يعمل ملايين المصريين في دول الخليج العربية، لكن أسواق العمل في تلك الدول تعاني من خلل وضغوط تتزايد مع تراجع أسعار البترول. ومن المؤكد أن يؤثر ذلك على العمالة المصرية في الخليج التي تمثل نحو 75 في المئة من المصريين العاملين في الخارج.
ويشغل المواطنون المحليون في دول الخليج الوظائف الحكومية في حين يعتمد القطاع الخاص على الأجانب في ملء الوظائف الشاغرة، وهو ما قالت مجلة إيكونوميست إنه نموذج شائع في الدول الست بمجلس التعاون الخليجي التي تسعى لزيادة حصص المواطنين المحليين في سوق العمل.
وأضافت المجلة الاقتصادية البريطانية في تقرير بموقعها على الإنترنت أن ثلثي المواطنين أصحاب الوظائف في السعودية كانوا مسجلين على كشوف الأجور بمؤسسات عامة في عام 2015 حسب مؤسسة جدوى للاستثمار البحثية السعودية.
وتخصص الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى حوالي 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لأجور القطاع العام، لكن تقريرا لصندوق النقد الدولي كشف عام 2015 أن دول مجلس التعاون الخليجي السعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وعمان بالإضافة إلى الجزائر تخصص لهذا الغرض حوالي 12 في المئة.
لكن تراجع أسعار البترول منذ منتصف عام 2014 خفض إيرادات دول الخليج بحوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وزاد عجز الميزانيات مما يجعل النموذج القديم للتوظيف أقل قابلية للاستدامة. ومع دخول 3.8 مليون شاب إلى سوق العمل من الآن وحتى عام 2021 سيكون الضغط هائلا للعثور على مزيد من الوظائف للمواطنين المحليين في القطاع الخاص.
وقالت إيكونوميست إن بعض الدول أقل انزعاجا من الأخرى. ونقلت عن وليام سكوت جاكسون من مؤسسة اوكسفورد للاستشارات الاستراتيجية قوله إن عدد المواطنين المحليين المتواجدين في قطر والإمارات قليل لدرجة أنهم ربما لا يكفوا لملء الوظائف الحكومية. والوضع أقل ارتياحا في عمان والبحرين رغم أنه على الأقل ما زال معدل البطالة بين البحرينيين منخفضا بدرجة كبيرة. والخطر الأكبر في السعودية حيث بلغ معدل البطالة 11.6 في المئة بالفعل ويوجد 40 في المئة فقط من المواطنين البالغين ضمن قوة العمل. وبالنسبة للمرأة السعودية فمعدل المشاركة مجرد في 18 المئة.
وتقول إيكونوميست إن المشكلة تكمن في أن الشبان العرب الخليجيين أصبحوا يشعرون بأن الوظائف الحكومية حق لهم. فالشروط سخية والواجبات خفيفة مما يقلل الحافز لدى الخريجين النجباء للاستثمار في مهارات يحتاجها القطاع الخاص مثل الهندسة. ولن يفكر عدد يذكر من السعوديين في العمل في المتاجر أو المطاعم ناهيك عن مواقع البناء.
والمشكلة الأخرى الأعمق هي الطلب الضعيف من القطاع الخاص على المواطنين الخليجيين. فاغراء القطاع العام يجعلهم عمالة مكلفة في حين يربط نظام الكفيل العمال الأجانب بمستخدميهم مما يجعل غير المواطنين عمالة أرخص كثيرا. وسيعني حل أي من المشكلتين التلاعب في عقد اجتماعي هش بين أنظمة قمعية وسكان يتقبلون تلك الأنظمة طالما أنها تضع الطعام على المائدة.
وفي ظل الضغوط، تبذل بعض الحكومات جهدا أكبر لارغام الشركات الخاصة على توظيف مواطنين محليين. ووسعت عمان قائمة الوظائف التي لا يمكن للأجانب الحصول على تأشيرة للعمل بها، وأصبحت تشمل الآن التسويق والنظافة وتربية الجمال. وتعد السعودية لاستبعاد الأجانب من العمل في الموارد البشرية والاتصالات.
وقالت إيكونوميست إن مثل هذه الأنظمة للحصص هي أمثلة كلاسيكية للقرارات الاقتصادية السيئة. وأضافت أنها موجودة في دول مجلس التعاون منذ بضعة عقود، وأفسدت أخلاقيات العمل لمن يوظفون لمجرد الوفاء بتلك الحصص. وحكى صاحب مطعم عن عامل بحريني كان يحصل على إجازة وقتما شاء ثم طلب تعويضا إضافيا حين فصل. ويقول إنه سيفكر مرتين قبل توظيف بحريني آخر. ويضطر بعض أصحاب العمل إلى الغش بسبب هذا الوضع، وعلى سبيل المثال بإضافة اشخاص وهميين إلى كشوف المرتبات.
ويقول ستيفن هيرتوج من مدرسة لندن للاقتصاد إن الشركات تعامل هذه الحصص على أنها جزء من تكلفة أداء الاعمال مثل الضرائب.
وذكرت المجلة أن أحد طرق جعل المواطنين المحليين أكثر جاذبية لدى أصحاب العمل سيكون خفض الفجوة في الأجور بينهم وبين الأجانب.
وأضافت أن دعم الأجور للمواطنين كان مجديا في الماضي لكن الأموال اللازمة لذلك أصبحت شحيحة الآن. وأعلنت الحكومة السعودية حديثا زيادات هائلة في تكلفة التأشيرات للعمال الأجانب. وسمحت البحرين هذا العام لأصحاب العمل بتجاهل حصص التوظيف إذا ما دفعوا للحكومة رسما عن كل عامل أجنبي يوظفونه.
ويقول أسامة بن عبد الله العبسي رئيس هيئة تنظيم سوق العمل البحرينية التي استحدثت هذا النظام إن الرسم الجديد البالغ حوالي 15 في المئة من تكلفة الفجوة بين المواطنين المحليين والأجانب منخفض أكثر مما ينبغي. ويأمل العبسي في زيادة الرسم تدريجيا لدفع أصحاب العمل إلى الابتعاد عن نموذجهم الخاص باستيراد أعداد كبيرة من العمالة غير الماهرة وتحقيق أرباحهم في القطاعات منخفضة الانتاجية. وتقول إيكونوميست إنه يلزم بعض الوقت لتنفيذ رؤية العبسي التي تبدو أكثر احتمالا لإعادة التوازن إلى اقتصاديات مجلس التعاون الخليجي. وأضافت أن البعض يعتبر السعر المنخفض للبترول نعمة مخفية كوسيلة لفرض التغيير. لكن بعد عقود من العيش على رفاهية البترول، قد يأتي التغيير كصدمة لكثيرين.
تعليقات الفيسبوك