شاهد: شمال سيناء.. رحلتا الذهاب والعودة وما بينهما العذاب

الثلاثاء 02-08-2016 AM 10:09
شاهد: شمال سيناء.. رحلتا الذهاب والعودة وما بينهما العذاب

السيارات تنتظر العبور إلى شمال سيناء عبر معدية القنطرة شرق- صورة لأصوات مصرية مايو 2016

- نسيان بطاقة الرقم القومي لسيدة كاد يودي بحياة 9 أشخاص

- 350 كم بين القاهرة والعريش تستغرق 10 ساعات سفر

سيدة ترتدي النقاب يبدو من صوتها أنها في الثلاثينيات من العمر، كانت تجلس بالمقعد قبل الأخير جهة اليسار في سيارة الأجرة التي تحركت من موقف العريش متجهة إلى القاهرة.

بعد تحرك السيارة بعشرين دقيقة، خاطبت السيدة السائق قائلةً "استنى يا أسطى نسيت البطاقة هاتصل على حد في البيت يجيب تاكسي ويجيبهالي هنا من فضلك استنى".. حينها كنت أجلس في الكرسي الأخير للسيارة خلف السيدة مباشرة.

تعاطف جميع الركاب مع السيدة -كونها لا تستطيع عبور الأكمنة الأمنية بدون هويتها- جعل السائق يتوقف وينتظرعلى جانب طريق العريش القنطرة في المنطقة الواقعة بين جامعة سيناء ولافتة مدخل مدينة العريش.

بعد 15 دقيقة من الانتظار، وصلت ثلاث مدرعات وأحاطت بسيارتنا مع إطلاق الرصاص للتحذير من التحرك.

كاد أن يغشى على جميع الركاب الثمانية والسائق من هول الموقف وشدة الخوف، لدرجة أن أحدا لم يستطع الرد على أسئلة قائد القوة الأمنية التي تحيط بنا. 

"لو حصل أي انفجار على الطريق وخاصة في المكان ده هنجبكوا كلكم.. إيه يخليكوا تقفوا كده.. لو قتلناكوا عندنا حق دلوقتي"، هذه العبارة خرجت رنانة على مسامع الركاب المشدوهين.

السيارات الملغومة وزرع القنابل على جوانب الطرق، تكتيك شائع الاستخدام لدى الجماعات "الإرهابية" في شمال سيناء. وفي نوفمبر من 2013، استهدفت سيارة ملغومة كانت تنتظر على جانب طريق العريش الدولي بالقرب من منطقة الشلاق حافلتين لنقل جنود والقوة الأمنية المرافقة لهم ما أدى إلى مقتل 11 جنديا وإصابة 37 آخرين، بحسب الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري. 

وبعد أن تأكدت القوة الأمنية من هويتنا جميعا، اصطحبت السيارة وبداخلها الركاب إلى الكمين الأمني الموجود أمام جامعة سيناء.

كمين جامعة سيناء، والقوات التي اصطحبتنا، لم يتركونا حتى تأكدوا بأنفسهم من أن انتظار سيارتنا على الطريق كان بسبب انتظار الراكبة لبطاقة الرقم القومي التي سيجلبها لها أحد أقاربها.

تحدث ركاب السيارة بعد الواقعة عن أن رجال الأمن لديهم كل الحق، وكان يجب ألا تنتظر سيارتنا على جانب الطريق.

كل ما سبق حدث أثناء عودتي من محافظة شمال سيناء إلى القاهرة، بعد رحلة عمل بدأت يوم الخميس الموافق الثامن والعشرين من شهر أبريل.

* الذهاب

المسافة من القاهرة إلى العريش 350 كيلومترا كانت السيارة تقطعها -قبل التشديدات الأمنية للسيطرة على الجماعات المسلحة- في 4 ساعات، أما الآن فتستغرق 10 ساعات كاملة.

وتشهد محافظة شمال سيناء -منذ مارس 2013- مواجهات أمنية عنيفة مع تنظيم أنصار "بيت المقدس" الذي غير اسمه إلى "ولاية سيناء" بعد مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في نوفمبر 2014.

كان من الضروري أن أضع ضمن حساباتي وقبل التحرك للسفر حظر التجوال الذي يبدأ في مدينة العريش من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وحتى السادسة من صباح اليوم التالي، وفي المناطق الحدودية من الساعة السابعة ليلا وحتى السادسة صباحا.

يستلزم التحرك من منزلي بالجيزة إلى موقف سيارات أجرة العريش بمنطقة المرج الجديدة حساب الوقت جيدا لتجنب الوصول وقت حظر التجوال، لذلك تحركت بالتاكسي في تمام الساعة الحادية عشر ليلا حتى أتمكن من الوصول إلى المرج في الثانية والنصف على أقصى تقدير.

"العريش يا أستاذ" نداء يأتي إلى مسامعك من سائق يقف إلى جوار سيارة مرسيدس 8 راكب موديل الستينيات، وهي تميز موقف أجرة العريش عن باقي مواقف سيارات الأجرة للمحافظات الأخرى.

جلست في الكرسي الأمامي بجوار السائق، وانطلقت السيارة في تمام الساعة الواحدة صباحا بداية يوم الجمعة، بعد أن دعانا السائق لقراءة الفاتحة التماسا لتيسير أمورنا.

* من هنا تبدأ المعاناة

استغرقت سيارتنا ساعتين وخمس وأربعين دقيقة لتصل من القاهرة إلى معدية السيارات بمنطقة القنطرة غرب، وتصطف في طابور السيارات الذي يمتد لكيلو متر أو يزيد، انتظارا لأن يأتي دورنا في دخول معدية العبور لتقلنا إلى البر الشرقي لقناة السويس (القنطرة شرق) حيث الطريق الدولي للعريش.

 

السيارات تنتظر العبور إلى شمال سيناء عبر معدية القنطرة شرق- صورة لأصوات مصرية مايو 2016
 

أربع ساعات انتظرناها داخل السيارة بعد منع قوات تأمين قناة السويس الركاب من النزول. دار الحديث بين الثمانية ركاب داخل سيارتنا عن الوضع الأمني، وأنه يتسبب في "مذلة ومرارة" للعابرين إلى شمال سيناء والقادمين منه، متساءلين إلى متى سيستمر الوضع.

* الكوبري مغلق

على الرغم من إعلان وزارة النقل -يوم الاثنين 11 مارس الماضي- بدء التشغيل التجريبي لكوبري السلام الرابط بين شبه جزيرة سيناء وباقي الأراضي المصرية تحت إشراف القوات المسلحة وبتعاون جميع الأجهزة الأمنية وهيئة قناة السويس، إلا أن السيارات لا تزال تجتاز قناة السويس عبر معديات السيارات.

كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة وخمس وأربعين دقيقة صباحا حين جاء صوت ينادي "إصحى يا اسطى إصحى يا عم محمد دورنا جه وهنعدي". الصوت لشاب في منتصف العشرينات كان يمر ليوقظ سائقي سيارات نقل بضائع غلبهم النعاس داخل كابينة القيادة من طول فترة الانتظار استعدادا للعبور.

الآن جاء دورنا، على مهل تدخل سيارتنا إلى معدية قناة السويس. عشر دقائق وقت كاف لملء المعدية بحمولتها من السيارات، و15 دقيقة كانت كافية لنصل إلى البر الشرقي للقناة.

علامات الفرح ترتسم على وجوه الجميع وكأنهم يعبرون حصنا منيعا.

ثماني ساعات وعشرين دقيقة، هو الوقت الذي مر علينا منذ أن خرجنا من القاهرة وحتى بداية طريق العريش بالبر الشرقي لقناة السويس.

* الوضع الأمني

وجوه الركاب التي ارتسمت عليها السعادة فرحا بالعبور، بدأت ملامحها تتغير مع توقعنا لبداية معاناة جديدة تنتظرنا على الطريق.

كنت أتابع عن كثب الحذر الشديد والحيطة التي بدأت تميز تحركات سائق السيارة، خلال تنفيده الإجراءات التي أعتاد القيام بها قبل أمتار قليلة من المرور على أي كمين أمني.

اعتاد السائقون الذين يمرون يوميا بطريق العريش على تجهيز رخصة القيادة، وخفض السرعة والوقوف، وعدم فتح أي من أبواب السيارة أو نزول أشخاص مهما كان السبب، وفتح الحقيبة الخلفية للسيارة، والحذر الشديد من أن تتعطل السيارة أو يقف الموتور حين يسمح لك بالمرور.

أثناء انتظار سيارتك للفحص والتفتيش في حالة وجود طابور وقبل الدخول إلى الكمين، كن حذرا من الخروج ولو بمقدمة السيارة عن الصف فقد يثير ذلك رد فعل من قوات التأمين تحسبا لأن يكون خروج السيارة عن الصف نذيرا بتحرك خطر.

مع بداية انحراف سياراتنا من على طريق القنطرة شرق إلى اليمين، للسير على طريق العريش الدولي كان أول كمين أمني للجيش. استوقفنا جندي وأطل برأسه داخل السيارة ليطلب بطاقات تحقيق الشخصية من الجميع، فيما يقوم زميل له بتفتيش الحقيبة الخلفية للسيارة.

الجندي المتفحص لبطاقات تحقيق الشخصية يسأل الركاب واحداً تلو الآخر، "أنت منين ورايح فين؟".

استغرق فحص هويات الركاب والسيارة 10 دقائق تقريبا، بعدها سمح لنا بالمرور. إن كانت سيارتك تحمل بضائع حتما يطول وقت التفتيش والفحص.

سبعون دقيقة، هي المدة التي استغرقتها سيارتنا للوقوف من أجل الفحص في سبعة أكمنة أمنية في مسافة 170 كيلومترا بين أول كمين بطريق العريش من ناحية القنطرة شرق وكمين الميدان الموجود قبل مدخل حي المساعيد بمدينة العريش.

"هنا المساعيد تفضل يا أستاذ" هي الجملة التي لفت بها سائق السيارة انتباهي للنزول بعد أن شرد ذهني في التفكير "إذا كان هذا هو الوضع على الطريق فما بالي بداخل البلد؟"

* داخل العريش

هرولت بالنزول من السيارة، ثم السير باتجاه البحر للوصول إلى مقر سكني بحي المساعيد في العريش، وحينها كانت الساعة تدق العاشرة صباحا.

آثار الانفجارات وإطلاق الرصاص جراء الاشتباكات بين قوات الأمن وجماعات مسلحة تظهر واضحة على بعض المباني، وتركت أثرها النفسي على الأهالي الذين امتنعوا عن الحديث خوفا من ردود الفعل في هذه الأجواء.

لم تفلح محاولتي للذهاب إلى مدينتي الشيخ زويد ورفح، ووسط أجواء الإرهاب والتشديد الأمني أصبحت زيارتهما حلما صعب المنال حتى على سكان نزحوا من المدينتين بحثا عن درجة أكبر من الأمان في العريش.

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys