بمناقشة لم تكمل ثلاث ساعات اختتم مجلس النواب دور انعقاده الأول بالموافقة على مشروع قانون بناء وترميم الكنائس رغم الاعتراضات التي طالما أحاطت به تحت القبة وخارجها أيضا.
ففي الوقت الذي استقبل فيه معظم النواب الموافقة على القانون بالتصفيق الحاد والهتافات التاريخية المعبرة عن الوحدة الوطنية، امتنع أعضاء حزب النور "السلفي" عن التصويت نهائيا واكتفوا بتصفح هواتفهم المحمولة.
وأقر مجلس النواب قانون بناء وترميم الكنائس بعد ثلاثة أيام فقط على إرساله من الحكومة، لاستيفاء الاستحقاق الدستوري المنصوص عليه في المادة 235 من باب اﻷحكام العامة واﻻنتقالية.
وتنص المادة 235 من الدستور على أن "يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانوناً لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية".
إعادة إنتاج الواقع
واعتبرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن القانون بصياغته الحالية هو "إعادة إنتاج للأمر الواقع والخاضع لهيمنة نصوص قانونية بالية تنتمي للقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بما يتضمناه من شروط قاسية ومعوقات أمام بناء الكنائس".
وقال تقرير المبادرة، اليوم الأربعاء، إن "القانون لن يحقق هدفه الأساسي بالقضاء على الجذور المسببة للتوترات الطائفية وإلغاء أحد أوجه التمييز القانوني الذي دأبت الدولة على إعادة إنتاجه".
وكان ينظم مسألة بناء الكنائس "الخط الهمايوني" الصادر من الدولة العثمانية في عام 1856 لغير المسلمين، وتم ربط ترخيص بناء الكنائس وترميمها بموافقة السلطان العثماني منعاً لتسلط وتحكّم الولاة، وهو الحق الذي انتقل لرأس الدولة المصرية بعد الاستقلال.
واستمر العمل بذلك المرسوم إلى أن جاء مرسوم 1934 الذي عُرِف بمرسوم "الشروط العشرة"، والذي أقر شروطا اعتبرها الأقباط مجحفة في منح تصاريح بناء وترميم الكنائس.
مليء بالألغام
وقال مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إسحق إبراهيم، إنه كان يجب أن يقتصر دور الحكومة على احترام الحق في البناء بما يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية، لكن القانون يمنح سلطات واسعة للسلطة التنفيذية في انتهاك حق بناء وترميم الكنائس ويبسط أيدي الأجهزة الأمنية على منح التراخيص.
وأضاف إبراهيم أن "القانون مليء بالألغام التي ستمثل عائقاً ليس فقط أمام بناء الكنائس، ولكن أمام ترميمها وتوسيعها، وكان على مجلس النواب أن يقوم بدوره بفتح نقاش جدي حول مواد القانون لا أن يقره كما جاء من الحكومة".
ورغم الأجواء الاحتفالية التي عمت لحظة إقرار القانون تحت قبة البرلمان، والتي بدت في الهتافات ورفع الأعلام وكلمة رئيس مجلس النواب علي عبد العال بأن "الانتهاء من القانون شهادة للعالم كله بأن مصر يد واحدة"، ما زالت مبادرة "تنسيقية المواطنة" تستكمل طريقها لجمع توقيعات رافضة للقانون أملا في تعديل بعض مواده قبل تصديق رئيس الجمهورية عليه.
تعديلات شكلية
وأوضح عضو تنسيقية المواطنة ورئيس مؤسسة شباب ماسبيرو لحقوق الإنسان، رامي كامل، أن التعديلات التي جرت على القانون "شكلية"، وما زالت المواد التي لاقت اعتراضات عديدة لم يتم تعديلها.
وأكد كامل، في مقابلة مع "أصوات مصرية"، أن المادة الثانية من القانون لا تزال تربط بين منح تصاريح بناء الكنائس بعدد المسيحيين في المنطقة، ما يقوض مبدأ حرية ممارسة الشعائر الدينية المنصوص عليه في الدستور.
كما انتقد رامي كامل استمرار إحكام سيطرة الأجهزة الأمنية على منح تصاريح بناء وترميم الكنائس في المادة الثامنة من القانون، رغم اعتراضات الكنائس الثلاث والنواب والنشطاء على السواء.
وطرحت "تنسيقية المواطنة" مبادرة لجمع توقيعات شعبية من الأقباط في مختلف محافظات الجمهورية لرفض مشروع القانون الذي وصفوه بـ"الجائر والمعادي للمواطنة".
100 ألف "لا"
وقال مايكل أرمانيوس، مؤسس مبادرة رفض قانون بناء وترميم الكنائس، إن عدد التوقيعات التي تم جمعها حتى الآن تجاوز 100 ألف استمارة من جميع المحافظات.
وأضاف أرمانيوس، في تصريح لأصوات مصرية، أن المبادرة ستستكمل عملها في جمع التوقيعات الشعبية لرفض القانون رغم إقراره من مجلس النواب، بهدف رفع غطاء الشرعية عنه على الصعيد الشعبي.
ورغم الاحتفاء السياسي والرسمي بصدور قانون بناء وترميم الكنائس، لم ينجح مشهد تعانق أيدي رئيس اللجنة التشريعية بهاء أبو شقة ووزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي وعبارتهم التي أعقبت لحظة صدور القانون أن "البرلمان والحكومة ايد واحدة" في احتواء حملات الاعتراض التي أحاطت بالقانون ولا تزال تلاحقه.
تعليقات الفيسبوك