- التموين قصرت توزيع المخزون الحكومي على الشركة القابضة للصناعات الغذائية فقط
- ندرة الدولار وارتفاع الأسعار العالمية للسكر دفعا الشركات الخاصة إلى العزوف عن استيراده
- أحد أكبر مصانع التكرير الخاصة تحول إلى تصدير كامل إنتاجه بدلا من توجيهه للسوق المحلي بسبب أزمة الدولار
قضت ياسمين 3 ساعات أمس تبحث عن عبوة سكر بعد أن فرغ بيتها منه تماما، وعقب رحلة بحث شاقة في عدد من المحال التجارية والمجمعات الاستهلاكية بالجيزة، وجدت أخيرا عبوة في سوبر ماركت لكن بسعر 10 جنيهات.
تقول ياسمين "بنسمع كل يوم الحكومة تقول إنها وفرت السكر، لكن الحقيقة السكر مش موجود في أي سوبر ماركت، حتى في المجمعات الاستهلاكية بنسمع إن السكر بيتسحب بسرعة ومش بنلحق نحصل على أي كمية".
ياسمين ليست الوحيدة التي عانت لشراء السكر، حيث تقول صفية التي تقطن مدينة نصر، إنها حاولت خلال اليومين الماضيين الحصول على سكر من أكثر من سلسلة تجارية كبيرة بمنطقتها لكنها لم تجده.
"سألت في هايبر ماركت مقابل لشارع عباس العقاد وأكثر من محل تابع لجهاز الخدمة الوطنية لكن الإجابة كانت دائما أن الكميات نفذت وقد تأتي في صباح اليوم التالي"، كما تقول صفية.
وفي جولة لمحرر أصوات مصرية، مساء أمس الثلاثاء، لم يجد أي عبوات سكر متوافرة سواء المدعم أو الحر في فرعين لشركة مجمعات الأهرام الحكومية وإثنين من المحلات التجارية في وسط القاهرة، لكن السكر كان متوافرا في بعض السلاسل التجارية الكبيرة.
أشرف، مدير أحد فروع مجمعات الأهرام في وسط القاهرة، قال إن كميات السكر التي تصل إلى المجمع تراجعت منذ الشهر الماضي، مشيراً إلى أنه لم يرد إليه أي كمية خلال اليومين الماضيين.
وقال "المجمع كان به دائما مخزون لا يقل عن 2 طن، لكن الشهر الماضي تراجعت الكميات التي تُورد إلينا إلى النصف تقريبا ويتم بيعها في غضون ساعات، مع الزيادة الكبيرة في الطلب".
أزمة نقص السكر قد تستمر إلى حين دخول موسم الإنتاج الجديد في يناير
وأشار إلى أن المجمعات الاستهلاكية تواجه طلبا كبيرا على السكر لأنها تبيعه بالسعر المدعم وهو خمس جنيهات، من خلال منظومة التموين، كما تصرفه لمن يرغب مقابل نقاط الخبز، بالإضافة إلى بيعه للمستهلك خارج منظومة البطاقات التموينية بنفس السعر.
"إحنا سوبر ماركت بنبيع لكل المستهلكين بالإضافة إلى أصحاب البطاقات التموينية وكذلك نستبدل نقاط الخبز، وما يحدث أنه فور وصول عربية السكر يهجم المواطنون للحصول عليه، ويتم تصريفه بسرعة، رغم أننا وضعنا حداً أقصى 3 كيلو للفرد حتى نتيح فرصة لأكبر عدد من المواطنين للحصول عليه"، بحسب ما يقول أشرف.
وأشار إلى أن ما فاقم من أزمة نقص السكر في المجمعات الاستهلاكية خلال الأيام الماضية "إننا في أول الشهر وكل الناس بتصرف المواد التموينية وبتستبدل نقط الخبز والسكر أكثر سلعة بيطلبوها".
وقال مسعود، صاحب سوبر ماركت في وسط القاهرة، إنه حاول طلب عبوات سكر من عدد من الموردين لكنه لم يجد لديهم أي كميات متوافرة.
وهو ما حدث مع محمد، موظف في سوبر ماركت آخر، وإن كان محمد وجد سكر عند مورد واحد، لكن هذا المورد عرض عليه توريد كيلو السكر بسعر جملة 9.5 جنيه، لكنه رفض استلامه لأن بذلك سيصل سعره للمستهلك لأكثر من 10 جنيهات.
ما السبب الرئيسي للأزمة؟
قال مسؤول في إحدى شركات السكر الخاصة، رفض نشر اسمه، إن السبب الرئيسي الذي أشعل أزمة نقص السكر وارتفاع سعره مؤخرا، هو الضوابط الجديدة التي فرضتها وزارة التموين على توزيع السكر، والتي قصرت توزيع مخزون السكر الذي أنتجته الشركات الحكومية الخمسة على الشركة القابضة للصناعات الغذائية فقط بدلا من مئات التجار ومصانع التعبئة، وهو ما أكده محمد فتحي رئيس نقابة بقالي التموين في الإسكندرية.
وتعمل في مصر 5 شركات حكومية لإنتاج السكر، وهي السكر والصناعات التكاملية، والدقهلية، والفيوم، والنوبارية، والدلتا.
بالإضافة إلى شركتين من القطاع الخاص هما صافولا السعودية والنيل المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس.
وتستهلك مصر نحو 3.2 مليون طن من السكر سنويا لكن إنتاجها يزيد قليلا عن مليوني طن.
سجل سعر السكر في العقود المستقبلية بالبورصات العالمية زيادة بأكثر من 60% في عام
وقال المسؤول إن التموين قررت بعد تولي وزيرها الجديد محمد على الشيخ الوزارة، أن يقتصر توزيع إنتاج الشركات الحكومية، على الشركة القابضة للصناعات الغذائية، والتي تمتلك شركتين فقط للتوزيع هما المصرية والعامة.
وأضاف أن "توزيع إنتاج هذه الشركات والتي تساهم بالجزء الأكبر من الإنتاج في مصر كان يتم عبر مئات التجار ومصانع التعبئة الصغيرة، لكن الحكومة اعتبرت هؤلاء التجار والمصانع جشعين ويتلاعبون بالأسعار، فقررت أن تقتصر عمليات التوزيع على جهة واحدة هي الشركة القابضة للصناعات الغذائية".
وقال المصدر إن الشركة القابضة للصناعات الغذائية ليست لديها القدرات الكافية للقيام بمهمة توزيع إنتاج السكر الحكومي وحدها، ولذلك اقتصر التوريد على السلاسل الكبيرة، والمصانع التي تحتاج السكر كمكون إنتاج، والمجمعات الاستهلاكية التابعة لها.
وأضاف أن "السلاسل التجارية غير منتشرة في كل المحافظات وكذلك المجمعات الاستهلاكية، كما أن المحال التجارية في القرى والمحافظات تتعامل مع تجار بتسهيلات في الشراء كعادة هذا الحجم من التجارة الصغيرة، ولا يمكنها أن تذهب لشراء السكر من شركات التوزيع الحكومية ودفع قيمته مقدما".
وأشار إلى أنه "إذا لم يصل السكر لكل المحلات التجارية في أصغر القرى سيظل هناك شعور بعدم توفر المنتج ويتكالب الناس على تخزينه بما يرفع سعره".
وقال أحمد كمال، معاون وزير التموين لأصوات مصرية، اليوم الأربعاء، إن الوزارة قررت فتح الباب أمام مصانع تعبئة السكر الخاصة، للحصول عليه من الشركة القابضة للصناعات الغذائية مباشرة، لكن بسعر أعلى وهو 6 آلاف جنيه للطن.
وأضاف أن هذه الشركات ستقوم بتعبئته وتوزيعه بما يساهم في توفير السكر بشكل أفضل خلال الأيام المقبلة.
أما بالنسبة لإنتاج السكر من القطاع الخاص والذي يتم فقط عبر شركتي صافولا والنيل، فإن إنتاج الشركتين الذي يعتمد على بنجر السكر يكاد يكون نفذ من مخازنهما حيث انتهى موسم الإنتاج من عدة أشهر، بحسب المصدر نفسه.
هل هناك أسباب أخرى؟
تغيير طريقة توزيع إنتاج الشركات الحكومية ليس السبب الوحيد لأزمة السكر التي يشهدها السوق حاليا، هناك عوامل أخرى فاقمت من الأزمة مثل ارتفاع سعر الدولار وصعوبة تدبيره، بالإضافة إلى زيادة سعر السكر في البورصات العالمية، مما دفع الشركات الخاصة إلى العزوف عن استيراده.
كانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قالت، الخميس الماضي، إن أسعار الغذاء العالمية ارتفعت في سبتمبر لأعلى مستوى لها منذ مارس 2015 بقيادة السكر.
وأشارت الفاو إلى أن أسعار السكر زادت 6.7 بالمئة في سبتمبر مقارنة بأغسطس، مرجعة ذلك بدرجة كبيرة إلى الطقس السيء في البرازيل أكبر منتج ومصدر للسكر في العالم.
وسجل سعر السكر في العقود المستقبلية بالبورصات العالمية، اليوم الأربعاء، زيادة بأكثر من 60% في عام، بحسب موقع جريدة الفاينانشال تايمز البريطانية.
وقال المسؤول في شركة السكر الخاصة إن القطاع الخاص كان يمكنه أن يستورد سكر خام ويكرره، بما يساهم في حل أزمة نقص المعروض، لكن ذلك غير ممكن لصعوبة تدبير العملة الصعبة.
"الحكومة توفر الدولار بالأمر لهيئة السلع التموينية وشركة الصناعات التكاملية لاستيراد السكر الخام، وهو ما لا يحدث بالنسبة للشركات الخاصة"، كما يقول المصدر.
وكانت الحكومة قررت، في مايو الماضي، إعفاء مستوردي السكر الخام من الرسوم الجمركية لنهاية العام الجاري، كما فرضت رسوما على صادرات السكر الأبيض بواقع 900 جنيه للطن.
وفي نهاية يوليو الماضي قرر مجلس الوزراء استيراد 700 ألف طن من السكر الخام على مدار عام قادم لسد الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك وإبقاء الأسعار مستقرة.
ومن العوامل التي ساهمت أيضا في أزمة السكر هو أن أحد أكبر مصانع تكرير السكر في مصر التابع لشركة صافولا، والذي يوجد بالعين السخنة ويعمل بنظام المناطق الحرة الخاصة، تحول إلى تصدير كامل إنتاجه من السكر الأبيض منذ بداية العام بدلا من توجيهه للسوق المحلي نتيجة أزمة الدولار.
وقال مسؤول في صافولا، فضل عدم نشر اسمه، إن "تصدير إنتاج هذا المصنع أحد الأسباب الرئيسية في الأزمة الحالية، لأنه زاد من العجز في المعروض محليا".
وأوضح المسؤول أن "صافولا تستورد سكر القصب الخام بالدولار، وتكرره في مصنع العين السخنة، وكانت في وقت سابق تبيع جزءا منه في السوق المحلي وتصدر الباقي، لكن مع ارتفاع سعر الدولار في مصر وندرته، فضلت الشركة أن توجه كامل إنتاجها للتصدير والذي يصل إلى نحو 450 ألف طن سنويا، حتى تستفيد من ارتفاع سعر السكر عالميا، وتوفر الدولار الذي يضمن لها استمرار قدرتها على استيراد الخامات وتشغيل المصنع".
وأعلنت وزارة التموين في أكثر من مرة، خلال الفترة الماضية، تعاقدها على استيراد كميات من السكر، وقالت في بيان أمس الأول إن الأرصدة الحالية آمنة وتكفي حتى نهاية فبراير المقبل.
إلا أن المسؤولين في الشركتين الخاصتين قالا إن أزمة نقص السكر قد تستمر رغم محاولات تسكينها من خلال الاستيراد الحكومي، إلى حين دخول موسم الإنتاج الجديد من قصب السكر في يناير والبنجر في فبراير.
تعليقات الفيسبوك