اللغة المصرية القديمة ليست مجرد مجموعة من الرموز التي نجدها على أوراق البردي أو على جدران المعابد الفرعونية.. إنها نظام معقد من الرموز تغير بمرور الزمن. وأصبحت الكلمات التي اكتشفت على الآثار القديمة أساسا للغات أخرى.
والحروف الهيروغليفية لم تكن سوى نظام معقد جدا لرموز معروفة في مصر القديمة. ويعود تاريخ الرموز إلى أقدم الممالك الفرعونية لكن النص المكتوب بلغ أوج ازدهاره في فترة المملكة الوسطى. واللغة المصرية القديمة ليست نظاما غير قابل للتغيير. وعلى مدى حوالي أربعة آلاف سنة كانت اللغة تتكيف وتتطور الرمزية المعقدة لرسوم الهيروغليفية.
أصول سومرية
ويقول موقع ancient origins المعني بالآثار إن المصريين القدماء لم يخترعوا الحروف الهيروغليفية. وأضاف أنها ظهرت بعد الكتابة السومرية ويبدو أن بعض الأفكار التي ظهرت في الكتابة المصرية القديمة جاءت من بلاد ما بين النهرين.
وأضاف تقرير الموقع أن مصطلح "هيروغليفي" نفسه جاء من اليونانية، ويعني "المنحوتات المقدسة" أو "كلمات الله". واكتشفت بعثة ألمانية يقودها جونتر برير أقدم الأمثلة المعروفة حتى الآن في أبيدوس عام 1998. ويعود تاريخ تلك الكتابة إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وعثر عليها في مقبرة حاكم في عصر ما قبل الأسرات يدعى عقرب الأول.
ورغم ذلك لم تكن الهيروغليفية متطورة جدا في المرحلة الأولى لكتابتها. لم تكن تتضمن جملا كاملة، ويرجع تاريخ أول جملة اكتشفها علماء الآثار إلى عصر الأسرة الثانية في الدولة القديمة. وابتكر المصريون حوالي 800 رمزا للهيروغليفية بحلول عصر الدولة الحديثة.
وفي تلك الأوقات، كانت اللغة ما تزال واضحة ومفهومة لكن بحلول نهاية عصر الرعامسة بدأ عدد الرموز يزداد سريعا جدا. وبحلول العصر الروماني اليوناني، كان هناك بالفعل حوالي 5000 رمز مستخدم. وكان عدد الرموز أكبر من أن يمكن لأي أحد تعلمه بوتيرة سريعة.
حياة جديدة للغة قديمة
وبمرور الوقت قل عدد من يمكنهم قراءة الهيروغليفية. وتحولت من معرفة عامة لدى النبلاء إلى كونها مهارة ترتبط فقط بمن يخدمون في المعابد. ووضع ذلك الأساس لأسطورة أن الهيروغليفية رموز سحرية.
ومن المعتقد أن آخر من كانوا يعرفون كيفية قراءة الهيروغليفية قتلهم المسيحيون على جزيرة فيلة. وحفر آخر نقش معروف بالهيروغليفية بمعبد فيلة عام 394 قبل الميلاد، ويعرف باسم نقش اسمت-اخوم. وفي القرن السابع الميلادي، انتشر الإسلام في مصر، وكان تدمير الدينين الجديدين للنصوص القديمة قد بدأ بالفعل. لكن زخارف من النقوش المصرية القديمة بدأت تظهر في زخرفة المباني الجديدة.
وفي عصر النهضة، ظهر مجددا اهتمام بالآثار وبدأ الناس ينجذبون إلى علم الأساطير (الميثولوجيا) المصرية. لكن النصوص الوحيدة التي كانت مفهومة في ذلك الوقت كانت هي التي خطها الكتاب الإغريق والرومان، ولم يكن ممكنا على الإطلاق فك شفرة النقوش على جدران المعابد.
لكن لا يمكن أن تموت لغة تماما طالما بقي الشعب على قيد الحياة، وتطورت اللغة المصرية القديمة إلى القبطية التي أثرت في كثير من اللغات الحديثة. ومن المدهش، على سبيل المثال، ملاحظة الأثر القوي للقبطية على اللغة الفرنسية الحديثة. وأكثر اللغات تأثرا هي العربية بالطبع، وكثير من كلمات اللهجة المصرية ترجع جذورها الى الأزمنة القديمة.
ماذا عن اللغة المنطوقة؟
حين أعلن شامبليون رسميا عام 1830 أن البشرية يمكنها قراءة الهيروغليفية مرة أخرى، فتح ذلك الأبواب إلى العالم القديم مجددا. لكن بسبب خصائص اللغة، لم يكن هناك شرح لكيفية نطق الكلمات القديمة.
وقبل كثير من الباحثين نطقا يرتبط بالقبطية والعربية، لكن في الواقع لم تكن في المصرية القديمة حروف متحركة أو لينة، ولذلك يحاول المتخصصون في اللغات القديمة إضافة تلك الحروف بأفضل طريقة ممكنة. ويلزم تذكر أنه من غير المؤكد كيف كان يتحدث المصريون القدماء.
وتبقى الهيروغليفية واحدة من أكثر اللغات سحرا. ويمكن للباحثين الآن أن يقرأوا رموزها بدون أي مشكلة لكن عملية اكتشاف معنى النقوش ذاتها ما زالت أمرا ساحرا. إنها أشبه بالبحث عن كنز مفقود وواحدة من أعظم المعجزات اللغوية.
ورغم أنه من شبه المؤكد أننا لن نعرف مطلقا كيف ننطق كلمات اللغة المصرية القديمة مثلما كان يفعل أجدادنا الذين عاشوا قبل آلاف السنين، فما زال ممكنا قراءة رموزها، وهي رموز تحتوي سحرا يعادل الإحساس الساحر المنبعث عند قراءة كلمات صيغت برموز ابتكرت قبل آلاف السنين.
تعليقات الفيسبوك