السياسة والاقتصاد .. لمن الأولوية في نظر الشريك الأوروبي؟

الأربعاء 27-04-2016 PM 04:30
السياسة والاقتصاد .. لمن الأولوية في نظر الشريك الأوروبي؟

الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل وزير خارجية فرنسا جان مارك إيرو 9 مارس 2016 - صورة من الرئاسة.

كتب: محمد جاد

شهدت فترة ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي توقيع مصر لاتفاقيات استثمارية ضخمة مع دول أوروبية، كصفقة المحطات الكهربائية مع سيمنس التي تعد الأكبر في تاريخ الشركة الألمانية، وتوقيع أول عقد تصديري لطائرات الرافال الحربية في تاريخ فرنسا، والتعاقد مع شركة إيني الإيطالية لاستخراج الغاز من حقل ظهر، الذي يعد الأكبر من نوعه في البحر المتوسط. 

واستمرت العلاقات التجارية على طبيعتها مع أوروبا، الشريك التجاري الأول لمصر، حيث تلتزم مصر برفع الحماية تدريجيا عن السيارات الأوروبية المستوردة، بالرغم من أن ذلك يضر بالصناعة الوطنية. 

لكن الوضع السياسي المتأزم في البلاد قاد العديد من المؤسسات الحقوقية والنيابية لانتقاد التضييق على الحريات والانتهاكات الجارية، فمنظمة العفو الدولية كانت من أبرز الناقدين لمصر في الفترة الماضية علاوة على البرلمان الأوروبي .

 وجاءت حادثة مقتل الطالب الايطالي جوليو ريجيني الذي عثر على جثته في فبراير الماضي لتسلط الضوء على مطالبات الحقوقيين في أوروبا بالضغط الاقتصادي على مصر، حيث أرسلت منظمة العفو مطالبات لرئيس شركة إيني للسعي من أجل كشف هوية قاتل ريجني الذي يشتبه أن يكون من الشرطة المصرية. 

وفي هذا السياق سألنا نخبة من الخبراء حول مستقبل العلاقات السياسية والاقتصادية مع الشريك الأوروبي، وأي منهما أقدر على التأثير في الأخرى خلال الفترة المقبلة.

ستيفان رول: موقف أوروبا الحقوقي لن ينعكس على تعاونها الاقتصادي مع مصر

ستيفان رول - المصدر مركز كونراد أديناور البحثي 

هناك استراتيجية غربية مزدوجة المعايير إزاء التعامل مع مصر، فمن ناحية ينتقد السياسيون الغربيون مصر في كيانات دولية مثل مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أو البرلمان الأوروبي، ومن جهة أخرى فإن الدول الغربية منفتحة للتعاون الاقتصادي والبيزنس مع مصر.

والمنطق الرسمي وراء (هذين التوجهين المتناقضين) هو أن مصر أكبر من أن تُترك للسقوط، لذا فلا توجد بدائل غير التعاون الاقتصادي مع مصر.

والمحرك الأكثر أهمية لهذه السياسة هو الخوف الأوروبي من المزيد من اللاجئين...وهناك سبب آخر وهو أن الشركات الغربية تمارس الكثير من الضغط على حكوماتها لدعم العلاقات مع نظام السيسي للحصول على عقود في مصر، مثل إيني من ايطاليا وسيمنس من ألمانيا وداسولت إفياشين من فرنسا وبي جي وبي بي من انجلترا.

ولا أرى أن أي ممارسات قمعية مقبلة في مصر ستغير من حالة عدم الارتباط الحالي بين أوضاع حقوق الانسان وتعاون أوروبا الاقتصادي مع البلاد، لسوء الحظ.

وفي الوقت الحالي فإن فرنسا وإيطاليا وألمانيا وانجلترا هم الأكثر استفادة من الصفقات التي يجريها السيسي. وأعتقد أن قادة أوروبا غير قادرين على سحب الاستثمارات المهمة في مصر كرد فعل على الممارسات ضد حقوق الانسان، وليست لديهم النية لفعل ذلك.

 دكتور ستيفان رول باحث متخصص في شئون الشرق الأوسط بالمعهد الألماني للشئون الدولية والأمنية

ربما تكون إيطاليا حالة خاصة بين الدول االتي تستفيد من التعاون الاقتصادي وتواجه ضغوطا داخلية (من جراء انتهاكات حقوق الانسان في مصر)، فهذه الانتقادات أصبحت أكثر عاطفية بسبب قضية جوليو ريجيني، ولكن أعتقد أنه حتى في حالة إيطاليا سنرى تطبيعا للعلاقات مع مصر ليس فقط بسبب مصالح إيني ولكن بسبب تزايد أعداد اللاجئين من المصريين.

أعتقد أن إدارة السيسي ذكية جدا في اللعب بهذه الورقة لزيادة الضغط على إيطاليا.

مارتن إيجان: مقتل ريجيني يأخذ الأمور في أوروبا لغير صالح السيسي

أعتقد أن السبب الرئيسي للطريقة المتحفظة ( التي تتعامل بها أوروبا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر) هو أن بقية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هشة للغاية في الوقت الحالي، لذا تضع أوروبا استقرار مصر ضمن أولوياتها، خاصة في ظل أزمة اللاجئين والتي تسببت في صمت مشابه على تدهور حقوق الإنسان في تركيا.

ولكن هناك بالقطع نقطة قد تنهار فيها قدرة الاتحاد الأوروبي (على التعامل بهذه الطريقة المتحفظة) وذلك عندما تستطيع أن تغلب الانتقادات المحلية على المصالح الاقتصادية .. وفي حالة قضية ريجيني رأينا السلطات المصرية حريصة على إظهار اشتراكها (في التحقيقات في مقتله)، حتى وإن بدا ذلك في بعض الأوقات هزليا تماما، (لكنها اهتمت بإظهار اشتراكها في التحقيقات) لأنها تعرف أن رفض التعاون سيقضي على فرص تسامح الرأي العام في أوروبا مع ما حدث.

 دكتور مارتن إيجان حاصل على الدكتوراة من قسم العلوم الاجتماعية والسياسية بجامعة المعهد الأوروبي الإيطالية، ومتخصص في منطقة الشرق الأوسط.

وبالرغم من أن أوروبا عادة ما تُنتقد كلاعب ضعيف، إذ أنها أبطأ من الولايات المتحدة في الاستجابة (لتجاوزات الحكومات)، ولكن على نظام السيسي أن يضع في الاعتبار رد الفعل الأوروبي لتورط روسيا في (الصراع الداخلي الدائر في) أوكرانيا.

ولكن الاختلاف في حالة مصر هو أن روسيا تمثل تهديدا أمنيا واستراتيجيا للاتحاد الأوروبي بشكل أكثر وضوحا من مصر، ولا أظن أن أي قائد أوروبي عمل حتى الآن على السيطرة على الوضع الحالي في مصر، أو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما يتوافق مع المصالح الأوروبية، إلا أنني أعتقد أن مقتل ريجيني بدأ يأخذ الأمور في مسار ليس في صالح السيسي.

فعندما يتجاوز القمع مستوى معينا يكون من الصعب على دولة عضو في الاتحاد الأوروبي الاستمرار في الارتباط (بالدول المنتهكة لحقوق الإنسان) حتى لو كلفت الخسارة (أوروبا) فرص عمل في (بلد مثل) الصين. في النهاية حكومات الاتحاد الأوروبي عليها الاستجابة لناخبيها.

صحيح أنه نادرا ما تساهم حقوق الإنسان في توجيه الانتخابات في اتجاه معين، ولكن تجاهل الحكومات لها يستنزف سلطتها الأخلاقية، وبدون هذه السلطة الأخلاقية من الصعب الفوز في الانتخابات.

 كيفين كوهلر: تأمين الاتفاقيات المربحة أهم عند أوروبا من حقوق الإنسان

 

كيفين كوهلر

أعتقد أن المخاوف بشأن حقوق الإنسان ليست قضية مركزية في أجندة العلاقات الخارجية لمعظم الدول الأوروبية، هذا حقيقي على وجه الخصوص بالنسبة إلى الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا على سبيل المثال. فتأمين الاتفاقيات المربحة لشركاتها والتواصل مع السوق المصري أمر أكثر أهمية بالنسبة لها.

أحد المؤشرات الواضحة على ذلك الزيارة الأخيرة لرئيس فرنسا ونائب المستشارة الألمانية إلى القاهرة.

وقد جاءت زيارة نائب المستشارة الألمانية في سياق لقاء مصري ألماني لأصحاب المصالح الاقتصادية، وصرح النائب بأنه مبهور بالسيسي بلغة واضحة .. أعتقد أن نشطاء حقوق الانسان لديهم تأثير محدود (على هذه العلاقات الاقتصادية).

دكتور كيفين كوهلر أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

تأثيرات نشطاء حقوق الإنسان تكون أكبر في البرلمانات الأوروبية، وعموما يكون من غير مرجح أن (تشكل انتقاداتهم للأوضاع في مصر) السياسة الخارجية للدول الأوروبية.

ولكن قضية مقتل جوليو ريجيني بدأت تغير المشهد في أوروبا (إزاء مصر). فهناك حملة مستدامة من نشطاء حقوق الإنسان في إيطاليا تجعل الحكومة الإيطالية لديها إختيارات محدودة غير استمرار الضغوط على مصر.

 كما أن هناك مخاوف في بعض دوائر السياسة الأوروبية بشأن ما إذا كانت القيادة الحالية في مصر تستطيع تحقيق الاستقرار الذي تعد به.

هذه المخاوف لم تشكل سياسة حتى الآن. ولكن إذا تدهور الوضع أكثر ربما تفعل ذلك.

ولكن لا أعتقد أنه من المرجح بقوة أن تقطع الحكومات الأوروبية علاقات التعاون مع مصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان فيها. فوضع اللاجئين أقنع العديد من صناع السياسة أن الاستقرار هو الهاجس الأساسي.

والسيسي يستخدم هذا الخطاب بشكل واع عندما يحذر من تدفق أكبر للاجئين في أوروبا اذا أصبحت مصر غير مستقرة. الدول الأوروبية ستغير موقفها فقط إذا أصبح واضحا أن السيسي لا يحقق الاستقرار الذي تطمح إليه حكومات أوروبا.

أعتقد أن الحكومات الأوروبية ستأخذ قضية ريجيني والاستقرار العام في مصر كمؤشر تحذيري، وستأخذ هذه القضايا في اعتبارها عندما تعطى نصائح للمستثمرين بشأن البلد.

 سامر عطا الله: النظام المصري أصبح عبئا على أوروبا

 (أستاذ بقسم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية بالقاهرة)

أغلب الصفقات المهمة التي وقعها نظام السيسي مع أوروبا تم التفاوض عليها قبل تصاعد حدة الانتقادات من المنظمات الحقوقية فى الغرب.

فى تقديري أن صانع السياسة غض النظر عن هذه الانتقادات الحقوقية لما تمثله تلك الصفقات من أهمية اقتصادية وسياسية، خاصة وأن العلاقة بالنظام المصري مدعومة بخطاب داخلى يقوم على فكرة أن مصر "تحارب الارهاب".

لكن السؤال الأهم هو ماذا سيكون رد فعل الدول الأوروبية بعد أن تصاعدات وتيرة الانتقادات الحقوقية بشكل أكبر في الآونة الأخيرة، وخرجت هذه الانتقادات من نطاق المنظمات الحقوقية واتسعت لتشمل ضغوطا شعبية كما فى حالة إيطاليا؟ 

فى تقديري النظام السياسي في مصر أصبح عبئا متزايدا على الغرب. حتى إذا طغت حسابات المصالح الاقتصادية فتكلفة التعاون مع النظام المصري متزايدة.

ولكن يظل الموقف الأوروبى تجاه مصر حتى وقتنا الحاضر هو التعامل مع النظام الحالى كضرورة لغياب البدائل، فى ظل ما يحدث فى المنطقة. 

وبصفة عامة أعتقد أن أكثر البلدان الأوروبية المستفيدة اقتصاديا من النظام في مصر حتى الآن هي فرنسا وألمانيا.

 ولكن فى تقديري هذين البلدين منشغلين بالعديد من القضايا الداخلية وليس فقط الشأن المصري، فالبطالة ومواجهة الإرهاب تحتلان اهتمام الرأى العام الفرنسي. كما أن مشاكل الهجرة والحرب فى سوريا أخذت حيزا كبيرا من نقاشات الرأى العام فى المانيا.

 

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys