شغلت المرأة حيزا في خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي ولقاءاته منذ لحظة إعلان فوزه، إلا أنها وبعد عامين من توليه الرئاسة لا تزال تعاني من ضعف التمكين السياسي والعنف والتمييز ضدها وفقا للإحصائيات الرسمية والدولية.
وشكلت النساء 54% من مجموع الأصوات التي حصل عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفق بيان سابق للمجلس القومي للمرأة.
وكان مشهد الطوابير النسائية ورقص الفتيات والسيدات أمام اللجان من أبرز مشاهد انتخابات الرئاسة التي أعلنت نتائجها يوم 3 يونيو 2014، وحصل فيها الرئيس الحالي على 96.91 في المئة من الأصوات الصحيحة في الانتخابات.
وبالمثل عبر الرئيس في أكثر من موضع عن احتفائه وتقديره لنساء مصر فوصفهن في خطابات مختلفة بأنهن "عظيمات مصر" وقال إن المرأة المصرية "أيقونة العمل الوطني" و"رمز التضحية من أجل الوطن"، وأكد أن "الدولة المصرية الجديدة تولي المرأة اهتماماً خاصاً".
ومن أوائل اللقاءات التي قام بها عقب إعلان فوزه زيارة السيدة التي تعرضت للتحرش في ميدان التحرير خلال الاحتفالات بفوزه، وقدم لها خلال زيارتها بالمستشفى -يوم 11 يونيو 2014- باقة ورد واعتذارا قائلا "جاي أقولك ولكل ست مصرية أنا آسف، بعتذرلكم كلكم، سامحوني".
وأضاف "وبقول للقضاء عرضنا ينتهك في الشوارع وده لا يجوز، حتى لو كان حالة واحدة، وبقول للإعلام فيه مسؤولية علينا وإتكلمنا قبل كده علشان فيه مسؤولية على الجميع، الإعلام والشرطة والقضاء وكل راجل عنده نخوة وشهامة عيب عليك، تسيب الحالة دي تحصل".
كما حرص خلال العامين على لقاء عضوات المجلس القومي للمرأة والتأكيد على تقديره لإسهامات المرأة المصرية في المحافل الوطنية والإقليمية والدولية، واستقبل أمهات الشهداء وكرم الأمهات المثاليات ومنحهن مكافآت مالية ورحلات حج.
*مكتسبات
ومن المكتسبات الملموسة التي حصلت عليها المرأة في عهد السيسي وصولها لمنصة القضاء، حيث عين القضاء المصري لأول مرة في فبراير 2015 سيدات كـ"قضاة منصة"، بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى على تعيين دفعة جديدة من عضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة بمنصة القضاء بمحاكم الجنايات والجنح والنقض.
وقال المستشار حسام عبد الرحيم، رئيس مجلس القضاء الأعلى، إن اختيار القاضيات "سيكون من الجهات القضائية المختلفة، وسيخضعن لاختبارات شفهية وتحريرية"، موضحا أن "القرار لم يشمل النيابة العامة".
*البرلمان
كما حصلت النساء على أعلى نسبة تمثيل في تاريخ البرلمان وحصلن على 14.59% من مقاعده بموجب الكوتة التي منحت لهن في قانون الانتخابات بالإضافة إلى تعيين الرئيس 14 سيدة ضمن نسبة 5% يعينها الرئيس.
*الدستور
وحظي دستور عام 2014 بإشادة عدد من المنظمات النسائية قلن إنه تضمن مكتسبات للمرأة على رأسها المادة "11" التي ضمنت المساواة بين الجنسين.
وتنص المادة على أن "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور... كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها".
كما نص الدستور على تخصيص ربع مقاعد المجالس المحلية للنساء في المادة 180، وعلى تجريم التمييز بكافة أشكاله بما في ذلك التمييز على أساس النوع وإنشاء مفوضية لمناهضة التمييز في المادة 53 .
*الخسائر
في حين لم يتوقف مسلسل العنف ضد النساء والفتيات في مصر، وتعرضن للإيذاء النفسي والبدني داخل الأسرة وفي الشارع وداخل المؤسسات التعليمية وأماكن العمل، بحسب تقارير للمجلس القومي للمرأة، ونتائج المسح الاقتصادي للعنف القائم على النوع الاجتماعي لعام 2015.
وأظهر المسح الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تعرض حوالي 46% من النساء السابق لهن الزواج لأي من أشكال العنف من قبل الزوج.
كما أظهرت نتائج المسح تعرض حوالي 18% من النساء لعنف بدني أو جنسي منذ بلوغهن سن 18 سنة من قبل أفراد العائلة أو البيئة المحيطة.
*سيدة المنيا
ومن أحدث وقائع الانتهاكات التي تعرضت لها النساء خلال العامين الماضيين واقعة سيدة المنيا.
ففي يوم الجمعة 20 مايو الماضي بقرية الكرم بأبو قرقاص محافظة المنيا، تم تجريد وتعذيب وسحل سيدة مسيحية مسنة، تعدى عمرها السبعين عاما، في شوارع أبو قرقاص وحرق 7 منازل.
وأطلق عدد من مستخدمي فيس بوك وتويتر هاشتاج "#مصر_اتعرت" احتجاجا على الواقعة.
وعلق الرئيس عبد الفتاح السيسي على الواقعة -في 30 مايو- قائلا إن من أخطأوا سيحاسبون مهما كان عددهم.
وأضاف، في خطاب له خلال افتتاح مشروع إسكان "أرجو إنكم تبقوا متأكدين إننا في مصر لا نقبل أبدا أن ينكشف سترنا بأي شكل من الأشكال ولأي سبب من الأسباب".
*التحرش
من وقائع التحرش التي أثارت ضجة خلال 2015، قضية "س.ع" التي عرفت إعلاميا بـ"فتاة المول"، بعد ظهورها في برنامج "صبايا الخير" وعرض قصة التعدي عليها في أحد المولات بمصر الجديدة في أكتوبر الماضي.
وأصدرت محكمة جنح مصر الجديدة حكما على المتحرش بالحبس 30 يوما وغرامة 200 جنيه.
وأشار المسح الاقتصادي للعنف القائم على النوع الاجتماعي لعام 2015 إلى تعرض 13% من النساء خلال العام السابق للمسح لأي شكل من أشكال العنف أو التحرش في الأماكن العامة: سواء في مكان العمل أو المؤسسات التعليمية أو في المواصلات العامة أو في الشارع.
وأظهر أيضا تعرض حوالى 10% من النساء للتحرش في الشارع، والأسواق، والميادين خلال العام السابق للمسح.
وأشارت النتائج إلى تعرض نحو 7% من النساء للتحرش في المواصلات العامة خلال السنة السابقة على المسح، وحدثت غالبية حالات التحرش في الميكروباص (60%)، ومن شخص غريب ( 96%).
وتبلغ التكلفة الاقتصادية للعنف الذي تتعرض له المرأة المصرية سواء في المنزل أو الأماكن العامة نحو 2.6 مليار جنيه سنويا.
*تمثيل المرأة في الحكومة
جاء تمثيل المرأة في الحكومة في عهد رئيس الوزراء شريف إسماعيل بما لا تشتهي المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، حيث انخفض عدد الوزيرات في الحكومة الأولى له من خمس إلى ثلاث فقط.
واحتفظت غادة والي بمنصبها كوزيرة للتضامن الاجتماعي، في حين انضمت للحكومة سحر نصر وزيرة للتعاون الدولي، وحملت نبيلة عبد الشهيد حقيبة الهجرة والمصريين في الخارج وهي وزارة جديدة.
وزاد عددهن إلى 4 وزيرات من إجمالي 35 وزارة، بما يمثل نسبة 11.4%. في التعديل الوزاري -الذي أعلن عنه 23 مارس الماضي- حيث تم تعيين امرأة واحدة من بين 10 وزراء جدد، وهي داليا خورشيد وزيرة الاستثمار.
واستنكرت منظمات حقوقية قلة تمثيل النساء فأصدر وقتها المركز المصري لحقوق المرأة، بيانا وصف فيه نسبة تمثيل النساء في التشكيل الحكومي الجديد، بأنها "ضعيفة" وتؤكد على "الإصرار على تعامي الحكومات عن الخبرات النسائية المتوفرة".
في حين مازال منصب المحافظ قاصرا على الرجال حتى الآن فخلت حركة تغيير المحافظين التي جرت بعد إقرار الدستور من النساء.
*فجوة في الأجور
ولا يقتصر سوء تمثيل المرأة في الوظائف العامة على المناصب الوزارية فقط، فطبقا لتقرير نشرته مؤسسة المرأة الجديدة في نوفمبر 2015، تبلغ نسبة الرجال في المناصب القيادية بالجهاز البيروقراطي للدولة ضعف نسبة النساء، كما أن هناك فجوة نوعية في الأجور لصالح الرجال بنسبة (13.8 %).
*استبعاد النساء من مجلس الدولة
وفي عهد السيسي لم يختلف وضع النساء كثيرا فيما يتعلق بمجلس الدولة، حيث لا تزال النساء مستبعدات من شغل المناصب بالمجلس، لرفضه تسليم الخريجات ملف شغل وظيفة مندوب مساعد بالمجلس.
ورغم تقدم عدد من الفتيات المستبعدات بدعوى قضائية للمطالبة بحقهن في التعيين عين مجلس الدولة دفعة 2013 في 18 سبتمبر 2015، واقتصر على الذكور فقط بموجب قرار التعيين الجمهوري رقم 356 لسنة 2015.
وتأتي مصر ضمن أسوأ 10 دول في مجال المساواة بين الجنسين طبقاً لتقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن عام 2015.
*تحسن وتراجع
وقالت نيفين عبيد، مدير برنامج المشاركة السياسية بمؤسسة المرأة الجديدة، إن أوضاع المرأة في ظل حكم السيسي شهدت تحسنا على بعض المستويات وتراجعا في مستويات أخرى.
وأشارت إلى أن تحسن أوضاع النساء مرهون بانفتاح المجال العام قائلة "الوضع الحالي مكبل لحركة المجتمع المدني والنقابات وكل الجهات الهادفة للتغيير أو المشاركة الحقيقية".
وأضافت "من الأمور التي تحسب للنظام إصداره لاستراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد النساء قبل ما يزيد عن عام لكن الإشكالية في غياب آليات للمتابعة والتقييم".
وتابعت "بنشوف اهتمام من الرئيس أن النساء تتقلد مناصب جديدة لكن مفيش سياسات عامة في الدولة لتصعيد المرأة ومازال الأمر مقتصر على كونه منحة من الرئاسة".
وقالت "غياب السياسات العامة لتحسين أوضاع النساء يجعل أي خطوات حثيثة تتخذ في هذا الإطار غير ملحوظة وغير فاعلة".
*هجوم على المنظمات النسائية
واعتبر أحمد أبو المجد مدير مؤسسة حقنا لحقوق الإنسان، أن وضع المرأة لم يتحسن كثيرا في عهد السيسي في ظل ما وصفه بموجة الهجوم على المنظمات الحقوقية المهتمة بالمرأة مثل التحقيق مع مؤسسة نظرة للدراسات النسوية في قضية "تمويل منظمات المجتمع المدني".
وعلقت المؤسسة على خضوعها للتحقيق في مارس الماضي خلال بيان لها قالت فيه إن "هذا التحقيق في إطار خطوات تصعيدية بدأتها الدولة تدريجيا منذ وقت طويل وأخذت خطوات متسارعة في الآونة الأخيرة لغلق المجال العام بالتضييق على منظمات المجتمع المدني".
وأشار أبو المجد إلى عدد من الإيجابيات التي تمت مثل تعيين رئيسة للمجلس القومي للمرأة من المجتمع المدني وهي مايا مرسى، وحصول المرأة على أعلى نسبة تمثيل في تاريخ البرلمان قائلا "رغم أن العدد جيد لكنه ليس كافيا".
وأشار إلى تأخر إنشاء مفوضية مناهضة التمييز التي نص عليها الدستور في المادة 53، قائلا: "رغم مرور عامين على الدستور لم يتم الشروع في إنشائها حتى هذه اللحظة".
ونصت المادة 53 من الدستور على أن "المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".
*2017 عام المرأة
وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن عام 2017 سيكون عام المرأة بعد مطالبة المجلس القومي للمرأة بذلك.
وقال أبو المجد، تعليقا على ذلك، "نأمل أن تتحسن أوضاع المرأة في 2017 وتتعمل مفوضية لمكافحة التمييز ونشهد تعيين المرأة في منصب محافظ وقانون محليات في صف المرأة وقانون عمل يحمي حقوق المرأة ويشمل من هن خارج مظلته حاليا كعاملات المنازل والزارعة".
وأضاف "السنة اللي فاتت اتقال إنه عام الشباب ومحصلش أي تحسن".
وأشار إلى ضرورة التصدي لحوادث العنف التي تكون ضحيتها النساء عبر القضاء على أسباب العنف ضد النساء والقضاء على التحرش من خلال عقوبات رادعة.
كما أشار إلى ضرورة الاهتمام بفكرة مقاومة العنف في المدارس والمناهج التعليمية ومواد الدراما والإعلام قائلا، "نتمنىى منشفش مسلسلات فيها عنف ضد المرأة وتصويرها بأنها مجرد سلعة".
فيما قالت نفين عبيد "بغض النظر أن الوضع العام لا يثير قدرا كبيرا من التفاؤل لكن الإعلان شيء إيجابي والأهم تحديد الأهداف التي نحتاج إلى تحقيقها خلال العام حتى يحدث 2017 طفرة في أوضاع النساء".
وأضافت "عاوزين ننتقل من مرحلة التصريحات للتنفيذ والمتابعة والتقييم".
تعليقات الفيسبوك