمات ترامب المفضلة في السياسة الخارجية. ردد الكلمة نفسها مرارًا قبل منتدى 7 سبتمبر؛ أثناء المناظرة الرئاسية الأولى يوم 26 سبتمبر، وفي خطاب السياسة الخارجية بمدينة يونجستون، أوهايو يوم 15 أغسطس، وفي كثير من لقاءات الدعاية الانتخابية في الربيع والصيف. وكان لهذا الأسلوب امتدادًا سابقًا على الحملة الرئاسية.
وفي كل مرة ينطق ترامب هذه العبارة، يقولها بالصياغة نفسها: كان علينا الاستيلاء على نفط العراق أثناء احتلالها. وبالطبع، لم يصل هذا بعد إلى سياسة خارجية متماسكة. ولكن ترشيح الحزب الجمهوري لترامب، يلزم الرأي العام الأمريكي بمحاولة فهم الأمر - والاعتراف بأن ترامب لم يكن أول شخصية بارزة تقترح الاستيلاء العنيف، بواسطة القوات المسلحة الأمريكية، على حقول نفط الشرق الأوسط. ورغم تهور تلك السياسة، خطت الإدارات السابقة إلى حافة تحقيقها دون ضجيج.
ساق ترامب تبريرات متعددة للاستيلاء على نفط الشرق الأوسط. وزعم أثناء مناظرة 26 سبتمبر، أن القيام بذلك قبل الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية من العراق في2011، كان من شأنه منع تأسيس الدولة الإسلامية، حيث مثل هذا النفط "مصدرهم الأساسي للدخل." (ويتجاهل هذا أن الدولة الإسلامية لا تسيطر سوى على حقول النفط في شمال العراق، بينما كانت القوات الأمريكية متمركزة على نطاق واسع حول حقول الجنوب.) ومع ذلك، كان ترامب يقصد اقتناص الغنائم: مصادرة النفط العراقي باعتباره مكافأة شرعية على هزيمة صدام حسين واحتلال البلاد. وقال إلى جورج ستيفانوبولوس عام 2011 مشيرًا إلى النفط العراقي "في ماضي الأيام، كنت تعلم عندما تواجه حربًا، أن الغنائم من نصيب المنتصر. تدخل. تكسب الحرب، وتستولى عليها."
ولا تعد العراق الدولة العربية الوحيدة التي يراها ترامب هدفًا لاستيلاء أمريكا على نفطها. ففي 2011، أثناء الربيع العربي، بعد اندلاع التمرد ضد معمر القذافي في ليبيا مباشرة، تحدث بوقاحة عن سلب نفط البلاد. وقال لجريتا فان سوستيرين في فوكس نيوز "أود الذهاب إلى هناك مباشرةً، والاستيلاء على النفط."
وكان الحديث حول مثل هذه الخطوة واسع الانتشار إلى حد ما حينذاك بين الصقور الجمهوريين في واشنطن، وأخذ ترامب هذه الفكرة عن عديد من الجنرالات السابقين والمحللين الاستراتيجيين. وثارت مناقشات حول استيلاء أمريكا على النفط العربي في أوائل السبعينينات، عندما أممت السعودية، ودول أخرى منتجة للنفط في الشرق الأوسط، حقولًا كانت مملوكة حينها لشركات نفط أمريكية كبرى، وأسست منظمة الأوبك لضمان سيطرة أكبر على أسعار صادراتهم. وتصاعد ذلك إلى ذروته في أواخر 1973 وأوائل 1974، عندما فرضت دول عربية حظراً على صادرات النفط إلى أمريكا (وكان هذا انتقاماً من الولايات المتحدة لإمدادها إسرائيل بشحنات أسلحة أثناء حرب أكتوبر)، وأعلنت الأوبك زيادة الأسعار إلى أربعة أضعاف- وتسبب الأمران في نقص حاد بالطاقة في أمريكا، وما تلاه من ركود. وردًا على تلك الاعتداءات، وفق تصورهم، دعا خبراء وسياسيون أمريكيون إلى خطوات عسكرية، بشكل أو آخر، لمواجهة المشكلة.
ولفتت إحدى المقالات انتباهًا كبيرًا، وكانت ضمن الأشكال المتنوعة للتعبير عن تلك الرؤية العامة. نشرت المقالة في عدد مارس 1975 من مجلة هاربر بعنوان "الاستيلاء على النفط العربي،" باسم مايلز اجنوتيوس المستعار (ويعني باللاتينية "الجندي الوحيد"). أكد اجنوتيوس" (الذي عرف بوصفه محللًا سياسيًا مقيمًا في واشنطن) أن رد أمريكا المتردد على الحظر وزيادة الأسعار يتساوى مع "الترضية" التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين إلى أدولف هتلر في ميونخ عام 1938، وقال إن الطريق الوحيد "لهدم الأوبك" هو غزو واحتلال حقول النفط السعودية، وجلب شركات أجنبية لاستئناف الإنتاج. وزعم أن الهدف من ذلك هو "احتلال احتياطات نفطية كبيرة، يمكن الضخ منها بسرعة لإنهاء ندرة النفط المصطنعة، وهكذا يتم تخفيض السعر."
وأثارت مقالة هاربر جدلا كبيراً، ليس أقله شأنًا ما دار حول هوية الكاتب. رأى مراقبون كثيرون أن كاتبها هو هنري كسنجر وكان حينها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض عهد جيرالد فورد، (أو على الأقل الكاتب متأثر به) وأذيعت أسماء أخرى، دون وصول إلى تحديد الشخصية الحقيقية. وكان الحوار حول إمكانية تنفيذ مثل تلك الخطوة أكثر حيوية.
وزعم اجنوتيوس أن الاستيلاء على حقول النفط السعودية يمكن انجازه من خلال قوة تعدادها 40 ألف شخص، بالإضافة إلى دعم القوات الجوية والبحرية. واعترف باحتمال اتجاه موسكو إلى إعاقة مثل تلك العملية، ولكن الاتحاد السوفيتي يفتقر إلى القوات بعيدة المدى المطلوبة لاتمام هذا، وفي كل الأحول سيمتنع عن الإقدام على حرب مع العم سام قد تتحول إلى حرب نووية.
ومع ذلك، لم يكن لدى محللين آخرين مثل هذا التفاؤل الكبير. إذ تضمنت دراسة اجريت صيف 1975 من قبل خبراء عسكريين في مركز خدمة الأبحاث التابع للكونجرس (CRS)، بمكتبة الكونجرس، أن مثل تلك العملية ستتطلب قوات أكبر من تصورات اجنوتيوس، وستسفر عن دمار واسع النطاق لحقول النفط نفسها – تقضي على أي فائدة اقتصادية تعود من الغزو. وفوق هذا، نظرًا للمخاطرة الكبيرة المتعلقة بفرار أو تخريب العمال المحليين، قد يستلزم الأمر نقل عمال مدنيين أمريكيين ليحلوا محل نظرائهم الأجانب. وكان لتداول هذه الدراسة أثرا كبيرا في فتور حماس كثيرين في واشنطن، كانوا في وقت ما على استعداد للتفكير في الاستيلاء على حقول النفط السعودية، ولم تتلق الفكرة أي تأييد من المسئولين الأمريكيين.
وبعد منتصف السبعينيات، اختفت فكرة "الاستيلاء على نفط العرب" إلى حد كبير من الخطاب الرسمي، ولكن لم تختف فكرة استخدام القوة العسكرية لتأمين المنافذ الأمريكية للوصول إلى مناطق الامداد في الشرق الأوسط. وعندما احتل السوفييت أفغانستان وأطاح رجال الدين الإسلاميين بشاه إيران – أوثق حلفاء واشنطن في الخليج الفارسي حتى ذلك الحين – تعهد الرئيس جيمي كارتر باستخدام "أية وسائل لازمة، بما فيها القوة العسكرية،" للقضاء على أي تهديد لتدفق نفط الشرق الأوسط الآمن (السياسة المعروفة منذ ذلك الحين باسم "مبدأ كارتر"). وعندما احتلت القوات العراقية الكويت في أغسطس 1990، أقر الرئيس جورج دبليو بوش استخدام القوة لمنع العراق من غزو السعودية ومنع صادراتها النفطية. وأعلن يوم 8 أغسطس في خطاب للأمة بث تليفزيونيًا "تستورد بلدنا الآن نصف استهلاكها للنفط تقريبًا، وربما واجهت تهديدًا لاستقلالها، لذا يشكل الاستقلال السيادي للمملكة السعودية مصلحة حيوية للولايات المتحدة".
وتمرد الرأي العام الأمريكي في معظمه احتمال خوض حرب لغرض محدد هو السيطرة على إمدادات النفط. وتردد شعار "لن تكون الدماء مقابل النفط" في المظاهرات من أجل السلم خريف 1990، وسرعان ما وجد طريقه إلى خطاب الديموقراطيين المناهضين للحرب في الكونجرس. وبحلول ديسمبر، أوقف بوش الإشارة إلى النفط بوصفه مبررًا للتدخل في الخليج، وبدلًا من ذلك، صب جام غضبه على الفظائع التي ارتكبتها العراق بشأن حقوق الإنسان في الكويت، وسعي بغداد لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
وورث الأبن جورج دبليو بوش عن أبيه حساسيته إزاء عدم تقبل الرأي العام الأمريكي لخوض حرب لأسباب مالية بحته – بعيدًا عن الأهداف الأكثر سموًا، مثل تخليص العالم من طغاة يستخدمون أسلحة الدمار الشامل، وتجنب تمامًا الحديث عن النفط أثناء حشد التأييد من أجل غزو أمريكا للعراق عام 2003. ومرة أخرى، لجأ إلى المخاوف التي تثيرها أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب الاستياء من الناحية الأخلاقية من تجاوزات صدام السلطوية.
وبصرف النظر عن هذه الواجهة، وجد في إدارة بوش من يعتقد أن السيطرة الأمريكية على صناعة النفط ينبغي أن تكون لأغراض أكثر فائدة: خصخصة شركة النفط الوطنية العراقية المملوكة للدولة، وتوزيع أصولها على شركات غربية، أمريكية بالأساس. تملك الشركة العراقية عددًا من أكبر حقول النفط في العالم وأكثرها ربحية، بينما تتلهف الشركات الأمريكية الكبرى للحصول على حصة فيها. وكان تفتيت الشركات العراقية الكبيرة المملوكة للدولة هدفًا للاقتصاديين المحافظين الذين امتلأت بهم إدارة بوش. وتأثرًا بتلك الرؤى، بدأت "مجموعة عمل النفط والغاز" التي أسسها مشروع مستقبل العراق التابع للخارجية الأمريكية، التخطيط لخصخصة شركة النفط الوطنية العراقية.
وعند بداية احتلال القوات الأمريكية للعراق في أبريل 2003، بدا دافع الخصخصة متأصلًا في أجندة واشنطن. إذ أوكل بول بريمر، رئيس سلطة الاحتلال الذي اختاره بوش، مهمة السيطرة على صناعة النفط إلى فيليب جي كارول، مدير شركة نفط أمريكية، بقصد إضعاف سيطرة الدولة. رغم ذلك، فمع توسع مقاومة الاحتلال الأمريكي بسرعة كبيرة، اتضح أن ضمان ولاء عمال النفط العراقيين شديدي الوطنية، أكثر أهمية من خصخصة أصول الدولة، وهكذا نحيت خطة توزيع أصول شركة النفط الوطنية العراقية على شركات أمريكية جانبًا.
عندما يقول ترامب "كان علينا الاستيلاء على النفط،" يشير أساسًا إلى لحظة التخيلات المريضة في ربيع 2003، عندما بدت قوة أمريكا بلا حدود، وكانت واشنطن لاتزال صاحبة القرار. في تلك الأيام التي سادها الاندفاع، بدت فكرة الاستيلاء على الاصول الوطنية العراقية الأعلى قيمة، وتوزيعها على الشركات الأمريكية، وكأنها عملية تتم مباشرة: ارسل مستخدمين إلى حقول ومصافي النفط، أخبر عمال النفط الوطنيين جيدي التنظيم أنهم سيتم استبدالهم بموظفين أمريكيين، وانشر قليلا من رجال البحرية للتعامل مع أي حدث غير مرغوب فيه، قد يسفر عنه ذلك.
وبالطبع، نعلم الآن ما حدث عندما أخبر بريمر موظفي وجنود صدام عن انتفاء الحاجة إليهم – لقد اندلع التمرد الذي لم يهدأ تمامًا. وبإمكاننا افتراض أن أي محاولة للتعامل مع عمال النفط العراقيين بنفس الطريقة سوف يؤدي إلى مقاومة وتخريب وتحلل صناعة النفط. وستستلزم أي خطوة تخطوها الشركات الأمريكية للعمل في الحقول العراقية في ظل تلك الظروف، وجود قوات حماية عسكرية أمريكية، كما ينبغي إبقاء عمال أمريكيين متمركزين هناك، معرضين لخطر الاختطاف والقتل الداهم. ولن يكون "الاستيلاء على النفط" سهلًا بأي حال.
وأقرت القيادات أن أي حكومة سيتم تشكيلها محليًا لتحل محل نظام صدام تحت الوصاية الأمريكية، ستصر على ملكية الدولة لحقول النقط، ولن يكون هناك أي بديل واقعي لذلك. وفوق هذا، فهم بوش بالطبع أن أي خطوة للاستئثار بنفط العراق ستؤدي إلى السخرية من إدعاءاته المزعومة حول غزو العراق لأسباب إيثارية بحتة، وتؤدي إلى تحول الرأي العام الأمريكي ضده.
إذا يتضح تمامًا، أنه لم يكن هناك أبدًا وقت كان بإمكان أمريكا فيه "الاستيلاء على النفط." وكان من شأن تلك الخطوة أن تفضي إلى كارثة، حتى عندما كانت القوة الأمريكية في ذروتها، في ربيع وصيف 2003؛ ولا يمثل الظن بأن الأمر يمكن انجازه في وقت لاحق، كما يؤكد ترامب، سوى نوع من الجنون الكامل. ومن أعظم حماقاته: زعمه أن بوش، في الشهور الأخيرة من وجوده في السلطة، أو أوباما في بداية عهده، كان عليه استبقاء قوة في العراق لحراسة حقول النفط (التي يفترض أنها تحت السيطرة الأمريكية)، حينما بدأت وحدات القتال الأمريكية الرئيسية انسحابها. كان هذا سيؤدي إلى إشعال تمرد من كافة فصائل المجتمع العراقي، مما يستلزم ليس فقط تعطيل انسحاب القوات، بل "زيادة" ثانية فيها على نطاق أكبر من الوضع الأول.
ويصعب حسم أن نشأة الدولة الإسلامية تمت في ظل تلك الظروف، ولكن لا شك في أننا كنا سنشهد ظهور عديد من الجماعات المتمردة المساوية لها في التدمير. وبلا شك، سيتحدث ترامب مجددًا حول "الاستيلاء على النفط." وهذه الفكرة، كما رأينا، لها جذور عميقة بين نخبة صناع القرار. ولكن من نظروا في تبعات هذه الفكرة السياسية والعسكرية، ولم يروا سوى كارثة، رفضوها مرارًا وتكرارًا. وكما ينطبق على كثير جدًا من الأشياء التي تفوه بها ترامب حول الشئون الخارجية، تفضح هذه الفكرة الجهل الكامل بالواقع، والاستخفاف بحياة الجنود والبحارة والطيارين الذين سيبعث بهم لتنفيذ هذه الدعوة الهوجاء. ورغم هذا، لم تفضح الفكرة الجهل بالتاريخ الحديث للسياسة الخارجية الأمريكية.
تعليقات الفيسبوك