اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها وضع نقيب الصحفيين يحيى قلاش في مواجهة مباشرة مع وزير الداخلية مجدي عبد الغفار ليس من المؤكد أن ينجو منها الاثنان معا.
وقال أعضاء في مجلس النقابة إن قوات الأمن اقتحمت مساء الأحد مبنى النقابة التي تحتفل هذا العام بيوبيلها الماسي، وألقت القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بعدما قالت تحريات للشرطة إنهما حرضا على التظاهر.
وهرع قلاش، الذي انتخب نقيبا للصحفيين العام الماضي بعدما شغل عضوية مجلس النقابة لأربع دورات متتالية، إلى المبنى الواقع في وسط القاهرة حيث طالب في تصريحات بثتها قنوات فضائية باقالة وزير الداخلية ردا على اقتحام الأمن للنقابة. ودعا إلى اجتماع طاريء للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين غدا الأربعاء قد يمثل تصعيدا فارقا في مواجهة صريحة بدون قفازات. وجدد قلاش مطالبته باقالة الوزير في مؤتمر صحفي اليوم.
وانتقد قلاش، الذي يعمل كاتبا صحفيا بجريدة الجمهورية، وبدأ العمل النقابي منذ أواخر الثمانينيات، تصرفات قيادات بوزارة الداخلية محذرا من أنها تهدد باشعال الأوضاع في البلاد.
وفي عهد اللواء عبد الغفار الذي تولى وزارة الداخلية العام الماضي تكررت حوادث اعتداء رجال شرطة على مواطنين وأدت في بعض الأحيان إلى وفاة المعتدى عليهم. وردت الوزارة على الهجوم الذي تعرضت له بسبب هذه الاعتداءات بأنها "حوادث فردية". واضطر الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الاعتذار بنفسه للمحامين عن اعتداء ضابط شرطة على محام.
ويوجه منتقدون اللوم إلى قلاش لسماحه بتواجد بدر والسقا في مبنى النقابة رغم ملاحقة الشرطة لهما، وهو ما رد عليه بيان للنقابة بأن الاثنين وصلا المبنى في الليلة السابقة فقط للاقتحام.
واعتبر مؤيدون لقلاش أن الانتقادات يحركها ضيق أجهزة أمنية من تكرار الاحتجاجات لأسباب مختلفة على سلالم نقابة الصحفيين بما يجعلها أشبه بحديقة هايد بارك في لندن.
ويمنع قانون نقابة الصحفيين تفتيش مقار النقابة إلا بمعرفة أحد أعضاء النيابة العامة وبحضور نقيب الصحفيين. ورغم ذلك، سعت وزارة الداخلية إلى تأكيد أنها تحركت في اطار القانون.
ونفت الوزارة، في بيان أمس الاثنين، اقتحام النقابة بأي شكل من الأشكال أواستخدام أي نوع من القوة في ضبط بدر والسقا. وقالت إن الصحفيين سلمّا نفسيهما بمجرد إعلانهما بأمر الضبط والإحضار، وإن جميع الإجراءات تمت في إطار القانون وتنفيذاً لقرارات النيابة العامة في هذا الشأن.
قلاش والداخلية
وهذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها قلاش، في مواجهة وزارة الداخلية أو جنرالاتها، فتاريخه النقابي شهد عددا من المعارك مع الوزارة وغيرها من أجل حرية الصحافة وكرامة الصحفيين.
ففي مايو 2005 وبينما كانت مجموعة من الصحفيين والنشطاء يتظاهرون على سلالم نقابة الصحفيين احتجاجا على نتائج الاستفتاء على تعديل الدستور، قام متظاهرون تابعون للحزب الوطني المنحل، بالاعتداء عليهم والتحرش بصحفية كانت تحاول دخول النقابة.
هذه الحادثة اعتبرها قلاش، الذي كان يشغل وقتها منصب سكرتير عام النقابة، تجاوزاً غير مقبول ونوعاً من أنواع البلطجة التي لم يسبق لها مثيل.
وأعلن قلاش عقب الواقعة أن النقابة ستتقدم ببلاغ إلى الشرطة وشكوى إلى النائب العام.
وبعد عام من هذه الحادثة وفي جمعية عمومية في 2006، طالبت النقابة بإقالة وزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، وحملته مسئولية قيام بلطجية وخارجين على القانون ورجال أمن بالاعتداء على مواطنين ومواطنات عُزَّل بينهم عدد من الصحفيين وصلت إلى حد هتك العرض العلني.
وقال قلاش في مقال بجريدة الشروق في 2011 عن هذه الواقعة "طالب المجلس بمحاسبة المسؤولين الأمنيين والسياسيين الذين خططوا وشاركوا في هذه الجرائم أمام حرم مبنى النقابة".
وأضاف "النقابة ستظل ساحة مفتوحة لكل فئات الشعب وحصنا للحريات، ولن يستطيع أحد أن يمنعها أو يرهبها عن ممارسة هذا الدور".
وفي 6 أبريل 2010 حاصرت قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين، لإجهاض أي تظاهرات قد تحدث أمامها في ذكرى إضراب 6 أبريل، ورفض قلاش وقتها حصار النقابة كما رفض إبراز بطاقة عضوية النقابة لضباط الأمن كشرط لدخوله إليها واعتبر أن حصار النقابة أمر مهين.
وفي الأيام الأولى لثورة 25 يناير 2011، ألقي القبض على قلاش من أمام نقابة الصحفيين بسبب رفضه لحصار النقابة من الأمن -في الوقت الذي كان مئات المتظاهرين على سلالم النقابة يهتفون ضد الرئيس الأسبق، حسني مبارك- إلا أن أجهزة الأمن سرعان ما أطلقت سراحه هو وعضو مجلس النقابة وقتها، محمد عبد القدوس.
وطوال تاريخ قلاش النقابي عرف عنه دفاعه عن حرية الصحافة ورفضه لكل أشكال تقييدها حيث كان واحداً من أبرز الرافضين لقانون الصحافة 93 لسنة 1995 وكذلك قرارات الحبس في قضايا النشر التي صدرت في 2006.
وقال قلاش في مقال سابق "لقد أدرك الصحفيون مبكرا أن معارك الحرية هي معركتهم الأم ومنها تأتى الكرامة والحقوق المشروعة وعلاقات العمل المتكافئة."
ويصف حرية الصحافة بأنها ليست حرية الصحفيين وإنما هي حرية كل مواطن في المعرفة والمشاركة.
ويقول "لم يكن غريبا أننا في كل المعارك التي خاضتها النقابة أو خاضها الصحفيون لم يكونوا وحدهم بل ساندهم الرأي العام".
عبد الغفار والنقابات المهنية
وعمل عبد الغفار مديرا لمصلحة أمن الموانئ في 2008، كما شغل منصب نائب رئيس قطاع الأمن الوطني في مارس 2011، ثم رقي مساعدا لوزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني في ديسمبر2011 حتى بلوغه سن المعاش.
ودخلت وزارة الداخلية في عهد عبد الغفار، الذي استدعي من التقاعد العام الماضي ليتولى الوزارة، في عدة خلافات مع عدد من النقابات المهنية بسبب انتهاكات تعرض لها أعضاء النقابات من قبل ضباط شرطة وأفراد أمن.
وفي شهر يونيو الماضي اعتدى مأمور مركز فارسكور على محام، مما أثار غضب المحامين ودعا نقيبهم، سامح عاشور للدعوة لإضراب جزئي ردا على هذه الواقعة.
ومع تطور غضب المحامين، وتهديدهم بالإضراب العام اعتذر رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي للمحامين، عن اعتداء ضابط شرطة على أحدهم قائلا "أنا باقول للمحامين كلهم حقكم علي وأنا أعتذر لكم وأقول لكل أجهزة الدولة من فضلكم لازم نخلي بالنا من كل حاجة رغم الظروف الصعبة اللي إحنا فيها".
وفي يناير الماضي اعتدى تسعة أمناء شرطة بقسم المطرية على طبيبين من مستشفى المطرية التعليمي، ما دعا نقابة الأطباء إلى الدعوة لجمعية عمومية غير عادية حضرها الآلاف وقررت تقديم الخدمة الطبية في المستشفيات الحكومية بالمجان، وطالبت بمحاسبة أمناء الشرطة المتهمين بالاعتداء على الأطباء.
المنوفية تجمعهما والحريات تفرقهما
يلتقي قلاش وعبد الغفار في محافظة المنوفية التي تعود لها أصولهما، حيث ولد قلاش في مدينة منوف عام 1954، بينما ولد عبد الغفار في مدينة تلا عام 1952.
وتولي كل منهما منصبه الحالي في مارس 2015، حيث انتخب قلاش نقيباً للصحفيين في نفس الشهر الذي عين فيه عبد الغفار وزيراً للداخلية.
وكأنما وضع المنصبان الرجلين على طرفي نقيض من حرية الصحافة. وكانت أول السهام التي صوبها عبد الغفار تجاه الصحفيين بعد توليه المسؤولية هي بلاغات قدمتها وزارته ضد صحف محلية منتقدة أخبارا وموضوعات تتعلق بالوزارة نشرت في تلك الصحف.
واجتمع قلاش مع رؤساء تحرير الصحف القومية والخاصة لاتخاذ موقف بشأن هذا الأمر، وطالب رئيس الجمهورية بإعلان موقف واضح من حرية الصحافة وتطبيق الضمانات الدستورية والقانونية لها.
لكن وزارة الداخلية تنازلت عن هذه البلاغات وقالت في بيان لها إن هذا حرص منها على توطيد روابط الصلة بينها وبين أطياف الشعب ووسائل الإعلام المختلفة.
ومثلما دافع قلاش عن مهنة الصحافة وحريتها، وقف دوما ضد الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون أنفسهم من قبل قوات الأمن.
ففي يوليو 2015 اقتحمت قوات الأمن شقة رئيس قسم الشؤون الدبلوماسية والخارجية بموقع البوابة نيوز، أحمد فارس، وفتشوا منزله فأرسل قلاش مذكرة إلى اللواء عبد الغفار وزير الداخلية، للمطالبة بالتحقيق في الواقعة ومحاسبة المتورطين فيها.
ومع تعرض الصحفيين الذين خرجوا لتغطية مظاهرات 25 أبريل الماضي الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية لاعتداءات من قبل قوات الأمن، قاد قلاش مسيرة صامتة من مقر النقابة إلى دار القضاء العالي لتقديم بلاغات للنائب العام ضد عبد الغفار نفسه، تتضمن وقائع الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون.
وأدانت النقابة عمليات الاعتقال العشوائي التي شملت عددا من الصحفيين، مؤكدة أن ما تم هو عودة "ظاهرة زوار الفجر ومداهمة منازل زملاء صحفيين فجرا دون سند من قانون وترويع ذويهم".
وبعدما تقدم قلاش في السابق ببلاغ لعبد الغفار ثم ببلاغ ضده، جاء اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين يوم الأحد الماضي ليصل بالصراع بين النقيب والجنرال إلى ذروته مع مطالبة قلاش بإقالة عبد الغفار من منصبه رداً على ما اعتبر إهانة للصحافة والصحفيين.
لكن الجماعة الصحفية بها منتقدون لأداء قلاش ومجلس النقابة، يحاولون استغلال الأزمة لطرح الثقة في المجلس مما يهدد بشق الصف الصحفي.
وبعد مسلسل اعتداءات رجال الداخلية الذي دفع الرئيس السيسي بنفسه للاعتذار، ومع وجود منتقدين لأداء قلاش من ضمن الصحفيين، يبدو أن المخاطر عالية في معركة النقيب مع الجنرال هذه المرة لدرجة قد لا تسمح بخروج الرجلين منها معا بدون ضرر.
تعليقات الفيسبوك