مكالمات هاتفية لا تعد ولا تحصى لأصدقاء متخصصين في التكنولوجيا.. بحث دؤوب على مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث.. محاولات عديدة قامت بها "سالي" حتى استطاعت أخيرا تحميل لعبة بوكيمون جو التي لم تٌطلق بشكل رسمي في مصر بعد.
وبوكيمون جو(Pokémon Go) هي لعبة واقع معزز مخصصة للهواتف المحمولة تم تطويرها من قبل شركة "نينتندو" وأًطلقت في يوليو 2016.
وتضيف تقنية الواقع الافتراضي المعزز عناصر افتراضية إلى العالم الحقيقي الذي يظهر عبر الكاميرات الموجودة في الهواتف الذكية، وتستخدم خاصية تحديد الموقع الجغرافي للسماح لمستخدميها بالعثور على كائنات "بوكيمون"، الصغيرة ذات الأشكال المتعددة والقوى السحرية المختلفة، التي حققت نجاحا كبيرا قبل ما يقرب 20 عاما.
وبالرغم من عدم إطلاق بوكيمون جو رسميا في مصر، إلا أن الآلاف مثل "سالي" سارعوا للبحث عن وسائل مختلفة لتحميلها وانتشرت تدوينات تنصح المصريين بكيفية تحميلها.
الشباب في المقدمة
عدة عوامل وقفت وراء انتشار "بوكيمون" في مصر، كما يقول أستاذ الاجتماع السياسي، سعيد صادق، لأصوات مصرية، "الكلام الكتير عن اللعبة في الإعلام شجع شباب كتير انهم يدوروا عليها علشان يشوفوا إيه الموضوع بالذات ان ده موسم إجازات".
ويضيف صادق "بوكيمون شخصية كارتونية كانت معروفة وقت ما جيل الشباب ده كان أطفال.. اللعبة دي موجهة للشباب وده نسبته كبيرة في مصر .. هو اللي بيدخل أكتر على الإنترنت بشكل يومي وبيتابع الجديد في عالم التكنولوجيا بدأب شديد".
وتظهر آخر بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن 31.3% من السكان يبلغ عمرهم أقل من 15 عاما، فيما تقدر نسبة السكان من كبار السن فوق 65 عاما بنحو 4.3%..
وبحسب بيانات الجهاز بلغ عدد مستخدمي شبكة الإنترنت عن طريق الهاتف المحمول 24.1 مليون مشترك حتى 30 يونيو 2015، فيما بلغ عدد أفراد الأسر التي تستخدم الإنترنت في المنازل 23 مليون فرد خلال العام الماضي.
ويضيف صادق، "كمان كل الكلام اللي اتقال عن علاقة اللعبة بالتجسس زود الفضول بتاع الشباب وخلا فيه رغبة قوية في تحدي التحذيرات اللي اتقالت .. زي ما في فترة قالوا إن أبلة فاهيتا بتستخدم شفرة للتجسس وده خلا في اقبال على الفرجة عليها".
ومن أهم أسباب الانجذاب لـ"بوكيمون" ومثيلاتها من ألعاب الواقع المعزز أنها تتحول لجزء من الحياة الواقعية لمن يلعبها، كما يقول أخصائي تكنولوجيا المعلومات والمدون، وائل خليل.
ويضيف خليل، "الإقبال على بوكيمون فاق التوقع مش بس في مصر، ولكن في دول تانية لسه برضه اللعبة ما نزلتش عندهم بشكل رسمي ومع كده في إقبال رهيب عليها".
ويقول خليل إنه بالرغم من عدم وجود أرقام موثقة حول عدد مستخدمي اللعبة في مصر وتوزيعهم الديموجرافي إلا أنه من المتوقع أن معظمهم من المراهقين والشباب مثلما هو الحال مع استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل عام، إلا أن هذا لا يعني أن استخدامها حكر عليهم، لكنهم الأغلبية.
وبحسب خليل، ففي حالة التطبيقات والألعاب الجديدة تقف فكرة العدوى والنمو العضوي وراء انتشارها بشكل يفوق التوقع في أحيان عديدة.
ويضرب خليل مثلا بموقع تويتر للتدوين القصير، "يمكن الحاجة اللي كان ليها نفس التأثير كان تويتر لما ظهر، لدرجة إن هنا في مصر كان التطبيق بيقع كتير بسبب الإقبال الرهيب. أما بالنسبة للألعاب فربما تكون كاندي كراش هي اللعبة الأقرب من حيث الشعبية".
هيستريا
لا يعتبر د. رامي علي، الأستاذ المساعد في قسم الاجتماع والأنثروبولجيا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، انتشار "بوكيمون" بين الشباب المصري أمرا غريبا، لأن "الشباب في مصر بيواكبوا العالم ودي ظاهرة عالمية.. الشباب في مصر مرتبط بالعالم وبالتالي طبيعي إنه يبقى مهتم يشوف ويجرب الاتجاهات الجديدة.. الأمر الغريب هو رد الفعل الهيستيري على انتشار اللعبة بين الشباب".
ويقول علي إنه وفقا للشركة المسؤولة عن تسويق اللعبة فنسبة تحميلها في مصر هي 3.2% من الأجهزة التي تستخدم نظام تشغيل الأندرويد والتي تقدر نسبتها بحوالي 75% من السوق (عدد مستخدمي أجهزة المحمول الذكية في مصر في 2016 حوالي 21 مليون)، وبالتالي فعدد من قام بتحميل اللعبة في مصر هو نصف مليون تقريبا.
ويعتبر الأستاذ المساعد في الجامعة الأمريكية أن "رد الفعل على انتشار بوكيمون بين الشباب هيستيري بدرجة مضحكة .. النخبة الحاكمة سواء الثقافية أو السياسية بدأت في تحريم اللعبة والحديث عن أنها تستخدم في التجسس وهو ما يشير إلى درجة انعزال هذه النخبة عن الواقع المصري وعن أي تطور بيحصل وكل ده علشان نصف مليون شاب قرروا انهم يعملوا زي باقي شباب العالم وبالرغم من أن العدد ده لا يقارن بالملايين اللي بيلعبوا اللعبة في العالم".
وقال حسام القاويش، المتحدث باسم مجلس الوزراء، في مُداخلة هاتفية لبرنامج "90 دقيقة" على قناة المحور الفضائية، إن الأجهزة المعنية تتابع ما يثار حول اللعبة الجديدة، في إشارة للعبة "البوكيمون". وأضاف "الأجهزة المعنية تتابع وضع آليات جديدة خاصة بألعاب الإنترنت، وسيتم التحقيق في الأمر، ووضع الآليات المناسبة للحد من خطورة هذه الألعاب".
فيما قال هاني الناظر، رئيس المركز القومي للبحوث سابقا، في مداخلة مع نفس البرنامج، إن لعبة "بوكيمون وسيلة للتجسس، وأداة للتظاهر وقطع الطرق، مطالبا المصريين بعدم تحميلها".
واعتبر وكيل الأزهر عباس شومان، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) أن لعبة "البوكيمون" تعد في "حرمانية الخمر لأنها تذهب العقل وتؤدي إلى تغييب ممارسها وتجعله قد يضر نفسه أو غيره دون أن يدري.
"في كل العالم رحبوا باللعبة .. القلق الوحيد كان على سلامة اللاعبين .. انهم ياخدوا بالهم وهما ماشيين علشان ما تحصلش إصابات ... لكن النوع ده من المخاوف الأخلاقية مش موجود غير في منطقتنا العربية"، كما يقول رامي علي.
ويضيف علي، "في دول العالم الأخرى في أماكن كتير بتطلب أن خرايط اللعبة تشاور عليهم لأن ده بيخلي في إقبال عليها".
رد الفعل العنيف من النخبة الحاكمة ضد "بوكيمون" يعكس، بحسب علي، "ثقافة مريضة بالشك والخوف.. كل شيء جديد فيها بيتحول لتهديد للأمن القومي.. كل شيء يفسر على إنه مؤامرة ضد الدين أو محاولة لتدمير الثقافة والأعراف السايدة (السائدة)".
ويضيف "شيء مخزي أنه لما نعمل سيرش على جوجل باسم اللعبة ومصر معظم اللي بيظهر لنا اخبار وتقارير عن تحريمها وتجريمها والفتاوى ضدها.. النخبة في البلد دي عندها هيستريا ضد كل حاجة مرتبطة بالشباب والتكنولوجيا.. من أول موسيقى الهايفي مايتل للفيس بوك ودلوقتي وصلنا لبوكيمون".
تعليقات الفيسبوك