تسلل سعد القمري من منزله في منتصف الليل للالتحاق بالمهربين الذين وعدوه بنقله عبر البحر المتوسط إلى أوروبا. وفيما يصعد على متن مركب صيد صغير محمل بحوالي 500 شخص، كان يحلم بحياة جديدة حيث يستطيع إرسال "يوروهات" أو جنيهات إلى أبيه المريض وأخوته الأربعة الأصغر.
إلا أن الشاب البالغ 17 عاماً لم يصل إلى أوروبا، بحسب ما قالت صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية. انقلب المركب الذي كان يستقله، وشاهد القمري برعب أهال وأطفالهم يغرقون حوله في البحر، حيث كان أحد ركاب مركب رشيد التي غرقت ومعها 203 شخص من ضمنهم 10 من أصدقائه. وسبح القمري لساعات قبل أن ينقذه بعض الصيادين.
الصحيفة تحدثت مع القمري في منزله في قرية الجزيرة الخضراء المشهورة بتهريب البشر، إذ أكد أنه رغم التجربة المرعبة إلا أنه مصمم على المحاولة مرة أخرى ليصل إلى إيطاليا قبل أن يبلغ 18 عاماً في سبتمبر المقبل.
ويقول "إما أن أموت في البحر أو أن أصل إلى إيطاليا .. لا يوجد عمل في مصر .. إذا لم أسافر لن يكون باستطاعتي الحياة .. لذلك يجب أن أذهب .. إما بشكل شرعي أو غير شرعي".
القمري واحد من عدد يتزايد من المصريين تحت 18 عاماً مستعدين للمغامرة بحياتهم بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا.
وينضم الشباب المصري إلى آلاف المهاجرين الذين يستخدمون ساحل المتوسط في شمال أفريقيا كنقطة انطلاق لرحلتهم المحفوفة بالمخاطر.
وعلى متن مركب رشيد الغارق، كان هناك مهاجرين من السودان وإريتريا وإثيوبيا والصومال، دفعوا ما وصل إلى 5000 دولار أمريكي مقابل الرحلة. غرق المئات وأنقذ آخرون، ولكن غيرهم كثيرون ينجحون في الوصول.
وتزايدت في الآونة الأخيرة محاولات الهجرة غير الشرعية لمصريين وأجانب عبر السواحل التي تطل على البحر المتوسط، بسبب الاضطرابات السياسية وارتفاع معدلات البطالة والفقر في المنطقة.
وكانت ليبيا واحدة من نقاط المغادرة الرئيسية للمهاجرين، ولكن بسبب خطر المليشيات المتحاربة والمتشددين الإسلاميين، أصبحت أعداد متزايدة تلجأ لمصر من أجل الانطلاق في رحلتها في البحر المتوسط نحو أوروبا.
وحتى الآن، ألقي القبض على 4600 أفريقي هذا العام أثناء محاولتهم السفر إلى أوروبا، وهو ما يزيد بحوالي 28% عن العام الماضي، بحسب ما تقوله وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وكان ثلثا المهاجرين المصريين غير الشرعيين -الذين نجحوا في السفر العام الماضي- من القُصّر غير المصحوبين، بحسب الوكالة الدولية للهجرة.
وتعد إيطاليا هي وجهتهم المفضلة لأن قوانينها تمنع ترحيل القُصّر، وهو السبب الذي جعل القمري يرغب في المحاولة مرة أخرى قبل بلوغه الثامنة عشر.
ويبدو الإغراء بالسفر واضحاً في الجزيرة الخضراء، وهي قرية صيد فقيرة تابعة لمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، لا يوجد بها صرف صحي وبها مشاكل في الكهرباء. فوسط البيوت الفقيرة رثة المظهر، توجد بيوت مزينة وحديثة بُنيت بالتحويلات النقدية التي أرسلها الأهالي الذين نجحوا في الوصول إلى أوروبا.
ويعطي مهربو الجزيرة الخضراء -الذين يحققون ملايين الجنيهات من كل رحلة- أسعاراً مخفضة لأهالي القرية.
وتبدو آثار التهريب واضحة أيضاً على صناعة بناء المراكب، كما يقول محمد تاج الدين الذي يعمل في بيع محركات القوارب المستعملة والمستوردة من أوروبا.
ويقول تاج الدين "كلما زاد التهريب، كلما زاد بناء المراكب الجديدة لتستبدل تلك التي تصادرها السلطات... كذلك تباع مراكب الصيد بأسعار باهظة".
ويقول أحد الصيادين بالقرية أن مهرباً عرض عليه مليون جنيه لشراء مركب منذ 3 أسابيع، وهو ما يزيد بحوالي 20 أو 30 % عن قيمته الحقيقية، إلا أن الصياد رفض بيعه في النهاية رغم الإغراء معتبرا أن عملية البيع ستكون "خطيئة".
تعليقات الفيسبوك