تترقب أسواق المال العالمية تصويت البريطانيين غدا الخميس على بقاء بلادهم أو خروجها من الاتحاد الأوروبي، وسط تحذيرات من الساسة والاقتصاديين والكيانات التجارية في أرجاء المعمورة من دخول بريطانيا ومن ورائها أوروبا في حالة ركود إذا ما استقر قرار البريطانيين على الخروج.

المخاوف من تأثير هذا القرار على النمو العالمي الذي يعاني بالفعل من تحديات كبيرة، ألقت بظلالها على أسواق المال والعملات العالمية مؤخرا، وانعكست أيضا على البورصة المصرية التي تراجعت لعدة جلسات خلال الأسبوع الجاري، فيما أرجعه المحللون لتأثرها بترقب العالم للقرار البريطاني، بالإضافة لعوامل محلية.

وتتجه مؤشرات البورصات وقيم العملات الدولية صعودا وهبوطا خلال الأيام الماضية بالتوزاي مع اتجاهات استطلاعات الرأي البريطاني، خوفا من رجحان كفة خروج ثاني أهم اقتصاد وأغنى مركز مالي من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، المكون من 28 دولة.

ورغم ما تشير إليه استطلاعات الرأي الأخيرة من تقارب المعسكرين، فقد تراجع فريق الخروج من الاتحاد من 44% إلى نحو 26%، بحسب ما نقلته وكالة بلومبرج الإخبارية عن مكاتب للمراهنات أمس.

لكن الأمر مازال بعيدا عن الحسم، خاصة وأن 11% من الناخبين لم يحددوا موقفهم بعد كما تقول مجلة الإيكونوميست في عددها الأخير.

وحذرت مجلة الإيكونوميست البريطانية من مخاطر الانسحاب من الاتحاد على أوروبا بشكل عام، حيث تصَدّر غلاف عددها الأخير العنوان الرئيسي "Divided we fall" (منقسمون سنسقط)، مؤكدة في افتتاحيتها أن الخروج من الاتحاد سيكون مؤذيا سياسيا واقتصاديا لبريطانيا.

 وتشير صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إلى أن المستثمرين سيطرت عليهم التخوفات خلال الأسابيع الأخيرة من الأثر السلبي لخروج بريطانيا على الاقتصاد الأوروبي الذي يعاني ضعفا من الأصل، بالإضافة لتداعياته السياسية التي تزيد من وضع "عدم اليقين" في المنطقة.

وقال الملياردير الأمريكي جورج سوروس في مقال نشرته صحيفة جارديان البريطانية منذ يومين إن الجنيه الإسترليني سيتراجع في حالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن  15% وربما 20%.

وقال سوروس إن المضاربين سيرغبون في استغلال انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للتربح.

وكتب "أتوقع لهذا التراجع أن يكون أكبر وأشد تدميرا من تراجع سبتمبر 1992 الذي بلغ 15% عندما حالفني الحظ لتحقيق ربح كبير لمستثمري صندوق التحوط الذي كنت أديره".

وكان سوروس راهن بنجاح في 1992 على أن الإسترليني مقوم بأكثر من قيمته الحقيقية مقابل المارك الألماني، مجبرا رئيس الوزراء آنذاك جون ميجور على سحب الإسترليني من آلية سعر الصرف الأوروبية.

وأشار الملياردير الأمريكي أيضا إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى عجز "كبير جدا" في ميزان المعاملات الجارية البريطاني.

ويعترض المطالبون بخروج بريطانيا من الاتحاد على كونهم محكومين بمجموعة من البيروقراطيين في بروكسل الذين لم يتم انتخابهم، فيما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، كما يرون أن فرنسا وألمانيا تمليان على بريطانيا ما يجب أن تفعله.

كما تسيطر على المنادين بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تخوفات من المهاجرين، ويعتقدون أن بقاء بلادهم فيه لا يساعدها على الحد من الهجرة، وما يترتب عليها من مشكلات على رأسها تزايد البطالة بين مواطني البلد.

ويقول لوك جونسون، رئيس بنك استثمار ريسك كابيتال بارتنرز، إن هناك قصورا شديدا في ديمقراطية هذا الكيان (الاتحاد الأوروبي)، الذي يضع ترسانة من القوانين، رغم كونه غير منتخب، ويعتبر أن "الخروج منه في صالح الديمقراطية"، بحسب ما قاله لوكالة بلومبرج الإخبارية.

ويرى جونسون أن الاتحاد يكبل قطاع الأعمال بقيود ليست هناك حاجة إليها، فمعظم الشركات البريطانية لا تصدر منتجاتها للاتحاد الأوروبي ومع ذلك مضطرة للتقيد بعشرات التشريعات والقوانين التي يفرضها الاتحاد.

ومع ذلك يشير تقرير لبلومبرج إلى أن معظم رجال المال والأعمال مؤيدون لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد.

وينظر المؤيدون لبقاء بلادهم داخل الاتحاد الأوروبي إلى المزايا الاقتصادية التي تتيحها عضوية الاتحاد من جهة، والمخاطر التي يسببها الخروج منه من جهة أخرى.

ويؤيد البقاء رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون، وعدد من السياسيين الحاليين والسابقين، معتبرين أن الخروج سيهدد وحدة المملكة المتحدة، حيث سيترتب عليه مطالبة اسكتلندا، التابعة للتاج البريطاني، بالتصويت على الاستقلال لتحافظ على عضويتها هي في الاتحاد، كما يوضح تقرير لوكالة رويترز.

وارتفع سعر صرف الجنيه الإسترليني في بداية الأسبوع إلى أعلى مستوياته أمام الدولار، منذ 7 أعوام، بسبب تراجع حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، تبعا لما أظهرته نتائج استطلاعات الرأي، مما قلص من مراهنة المستثمرين والمضاربين على انخفاض العملة البريطانية.

وتلقت حملة المناداة بخروج بريطانيا من الاتحاد ضربة قوية بعد مقتل نائبة البرلمان المؤيدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي، جو كوكس، الأسبوع الماضي، والذي أحدث صدمة بين البريطانيين.

واكتسب معسكر البقاء تأييدا أكبر بعد هذا الحادث، على حساب تراجع معسكر الخروج، الذي كان متصدرا المشهد قبل مقتل كوكس. 

ووصل سعر الإسترليني أمام الدولار إلى 1.46 دولار في تعاملات اليوم، بحسب وكالة رويترز.

ويتوقع المتعاملون في أسواق المال أن يرتفع اليورو أمام معظم العملات الرئيسية مثل الدولار والين إذا اختار البريطانيون البقاء في الاتحاد الأوروبي.

وتقدر شركة أكسيوما لتقدير المخاطر فقدان الأسهم الأوروبية لنحو ربع قيمتها إذا قرر الناخبون خروج بريطانيا من الاتحاد، بينما يتوقع بنك استثمار مورجان ستانلي صعود مؤشر الأسهم الأوروبية يورو ستوكس بنحو 16% في حالة اختيارهم لبقاء بلادهم داخل التكتل، كما جاء في تقرير لوكالة بلومبرج.