ساعد التفاوت الاقتصادي والاجتماعي على إشعال الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك قبل خمس سنوات. والآن يتراجع الاقتصاد مرة أخرى، فيما يتصاعد السخط في أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية في العالم العربي.
وعددت صحيفة الواشنطن بوست، في تقرير نشر على موقعها الإلكتروني اليوم الأربعاء، مشكلات الاقتصاد المصري، والتي شملت نقص مواد الغذاء على نطاق واسع مع ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات الفقر وكذلك نسب البطالة، لا سيما بين الشباب المحبطين في البلاد. وأشارت الصحيفة أيضاً لأزمة العملة وارتفاع سعر الدولار، وتضاؤل ثقة المستثمرين في المناخ الاقتصادي في مصر، رغم مليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات المقدمة من دول الخليج.
"لا يمكننا العثور على السكر والأرز والعديد من المواد التموينية الأخرى،" هكذا قال أحمد سليمان، صانع أحذية، بحسب التقرير، وأضاف "حتى عندما نجدها (المواد التموينية) لا يمكننا تحمل الأسعار. لذلك نحن لا تشتري كما كنا نفعل من قبل".
وقال "كلما زاد الضغط كان الانفجار أقوى".
وقالت الصحيفة "سنرى ما إذا كانت المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في مصر ستؤدي إلى اضطرابات اجتماعية أخرى. الواضح الآن أن الإحباط الموجه لحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتصاعد من كل ركن في المجتمع".
وبحسب الصحيفة فإن الاضطرابات الاقتصادية لم تؤثر على الفقراء فقط بل امتدت إلى الطبقة الوسطى، والأثرياء أيضا إلى حد ما.
وكتب النائب البرلماني السابق مصطفي النجار، في صحيفة المصري اليوم مؤخرا، "نحن في غمار مرحلة صعبة يدخلها كل بيت في مصر ولا بد من خطوات فاعلة لضبط الأسعار ووقف استغلال الناس بالتوازي مع مراعاة حق الفقراء والطبقة الوسطى ألا يكونوا وقود روشتة الإصلاح الاقتصادي، الدولة هي المسؤولة الأولى ثم التكافل الاجتماعي بين الناس، اللهم ألطف بالمصريين".
وفي السنوات التي سبقت ثورة يناير 2011، ولدت سياسات مبارك "الاقتصادية الليبرالية" طفرة في مجال الأعمال التجارية، مع وصول متوسط معدل النمو السنوي إلى 7 %. لكن نظام مبارك فشل في معالجة تفشي الفقر والفساد الحكومي وارتفاع معدلات البطالة وعدم توفير فرص عمل للشباب، وهى أسباب دفعت العديد من المصريين للمشاركة في الثورة.
وبعد تنحي مبارك عن الحكم، واجهت الحكومة الإسلامية المنتخبة، برئاسة محمد مرسي، أيضا انتقادات شديدة "لسوء إدارتها للاقتصاد" وإخفاقها في مواجهة التفاوت الاجتماعي مع سعي النظام إلى إحكام سيطرته السياسية على البلاد. وتعهد السيسي، بعد وصوله إلى سدة الحكم، بإحداث تغيرات اقتصادية وتحسين حياة المصريين.
واليوم، ارتفعت معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات. يوجد نقص حاد في العملات الأجنبية الضرورية لعمليات التجارة العالمية. ويعيش ما يقرب من ربع سكان البلاد -البالغ عددهم 90 مليون نسمة- في فقر. ووصل معدل البطالة الرسمي إلى 13 %، ويزيد المعدل 3 أضعاف بين الشباب.
تلك المؤشرات الاقتصادية أجبرت الحكومة على السعي لاقتراض 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بما يفرضه هذا القرض من اتخاذ تدابير وإجراءات تقشفية صارمة ستجعل حياة المصريين أكثر صعوبة في الأشهر والسنوات المقبلة.
وخلال مقابلة أجراها الرئيس السيسي مع ثلاث صحف قومية هذا الأسبوع، قال إن أفعاله "كانت حتمية لإنقاذ الوضع الاقتصادي."
وأضاف "نحن في عنق زجاجة وفي سبيلنا إلى الخروج. وإذا أردنا الخروج فلابد من اتخاذ إجراءات صعبة، علينا أن نتحملها وأن نصبر عليها والنتائج ستكون عظيمة جدا بإذن الله لأيامنا المقبلة وللأجيال القادمة."
ويمكن إلقاء اللوم جزئيا في تفاقم المشكلات الاقتصادية، على انهيار قطاع السياحة وتزايد المخاوف بشأن الإرهاب. فأعداد السياح الذين يزورون البلاد في انخفاض منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهوت تلك الأعداد عقب سقوط طائرة ركاب روسية العام الماضي فوق شبه جزيرة سيناء وأيضا سقوط طائرة تابعة لمصر للطيران في البحر المتوسط هذا العام .
كما تأثر قطاع السياحة، وهو مصدر رئيسي للعملة الصعبة، بحادث مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، وقتل سياح مكسيكيين عن طريق الخطأ من قبل قوات الأمن المصرية في سبتمبر 2015.
وواجه السيسي أيضا انتقادات بسبب مشاريع عملاقة دشنها، وامتصت مليارات الجنيهات من المساعدات الخليجية وأموال دافعي الضرائب، منها مشروع توسيع قناة السويس، والذي فشل في رفع إيرادات الشحن، بالإضافة إلى خطط لإنشاء عاصمة جديدة في الصحراء على غرار مدينة دبي. كما اقترح إنشاء جسر لربط مصر والمملكة العربية السعودية، ولكن هذا أثار احتجاجات وتحديات قانونية عقب قرار السيسي بتسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية "للتعبير عن الامتنان" بحسب الصحيفة.
وقال السيسي "أنا مسؤول عن الدولة وعن حمايتها وعن مستقبلها ومستقبل أبنائها.. ولو كنت أبحث عن مصلحتي الشخصية ما كنت فعلت أشياء كثيرة".
وفي حي الجمالية الذي يقطنه فقراء وآخرون من الطبقة الوسطى بالقاهرة، حيث ترعرع السيسي، يتصاعد الإحباط، وفي السوق بوسط الجمالية، شكا المواطنون من ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز مع بقاء رواتبهم على حالها. وأدى ضعف العملة إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، التي تعتمد عليها مصر بشكل كبير. وأُغلقت العديد من المحلات التجارية والشركات.
وقال أحمد محمد (29 عاما)، صاحب أسطول شاحنات "اعتدت على تحميل سلع على أربع شاحنات لنقلها إلى الصعيد والمناطق الريفية. ولكن حاليا يمكننا بالكاد تحميل نصف شاحنة. الناس لا يستطيعون شراء أي شيء".
وقال صاحب متجر لبيع الذهب "الناس هنا غير مهتمة بمن هو الرئيس. هم مهتمون بأن يستطيعوا العمل وتحقيق مكسب بغض النظر عمن في السلطة. لقد كنت أحقق أرباحاً أكثر بكثير منذ ثلاث سنوات".
وتساءل "من يستطيع تحمل تكلفة شراء مجوهرات ذهبية الآن؟ الناس بالكاد تشتري طعاماً".
إلا أن بعض أنصار السيسي أشادوا بسياساته، قائلين إنه ورث الكثير من المشاكل، مثل الفساد والمحسوبية ممن سبقوه، ولا تزال تؤثر على الاقتصاد.
وقالت سيدة، تبلغ من العمر 54 عاما، "خلال حكم مرسي، كانت البلد منهارة، لكن الآن أمور كثيرة تغيرت للأفضل. الأسعار هي همنا الأساسي. والسيسي يبذل أقصى ما يمكنه".
ودعا بعض النشطاء إلى تظاهرات احتجاجا على تدهور الأوضاع الاقتصادية يوم 11 نوفمبر المقبل، أطلق عليها في وسائل الإعلام مظاهرات 11-11.
في المقابلة الصحيفة، رفض السيسي إمكانية حدوث ثورة شعبية أخرى، وقال " المصريون أكثر وعيا مما يتصور كل من يحاول أن يشكك لذا كل الجهود التي تبذل من جانب هذه العناصر وأهل الشر مصيرها الفشل."
لكن سليمان قال إن الاحتجاجات "ستعطي الناس فرصة للتنفيس عن جميع الضغوط المفروضة قسرا عليهم، وربما منحتهم بعض الأمل في المستقبل. وعلى أقل تقدير، فإنها سترسل رسالة إلى السيسي".
تعليقات الفيسبوك