كيف ترى بلدان الاتحاد الأوروبي ما يدور في مصر؟ تساؤل تنبع أهميته من الثقل الاقتصادي للشريك التجاري الأكبر للبلاد، والذي يعد أيضا أكبر مستثمر أجنبي في مصر، متفوقا على الولايات المتحدة والبلدان العربية.
أصوات مصرية طرحت هذا التساؤل على الدكتور روبرتو روكو، أستاذ الاقتصاد السياسي الإيطالي، الذي كتب قبل نحو ثلاثة أعوام كتابا عن "الاقتصاد السياسي للثورة المصرية".
ويقول روكو، في رده على أسئلة أصوات مصرية عبر الإيميل، إن توازنات القوة في أوروبا حاليا تميل لصالح التعاون الاستثماري مع مصر والحفاظ على العلاقات السياسية معها، بالرغم من الأصوات الأوروبية العالية في نقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
فبالرغم من الحملات المتصاعدة من المجتمع المدني في القارة الأوروبية في نقد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، يصبح الاتحاد الأوروبي أقل استجابة للضغوط الشعبية تحت نير الأزمة الاقتصادية الحالية، وأكثر ميلا للدفاع عن مصالح الشركات، كما يقول الأستاذ بجامعة كينجز كولدج البريطانية.
ويوضح روكو أن تطورات الأزمة المالية الحالية جعلت لسياسات التقشف الاقتصادي صوتا عاليا في الأوساط الأوروبية، وهو ما زاد من نفوذ الشركات هناك، حيث اتجهت البلدان الأوروبية لبيع أصول عامة إلى شركات خاصة، ومنحها فرصا أكبر في إدارة الخدمات العامة.
وتعاني البلدان الأوروبية من تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي انفجرت في عام 2008، وتسببت في سقوط العديد من دول القارة في أزمات مديونية.
ومع تطبيق بلدان الاتحاد لسياسات تقشف عنيفة في الدول الأقرب للإفلاس، تزايدت حالة التباطوء الاقتصادي وتفاقمت معدلات البطالة."الطريقة التي تمت بها إدارة الأزمة الاقتصادية أدت بشكل عام إلى انعزال أكبر لصناع السياسات عن الضغوط الشعبية .. الشركات الكبرى صار لديها تواصل أكبر مع مسئولي الحكومات" كما يقول روكو.ويحدث تداخل مباشر بين مصالح الحكومات الأوروبية والنظام المصري، تبعا لروكو، كما في حالة اتفاق شركة إيني الإيطالية مع مصر على استخراج الغاز من حقل "ظهر"، حيث تساهم الحكومة الإيطالية مباشرة في ملكية شركة النفط التي عُهد إليها استخراج الطاقة من الحقل المصري، الذي يعد الأكبر من نوعه في البحر المتوسط.
"المؤكد أن الاتفاقات الاقتصادية الموقعة في مؤتمر شرم الشيخ جعلت من الصعب على الحكومات الأوروبية أن تنتقد نظام السيسي"، في رأي روكو، الذي يشير إلى أنه حتى لو لم تكن الصفقات المصرية تمثل إضافة كبيرة لاقتصاد في ضخامة الاتحاد الأوروبي لكنها "أكثر من مرحب بها" في ظل الركود الاقتصادي الحالي.
ووقعت مصر عددا من الاتفاقات الضخمة مع الشريك الأوروبي في أعقاب مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس 2015، مثل اتفاقها مع شركة سيمنس الألمانية في مجال المحطات الكهربائية، الذي يعد الأكبر من نوعه في تاريخ الشركة الألمانية، وبلغت قيمته نحو 8 مليارات يورو.
لكن هذه التطورات في العلاقات الاقتصادية تأتي في ظل تصاعد انتقادات منظمات حقوقية أوروبية لانتهاكات لحقوق الإنسان المتزايدة في الأعوام الثلاثة الماضية.
ويرى روكو أن تصاعد النزعات القومية في أوروبا يقلل من قوة منظمات حقوق الانسان الأوروبية في التأثير على صناع السياسة، في القارة الواقعة على الشاطيء المقابل من البحر المتوسط.
ويوضح الأكاديمي الإيطالي أن قسوة سياسات التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الدول الأكثر معاناة من الأزمة المالية زادت من جماهيرية اليمين المتطرف، الذي ينتقد سياسات الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، ومع تصاعد النزعة القومية يقل الاهتمام بالشأن الخارجي، ومنه ما يحدث في مصر.
وتعزز أزمات تزايد المهاجرين فرص انغلاق أوروبا على نفسها، في ظل الصراعات الداخلية في بلدان أخرى مثل سوريا، كما يضيف روكو.
"بعد عامين من تعبير الحكومات الأوروبية عن عدم رضائها (عما يدور في مصر)، فإن الاتفاقات الاقتصادية (بين مصر وأوروبا) ينُظر إليها على أنها عودة إلى مدرسة الأمن والاستقرار، والتي تقوم على افتراض أن الأمن الأوروبي يتحقق بضمان استقرار دول الجوار" كما يقول أستاذ الاقتصاد السياسي.ويضيف روكو أن "هذا هو ما قاد أوروبا لدعم مبارك لفترة طويلة.. كما ان التطورات الخارجية، خاصة تنامي تنظيم داعش، جعلت السيسي أكثر أهمية كحصن ضد هذه الحركات الراديكالية".
ويرى الأكاديمي الإيطالي أن الرأي العام الأوروبي حول تطورات أوضاع حقوق الانسان في مصر كان أكثر اهتماما بمقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني مقارنة بما يتعرض له المصريون من انتهاكات، معتبرا أنه من غير المرجح أن تساهم التطورات الحالية لهذا الحادث في "إعادة النظر أو إلغاء أي اتفاقات اقتصادية (بين مصر وأوروبا) في ظل الجمود الاقتصادي الحالي".
وبالرغم من أن حجم اهتمام وسائل الإعلام في أوروبا قبل نحو شهر بمقتل ريجيني كان أمرا "مفاجئا"، ورغم استمرار الحملات الضاغطة لكشف أسباب مقتله خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يبدو أن التركيز على هذه القضية في وسائل الإعلام يتجه حاليا للتراجع، كما يقول روكو.
لكن مؤلف "الاقتصاد السياسي للثورة المصرية" لا يستبعد أن يتغير نمط العلاقات الاقتصادية- السياسية بين مصر وأوربا إذا استمرت وتيرة الاحتجاجات المتصاعدة ضد الحكومة المصرية، والتي بدأت منذ تظاهرة 15 أبريل الماضي ضد قرار الرئيس المصري بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة السعودية.ويرى روكو أن تصاعد هذه الاحتجاجات قد يدفع الاستثمارات الأوروبية للتباطوء أو الانسحاب من مصر، لكن الحديث عن مثل هذه السيناريوهات "لا يزال مبكرا".
وعلى الصعيد الأوروبي يشير روكو أيضا إلى نجاح بعض قوى اليسار في الوصول للحكم، وهي القوى الأقرب للاستجابة للمطالب الشعبية في رأيه، مثل انتخاب حزب سيريزا في البرلمان اليوناني ومشاركة حزب بولكو دي اسكوريدا في حكومة معادية للتقشف في البرتغال، وهي التطورات التي تجعل "من الممكن أن تكون هناك فرص للنظر إلى الانتهاك الممنهج لحقوق الانسان في مصر ليصبح له دور أكبر في أجندة السياسات (الأوروبية)".
تعليقات الفيسبوك