"نفسي أركب المترو .. المترو زحمة وهاقدر أتكلم مع أكبر عدد من البني آدمين ... لما اخرج هاركب المترو كل يوم".
بعد سنة وشهر و15 يوما في الحبس الانفرادي، أصبحت هذه هي أمنية يوسف شعبان، الصحفي الذي يمضي مدة عقوبة سنة و3 أشهر في قضية "قسم الرمل"، والمتهم فيها مع آخرين بالاعتداء على ضباط قسم شرطة وإتلاف محتوياته.
"من أول يوم دخل فيه السجن وهو محبوس انفرادي... حتى ساعتين التريض بتوع كل يوم بيكون فيهم لوحده... بيقعد 22 ساعة في الزنزانة لوحده ولما يخرج ساعتين يتنفس فيهم برضه بيكون لوحده"، هذا هو وضع شعبان كما جاء على لسان زوجته، رنوة يوسف.
وبحسب ما قالت رنوة يوسف لأصوات مصرية، فشعبان ممنوع من استخدام الأوراق والأقلام، ولا يسمح سوى بدخول 3 كتب له في كل زيارة.
وتضيف، "في الأول كانوا بيسمحوا بدخول ورق وأقلام وألوان وألعاب ذهنية ... بس فجأة منعوها".
الحبس الانفرادي أثر على ذاكرة يوسف شعبان، كما تقول زوجته، "يوسف بقى بينسى تماما وبيسرح كتير .. عصبي جدا .. وطول الوقت شاعر بالخطر والتوتر وبأن احنا مخبيين عنه حاجة".
فرصة شعبان الوحيدة في الحديث مع آخرين هي أثناء الزيارة، التي تكون مرة كل أسبوعين وتستمر لمدة نصف ساعة في أفضل الأحوال بينما لا تزيد عن خمس دقائق في أحيان أخرى.
وتقول زوجته إن نقابة الصحفيين تقدمت بعدد من البلاغات للنائب العام لتحسين ظروف حبس شعبان ولإنهاء حبسه الانفرادي، لكن لم تتم إي استجابة لهذه البلاغات.
انت مع مخك بس
وصفت الأمم المتحدة في المادة 145 من بروتوكول اسطنبول الحبس الانفرادي بأنه شكل من أشكال التعذيب، ودعا خبير في التعذيب بالأمم المتحدة في عام 2011 لحظر الحبس الانفرادي للسجناء إلا في "ظروف استثنائية جداً" ولفترات زمنية قصيرة بقدر الإمكان، مع منعه تمامًا في حالات القصر والأشخاص ذوي الإعاقات العقلية.
ودشنت مجموعة من النشطاء مؤخراً حملة ضد الحبس الانفرادي، متضمنةً "عداد لأيام الحبس الانفرادي" في محاولة لرصد أعداد المحبوسين انفرادياً في السجون المصرية حيث لا يوجد حصر بهذا العدد، بحسب ما قالت عضو الحملة سالي توما لأصوات مصرية.
وأضافت عضو الحملة، "من فترة بدأ أهالي عدد من المحبوسين انفرادي يتكلموا عن الآثار النفسية له ... بدأ يبقى واضح جداً إن الحبس الانفرادي تحول لطريقة لتكدير المحبوسين بالذات لأسباب سياسية .. واكتشفنا إن احنا ماعندناش رصد واضح لأعدادهم وبالتالي ظهرت فكرة الحملة علشان نرصد الحالات ونحاول نضغط لحفظ حقوق المسجونين اللي بيتعرضوا للعقوبة دي".
ومن ضمن الحالات التي رصدتها الحملة، حالة سيد مشاغب، أحد مؤسسي رابطة الوايت نايتس والمحبوس انفراديا منذ أكثر من ثلاثة شهور في سجن العقرب.
"مشاغب ممنوع من التريض والأكل بيدخل له مرة واحدة بس في اليوم وممنوع من الزيارات .. النتيجة إنه خس جداً وصحته بتتدهور"، كما تقول سالي توما.
وتضيف عضو الحملة، أن التجاوز في تطبيق عقوبة الحبس الانفرادي أكثر في حالة المسجونين في قضايا سياسية، راصدة بعض النماذج "أحمد دومة اللي بقاله 3 سنين محبوس انفرادي، ويوسف شعبان اللي قرب يكمل مدة حبسه كلها انفرادي، ومالك عدلي المحبوس احتياطي ورغم كده انفرادي وده ضد القانون اللي بيقول إن اللي محبوس احتياطي ما ينفعش يتحبس انفرادي، كمان فيه محمد مرسي، وسعد الكتاتني وغيرهم من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين".
وتشير سالي توما، الطبيبة النفسية، إلى أن الحبس الانفرادي له آثار نفسية شديدة السوء.
وتستشهد بدراسة أجراها ستيوارت جرايشون، وهو طبيب أمريكي من جامعة هارفارد، قام بدراسة على مئات المحبوسين انفراديا في الولايات المتحدة لبحث الأثر النفسي لهذا الشكل من أشكال الحبس. وخلص جرايشون إلى أن الحبس الانفرادي يمكن أن يؤدي إلى آثار نفسية سلبية من ضمنها الهلاوس والضلالات وصعوبة التفكير والتركيز وضعف الذاكرة، والحساسية المفرطة للمؤثرات الخارجية.
وتضيف سالي توما، أن هناك تجربة حقيقية أجرتها جامعة "مكجيل" في عام 1951، ودفعت خلالها مبالغ مالية لبعض الطلبة للبقاء بغرف معزولة لمدة 6 أسابيع، قالوا لهم فيها "انت مع مخك بس".
"كانت أطول مدة بقاها أحد المشاركين في التجربة هي 6 أيام، حيث كانت التجربة تعذيبا بشعاً لم يتحمله الطلبة الذين فقدوا القدرة على التفكير والتركيز، وعانى بعضهم من هلاوس سمعية وبصرية. أما الطالب الذي استمر 6 أيام فقد تخيل كلابا تريد قتله".
وتقول الطبيبة النفسية، إن الحبس الانفرادي قد يؤدي للإصابة بأمراض مثل الذهان والشيزوفرينيا، وقد يصل المسجون للانتحار.
مخالفة للقانون ولقرار جمهوري
يخضع الحبس الانفرادي لقواعد واردة في قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنه 1956، حيث جاء في المادة 44 أنه "لمدير السجن أو مأموريه توقيع العقوبات الآتيه: ... الحبس الانفرادى لمدة لا تزيد على أسبوع وتوقع هذه العقوبات بعد إعلان المسجون بالفعل المنسوب اليه وسماع أقواله وتحقيق دفاعه ويكون قرار مدير السجن او مأموره بتوقيع العقوبة نهائيا"، بحسب ما قالت مروة فاروق، المحامية وعضو حملة "لا للحبس الانفرادي" لأصوات مصرية.
لكن الحد الأقصى لعقوبة الحبس الانفرادي زاد إلى شهر بمقتضى القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي –في أكتوبر من العام الماضي- لتعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون.
وتقول المحامية الحقوقية إن ما يحدث بالفعل في السجون مخالف لهذه القواعد، حيث تتجاوز مدة الحبس الانفرادي الشهر المنصوص عليه لتصل إلى سنوات في بعض الحالات، مثل أحمد دومة.
ونفى مصدر أمني بمصلحة السجون ما تردد عن وجود انتهاكات أو إهمال داخل السجون بالنسبة للمحبوسين انفرادياً.
وقال المصدر لأصوات مصرية إن الشكاوى التي تقدم من المساجين يتم فحصها، مضيفاً أن السجين الانفرادي يلقى اهتماما به مثل باقي السجناء ويتم إخراج المسجون يوميا للتريض بمفرده.
وبحسب المصدر فقد فحصت إدارة السجون الشكاوى التي قُدمت من أحمد دومة وسيد مشاغب وجاري إصدار قرار بشأنها.
وتشرح مروة فاروق أن الجهة المنوط بها التفتيش على السجون ومتابعة القوانين هي النيابة العامة، "إلا أن هذا لا يتم ... ولا يتم الاستجابة لأي من الشكاوى التي يتقدم بها المحبوسون انفرادياً".
وقال مصدر قضائي لأصوات مصرية، إن النائب العام المستشار نبيل صادق أحال البلاغات التى تقدم بها محامون بشأن التحقيق في وقائع حبس انفرادي إلى النيابات المختصة للتحقيق فيها.
وأضاف "تم إحالة كل بلاغ للنيابة المختصة بالتحقيق حسب مكان الواقعة أو السجن موضوع البلاغ".
وأوضح المصدر أن عملية تفتيش النيابة على السجون تجرى حسب تقدير النيابة العامة للواقعة، وقد يحدث ذلك دون بلاغات تقدم لها أو قد يتم عقب تلقيها بلاغا، فالأمر متروك لتقدير النيابة العامة حسب جدية البلاغ".
قاربت مدة سجن شعبان على الانتهاء، واقترب من تحقيق حلمه: ألا يكون وحده وأن يركب المترو ليتحدث.
تعليقات الفيسبوك