حشود غاضبة ومطالب متعددة من السلطة خرجت من نقابة الصحفيين ردا على اقتحام قوات أمن لمبنى النقابة لكن سرعان ما تراجعت حدة الموقف وسقف المطالب في مواجهة بدا فيها مؤيدو النقابة كأنهم لا يجيدون استخدام أدوات الاعلام.
يومان فقط احتشد فيهما جموع الصحفيين على موقف رافض لما حدث يوم أول مايو قبل أن ينعقد اجتماع الجمعية العمومية، ظهر يوم 4 مايو، ويخرج بقرارات تصعيدية ضد وزير الداخلية لكن سرعان من انشقت وحدة صف الصحفيين.
ورغم أن وزير الداخلية بات طرفا أصيلا في الصراع، إلا أن وزارة الداخلية فضلت عدم الرد باستثناء بيان واحد وصفته بـ"التوضيحي"، في حين كثرت تصريحات المدافعين عن موقف الشرطة باعتباره إجراء قانونيا واجب النفاذ، وهو ما اعتبره البعض تطبيقا لما نشرته صحف محلية وقالت انها مذكرة سربت من الوزارة عن كيفية التعامل مع الأزمة.
ولعب إعلاميون وصحفيون دورا بارزا في إخماد ثورة الغضب داخل أروقة النقابة، بعد أن تبدلت مواقف بعضهم عقب اجتماع الجمعية العمومية وتراجع تأييدهم لقرارته بعد أيام من إعلان الالتزام بها.
تصعيد جماعي
لم تكن المطالبة باعتذار رئاسة الجمورية قرارا لمجلس النقابة بل كانت استجابة لحشود الصحفيين الذين اجتمعوا يوم 4 مايو على هتاف "الرئاسة..الرئاسة" بعد أن كان الاتجاه على المنصة هو المطالبة باعتذار الحكومة.
وانقسم الصحفيون إلى معسكرين واضحين بعد خروج اجتماع "عمومية الصحفيين" بقرارات تصعيدية ضد وزير الداخلية وحظر النشر في قضية الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا.
وبخلاف اعتذار رئاسة الجمهورية وإقالة وزير الداخلية كانت نقابة الصحفيين قررت خلال اجتماع عموميتها دعوة جميع الصحف لنشر شعار موحد "لا لحظر النشر.. لا لتقييد الصحافة"، وتسويد أجزاء من صفحاتها الأولى يوم الأحد 8 مايو، ونشر صورة سالبة "نيجاتيف" لوزير الداخلية في الصحف.
ورغم خروج بعض الصحف القومية عن الإجماع الصحفي وعدم الالتزام بالقرارات، لكن الصفعة القوية جاءت من جريدة الأهرام التي نشرت عنوانا في صفحته الأولى غداة اجتماع نقابة الصحفيين يقول "فشل عقد جمعية عمومية للصحفيين وتحويلها إلى اجتماع".
معسكر المعارضة
لم يمر سوى 3 أيام على اجتماع العمومية تبارى فيها إعلاميون من خلال برامجهم التلفزيونية في الهجوم على مطالب الصحفيين والدفاع عن وزارة الداخلية، حتى عقدت جريدة الأهرام مؤتمرا مناهضا باسم "جبهة تصحيح المسار" تم تغيير اسمه إلى "الأسرة الصحفية".
وشارك 5 من أعضاء مجلس النقابة في مؤتمر الأهرام، في مفارقة أثارت غضب الكثيرين لسببين أولهما اعتلاء هؤلاء الأعضاء لمنصة اجتماع العمومية وإطلاق نفس شعاراته، والثاني بسبب أن المؤتمر طالب بسحب الثقة من النقيب والمجلس بسبب تصعيدهم للأزمة.
كما تراجع عدد من رؤساء التحرير عن التزامهم بقرارات الاجتماع رغم إعلانهم عن تأييده على صفحات جرائدهم، ولم تلتزم معظم الصحف القومية والخاصة بتسويد أجزاء من صفحاتها الأولى، في حين تراجعت الصحف الخاصة عن مواصلة نشر شعار "لا لحظر النشر.. ولا لتقييد الصحافة".
ورغم احتفاء عدد من رؤساء التحرير بقرارات اجتماع "عمومية الصحفيين" من خلال العناوين الرئيسية لجرائدهم، إلا أنهم سرعان ما تراجعوا عنها وانضموا لمعسكر المعارضة.
وكان من أبرز رموز معسكر المعارضة من الجماعة الصحفية منذ اشتعال فتيل الأزمة، الإعلامي أحمد موسى الذي تبنى موقف الدفاع عن وزارة الداخلية والهجوم على نقابة الصحفيين، كما تبارى النائب والإعلامي مصطفى بكري في الهجوم على النقابة أيضا، معلنا عدم التزامه بقراراتها في جريدة الأسبوع التي يرأس تحريرها.
وتراجع أيضا خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع بعدما كان أيد مطالب اجتماع الجمعية العمومية وخرجت الجريدة يوم الخميس 5 مايو بعنوان رئيسي "لا انهزام ولا انكسار.. حرية حرية". وسرعان ما تحول صلاح عن موقفه ونشر مقالا في الجريدة يوم السبت 7 مايو بعنوان "10 لاءات ضد عمومية الصحفيين"، كما حضر مؤتمر جريدة الأهرام المناهض لقرارات النقابة.
ونشر رجل الأعمال صلاح دياب مقالا بعنوان "رسالة من مؤسس المصري اليوم" اليوم الخميس، أدان فيه موقف جريدته من أزمة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية، مؤكدا أن "المصري اليوم" خلطت الأدوار والأوراق وتبنت مواقف وتصرفات الأحزاب السياسية وليست الصحف المهنية المستقلة.
تهدئة اضطرارية
وتحت وطأة عاصفة الهجوم على نقابة الصحفيين خلال أزمتها مع وزير الداخلية، تراجع النقيب يحيى قلاش عن المطالبة اعتذار رئاسة الجمهورية، وأصدرت النقابة بيانا يوم السبت 7 مايو، أكدت فيه على احترام جميع مؤسسات الدولة ورئيس الجمهورية، وأعلنت فيه تاجيل المؤتمر العام اسبوعا إلى يوم الثلاثاء 17 مايو الجاري.
كما جاء حادث مقتل ضابط و7 أمناء شرطة بحلوان، فجر يوم الأحد 8 مايو، ليعزز التعاطف مع وزارة الداخلية ويغذي الهجوم على نقابة الصحفيين التي لم تعلن التراجع عن طلب إقالة وزير الداخلية.
وفي محاولة لاحتواء الأزمة التي بدأت طريقها نحو التهدئة الاضطرارية، كلف مجلس النواب لجنة الإعلام والثقافة بتولي ملف أزمة نقابة الصحفيين، لتقريب وجهات النظر بين نقيب الصحفيين ووزير الداخلية. لكن عددا من نواب المجلس انتقدوا ايضا موقف النقابة.
لكن المساعي البرلمانية لا تزال تمارس رياضة "الجري في المكان" دون تحرك ملموس على الأرض، في الوقت الذي يشكك فيه البعض في إمكانية نجاح اللجنة في احتواء الأزمة في ظل الانتقادات التي يكيلها نواب البرلمان للصحفيين، والتي لخصتها نائبة المحلة نعمت قمر في عبارتها الشهيرة "الصحفيين لازم يندبحوا".
ورغم عدم حسم الأزمة بين نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية بـ"الضربة القاضية"، لكن تحرك الاعلام ضد الاعلام لعب دورا مهما في الضغط على النقابة ومؤيديها وتعزيز صورة الداخلية في عيون الرأي العام.
تعليقات الفيسبوك