"أم الثوار"، نصيرة الفلاحين"، "نوار البساتين"، "الفلاحة الثائرة" .. ألقاب رافقت المناضلة الراحلة شاهندة مقلد عبر مسيرة حياتها التي قضتها في الدفاع عن حقوق الفلاحين والكادحين، والمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
وتوفيت، مساء أمس الخميس شاهندة "أم الصوت الحزين" وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، عن عمر ناهز 78 عاما، بعد صراع مع المرض.
ويوارى جسد شاهندة الثرى اليوم الجمعة في مسقط رأسها بقرية كمشيش في محافظة المنوفية، وهي القرية التي ارتبط اسمها بكفاحها وكفاح زوجها الراحل صلاح حسين دفاعا عن حقوق الفلاحين. ويقام العزاء بمسجد عمر مكرم غدا السبت.
*النضال ضد الإقطاع
وولدت شاهندة مقلد عام 1938 لأب ضابط شرطة صاحب حس وطني عال، تعلمت منه الدفاع عن أبناء وطنها وقريتها من الفلاحين.
وتجلت روح الثورة في شاهندة منذ ريعان شبابها حين اختارت الطريق الأصعب، فبعد أن جاء ارتباطها الأول بالإجبار وانتهى بالطلاق، صممت أن تتزوج في المرة الثانية بمن تحب. وخاضت معركة مع أسرتها فأضربت عن الطعام وهربت مرتين من المنزل حتى تزوجت ابن عمتها وشريكها في الثورة ضد الإقطاع "صلاح حسين".
وتشاركا في النضال على مدى 9 سنوات بعد الزواج إلى أن قتل زوجها على يد إحدى عائلات الإقطاعيين عام 1966. وظلت شاهندة ترتدي الأسود نحو 15 عاما بعد وفاته.
*لم أنكسر
ولم تخلع الأسود إلا بعد رحيل الرئيس الأسبق أنور السادات عن الحكم، والذي سجنت في عهده مرتين الأولى في السبعينات بتهمة الانتماء لتنظيم سري، والثانية في اعتقالات سبتمبر 1981 التي طالت عددا كبيرا من المثقفين المعارضين للسلطة.
وكتب لها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم قصيدة "النيل" وقتها:"يا شاهندة وخبرينا، يا أم الصوت الحزين، يا أم العيون جناين، يرمح فيها الهجين، إيش لون سجن القناطر، إيش لون السجانين، إيش لون الصحبة معاكي، نوار البساتين".
ووثق فيلم "أربع نساء من مصر" تجربة شاهندة مقلد ورفيقاتها وداد متري وصافي ناز كاظم وأمينة رشيد واللاتي اختلفن في وجهات النظر الدينية والاجتماعية والسياسية واتفقن على حب الوطن والنضال من أجله.
وهو فيلم وثائقي كندي مصري أنتج عام 1997 للمخرجة تهاني راشد وحصل على عدة جوائز في مهرجانات سينمائية وثائقية.
كما سردت بنفسها محطات من مسيرتها خلال كتاب "من أوراق شاهندة مقلد" الذي أصدرته عام 2006.
وبعد ثورة يناير 2011، صدر كتاب بالألمانية عن السيرة الذاتية لشاهندة مقلد تحت عنوان "لم أنكسر" للكاتب جيرهارد هازه-هاندنبيرج. ومزج الكاتب في سرده بين الماضي وأحداث الثورة التي أطاحت بنظام مبارك والحديث عن الوضع الراهن.
*ثائرة على كل الأنظمة
واستمرت شاهندة في النضال والتظاهر ضد نظام مبارك والإخوان، وشاركت في العديد من الحركات النسائية التي تشكلت في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بعد أن "كسرت المرأة المصرية حاجز الخوف وأصبحت مشاركتها السياسية غير مسبوقة".
وقالت شاهندة مقلد في أحد الحوارات الصحفية إن "الحركة النسائية بعد الثورة لم تعد مقتصرة على أبناء الطبقة المتوسطة والعليا والمتعلمة واستقطبت كل المصريات من ربات البيوت والجدات والفلاحات والنساء فى المناطق الشعبية".
واستمرت تناضل من أجل الحريات حتى آخر حياتها من خلال منصبها كعضو في المجلس القومي لحقوق الإنسان حتى تدهورت حالتها الصحية خلال الفترة الماضية، وأصدر أحمد عماد الدين راضى، وزير الصحة والسكان، قرارا بعلاجها على نفقة الدولة في مارس الماضي.
*قامة نسائية
ونعت منظمات نسائية وحقوقية المناضلة الراحلة فقالت منظمة المرأة العربية في بيان لها مساء الخميس إن "مصر والوطن العربي فقدا قامة نسائية كبيرة ونموذجاً للمرأة العربية المناضلة والمكافحة".
وقالت السفيرة ميرفت التلاوي، مديرة منظمة المرأة العربية، إن "وفاة المناضلة شاهندة مقلد تعد خسارة كبيرة وفادحة للمجتمع المصري والعربي كونها كانت تحلم دائما بوطن يسود فيه العدل وتطبق فيه العدالة اﻻجتماعية، وظلت تناضل من أجل ذلك طيلة حياتها."
وقالت د.مايا مرسى رئيسة المجلس القومي للمرأة في بيان "الفقيدة كرست حياتها لخدمة الوطن والشعب، وقفت بجانب الفلاحين ودافعت عن حقوقهم، وكانت تحلم دائما بوطن حر، وظلت تناضل في سبيل تحقيق ذلك إلى اللحظة الأخيرة في حياتها".
*نصيرة الكادحين
وقال عبد الغفار شكر، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، لأصوات مصرية، إن شاهندة مقلد صاحبة تاريخ نضالي طويل في الدفاع عن حقوق الكادحين والمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
وأضاف:" شاهندة كانت جزءا لا يتجزأ من الحركة الوطنية والاجتماعية منذ عهد السادات مرورا بنظام مبارك والإخوان وحتى الآن".
وأشار إلى انخراطها في النضال ضد الإقطاع منذ شبابها مع ابن عمتها صلاح حسين الذي كان يقود عملية الثورة ضد الإقطاع وهو ما جعلها أحبته وتزوجته.
وقال "بعد أن قتل صلاح حسين على يد الإقطاعيين كرست حياتها للدفاع عن الفلاحين والكادحين عموما واستقلال مصر واستطاعت أن تملأ الفراغ الذي خلفه زوجها".
وأضاف " نضالها مع الفلاحين كان سبب نفيها وإبعادها عن كمشيش في عهد السادات خلال فترة السبعينات وسجنها بتهمة الانضمام لتنظيمات سرية".
وأشار إلى عودتها إلى قريتها بعد رحيل السادات واستمرارها في النضال المشرف في قضايا مصر الوطنية حتى أخر لحظة في حياتها.
وأشار إلى أنها تختلف عن غيرها من الرائدات النساء قائلا:"لم تركز فقط على حقوق المرأة وإنما ناضلت من أجل كافة الكادحين والمستضعفين ومن أجل استقلال ورفعة الوطن".
تعليقات الفيسبوك