"كن أنت الإعلام البديل، شير الخبر ده مش هتلاقيه في أي وكالة أخبار أو جريدة أو موقع من إللي بيكرهوا مصر ومش عايزين الخير ليها.." بهذ المقدمة يبدأ العديد من أصحاب الصفحات على فيس بوك نشر صور لقرارات حاسمة، أو مشروعات عالمية بزعم وجودها في مصر، متهمين الإعلام بتجاهل نشرها.
بداية الإعلام البديل
هذه الظاهرة التي يُطلق عليها عدد من الإعلاميين اسم "الإعلام البديل" كانت قد ظهرت أيضا في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث حرص أنصاره -بدعوى مناهضة الإعلام للرئيس الإسلامي ومحاربته، كما تقول صفحات إخوانية على فيس بوك - على نشر العديد من القصص والأخبار حول قرارات رئاسية لم تنشرها الصحف والمواقع الإلكترونية، إلا أنه ثبت بالتدقيق عدم صحتها أو صدورها من الأساس.
نشرت صفحة باسم حدائق القبة في 12 يوليو 2012، قرارا رئاسيا بتخصيص 72 مليون جنيه لتفريغ الباعة الجائلين من الميادين وبناء أسواق جديدة لهم، رغم أن القرار كان صادرا من رئيس الوزراء كمال الجنزوي، قبل نشر الخبر بأكثر من 3 أشهر. وقالت الصفحة في مشاركتها، "طبعا مسمعتش الكلام ده قبل كده ولا حتسمعه ف إعلامنا عشان كده شير آنت كن الإعلام البديل".
اكتمال المسيرة
وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي واصل "الإعلام البديل" مسيرته بنفس النهج والطريقة، فنشرت صفحة على الفيس بوك، بعنوان "متضامنون مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي" صورة لمحطة طاقة تقول إنها بالقاهرة، ومع الصورة خبر منسوب لقطاع البترول، يؤكد البدء في تنفيذ خطوط أنابيب غاز لمحطات كهرباء سيمينز والتي تشمل العاصمة الإدارية وبنى سويف والبرلس.
وقدمت الصفحة رأيها في عملية التنفيذ، بقولها، "أظن التقدم والاصلاح بيشمل جميع المحافظات"، وطلبت الصفحة من متابعيها نشر المشاركة على نطاق واسع، "ما تبقاش بخيل و كن أنت الإعلام البديل، شير لكل الإيجابيات علشان إعلام العار عامل نفسه من الصومال".
ويكشف البحث البسيط على موقع جوجل أن الصورة المرفقة مع الخبر المنشور بالصفحة، والتي جمعت ما يقرب من 200 ألف متابع منذ انشائها، مزيفة وليست من القاهرة، وإنما تم نسخها من صفحات الإنترنت وهي في الأصل صورة لمحطة طاقة هجينة بدولة الجزائر، مرجع الصورة الأصلية على الرابط.
كما أن الخبر المصاحب للصورة، التي حظيت بعشرات المرات من النقل والتداول، تم نشره في غالبية وسائل الإعلام المصرية، في الصحف القومية والخاصة والحزبية، وعبر المواقع السياسية والاجتماعية، والعديد من القنوات الفضائية، وذلك قبل نشر الصفحة له بيومين كاملين.
تُظهر نتائج البحث عن عنوان الخبر في محرك البحث الالكتروني، جوجل، أكثر من ثمانية آلاف موضوع مطابق، يمكن متابعتها عبر الرابط
نفس النهج
صفحات أخرى كثيرة تسير على نفس نهج صفحة "متضامنون مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي"، من بينها صفحات تسخر من الفكرة ومن تداول مثل هذه الصور والموضوعات الغير حقيقية، من بينهم صفحة باسم، كارلوس لاتوف - رسام الثورة.
إلا أن حتى الموضوعات الساخرة التى نشرتها صفحة كارلوس لاتوف، لاقت تصديقا وثقة، من عدد كبير من المتابعين لها.
من بينها الصورة التي نشرتها الصفحة على أنها كوبرى الفل الجديد على طريق أبوحماد بلبيس، وقام المئات بنشر الصورة معتقدين صدق الخبر، برغم وضوح سخرية الصفحة في المشاركة.
يمكنكم متابعة تعليقات العديد ممن قاموا بإعادة نشر الصورة وتصديقها من خلال الرابط.
عدد من الصفحات الشخصية والصفحات العامة على فيس بوك، يستغل حالة الهوس المنتشرة في نشر مثل هذه المشاركات، ويقوم بتغيير محتوى الصورة أو المادة النصية المصاحبة لها بعد تخطيها مئات المرات من الشير، ويمكن مطالعة ذلك من خلال خيارات Edit History في مشاركات الفيس بوك، والتعرف على ما تم تعديله في النص المصاحب للصورة.
كما يمكن متابعة التغيرات التى تم تعديلها على المشاركة السابقة من خلال الرابط.
بديل "الإعلام الفضائي"
انتشار مثل هذه الصور والموضوعات يفتح الباب أمام تساؤل: هل تحتاج العملية الإعلامية في مصر الآن إلى بديل؟ وهل تتغاضى الصحف والمواقع الالكترونية عن نشر أخبار سعيدة كما يحاول البعض ترويج ذلك؟
محمد السعدنى المحلل السياسى ونائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، قال: "إن الإعلام البديل أو مواقع التواصل الاجتماعى أصبحت مصدرًا للمعلومات نظرًا لفقدان المصداقية وضعف المهنية التى تتسم بها وسائل الإعلام المصرى الآن."
وأضاف السعدني في حوار معه نشره موقع المصريون، "أن وسائل الإعلام التى تصدر لنا شخصيات وإعلاميين بعينهم ليصبح أمامنا البديل مواقع التواصل الإجتماعى، لافتًا إلى وجود علاقة طردية بين زيادة الإقبال على مواقع التواصل الإجتماعى من الفيس بوك وتويتر وبين ضعف الرسالة المقدمة من جانب الإعلام الفضائي."
الصحفي محمد يونس، نشر في مقالة له يوم الأربعاء بجريدة الأهرام "على الرغم من العشوائية التى تبدو عليها وسائل التواصل الاجتماعى ووقوعها أحيانا تحت توجيه بعض أصحاب الأغراض الخاصة، فإنها تبقى من أفضل الوسائل للتعبير عن الرأى وضمان تحقيق حق المواطنين فى المعرفة والاتصال والمشاركة السياسية."
وأضاف، "ليس هذا هو السبب الوحيد لضرورة الدفاع عن هذا الإعلام البديل بخاصة فى المجتمعات النامية، وإنما هناك أسباب أخرى فى مقدمتها أن هذا البديل الرقمي هو اسلم الطرق لمنع الدمار الشامل الذى قد ينجم عن اللجوء إلى العنف لأجل التغيير، وهو الخيار الذى نتج عنه ما نراه اليوم فى سوريا وليبيا؟".
ويستكمل حديثه، "وفى بعض الأحيان تصبح وسائل التواصل الاجتماعى هى الإعلام البديل للسلطة الرابعة (وسائل الإعلام) اذا وقعت الأخيرة تحت سيطرة السلطات السياسية فى الدول النامية، أو تحت سيطرة ذوى النفوذ وأصحاب الإمبراطوريات الإعلامية فى الدول المتقدمة".
شكاوى الرئيس
وشكلت العبارة الشهيرة "هاشتكي للشعب المصري منكم" البداية الفعلية لتوتر العلاقة بين الرئيس والإعلاميين، في نوفمبر 2015، عندما قال خلال ندوة تثقيفية للقوات المسلحة "أحد الإعلاميين انتقدني أثناء تغطية غرق مدينة الإسكندرية بمياه الأمطار، وقال إن الرئيس قاعد مع شركة سيمنز وسايب الإسكندرية تغرق، ما يصحش كده.. انتوا بتعذبوني اني جيت وقفت هنا..انا هاشتكي للشعب المصري منكم".
وأوضح السيسي على هامش افتتاح أحد مصانع السماد بالفيوم، في ديسمبر 2015 أنه يتأذى من حالة الاشتباك التى يراها أحيانا على الشاشات، قائلا "أتابع كل شىء جيدا.. ولا يعتبر صمتي رضا ولكني أريد أن تكتمل التجربة".
كما اعتبر السيسي أن التناول الإعلامي لقضية مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني هو سبب الأزمة، حيث قال خلال لقائه بممثلي فئات المجتمع، في أبريل 2016، إن "طريقة التناول الإعلامي ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لقضية مقتل ريجيني هي من صنعت الأزمة في هذه القضية".
وكان ريجيني اختفي يوم 25 يناير، وتم العثور على جثته عليها آثار تعذيب يوم 3 فبراير على جانب طريق مصر- اسكندرية الصحراوي. ورفضت الحكومة المصرية مرارا مزاعم بأن الأجهزة الأمنية ربما تكون متورطة في مقتله.
تعليقات الفيسبوك