- الحكومة تتلقى منحا بحوالي 4 مليارات دولار سنويا، ويحاكمون النشطاء بتلقي التمويلات الأجنبية
السيسي ليس أكثر وطنية مني .. ومقالي السبت المقبل بعنوان (مصر والنحنوح)
- لم أتلق من دعوتي للمصالحة بين السلطة والإخوان سوى الشتائم والإهانات، والفريق أحمد شفيق هاتفني رافضا المبادرة
- محمد مرسي كان "زميل بورش" ورجوته التعجيل بالانتخابات الرئاسية لكنه رفض
- تلمست في السيسي حالة ود غير مباشرة، لكنه لم يوجه لي دعوة لجلسات حوار المثقفين!
قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، سعد الدين إبراهيم، إن مبادرته لإجراء مصالحة بين السلطة والإخوان المسلمين تستهدف وقف ما سماه بـ"حرب الاستنزاف" المستمرة منذ حوالي 3 سنوات بين الشرطة والجيش والجماعات المسلحة.
وأضاف إبراهيم، خلال المقابلة التي أجرتها معه أصوات مصرية في مقهي ريش بوسط القاهرة، أن مبادرة المصالحة لم يجن منها سوى الشتائم والإهانات، رغم أنها مستوحاة من تجارب دولية أخرى مثل جنوب أفريقيا والجزائر، ومن قبلهما تجربة رسول الإسلام محمد الذي عاد بعد الهجرة منتصرا ليقول لكفار قريش "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وأطلق سعد الدين إبراهيم، مطلع مارس الجاري، مبادرة لإجراء مصالحة بين السلطة السياسية والإخوان المسلمين وقال إنها تستهدف وقف نزيف الدم المسال على الجانبين، كما طرح منذ سنوات مبادرة للمصالحة بين مصر وقطر.
وأوضح سعد الدين إبراهيم، مؤسس مركز أبن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة، أنه التقى القائم بأعمال المرشد العام محمود عزت والمعارض السياسي أيمن نور وعددا من "مطاريد الإخوان" في إسطنبول وطلبوا إجراء مصالحة مع السلطة لضمان عودتهم، لكن النظام السياسي لم تبد منه أي استجابة.
وسيط الخير
وتابع إبراهيم، الذي يصنف على أنه سياسي ليبرالي مُقرب من دوائر صنع القرار الأمريكية والأوروبية، "لم أدعم الإخوان المسلمين يوما، لكني توسطت بينهم والأوروبيين قبل الثورة، وحاليا أمارس دور (وسيط الخير) بينهم والسلطة في مصر".
وقال الأكاديمي والناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، إنه نسق 3 لقاءات بين قيادات بجماعة الإخوان المسلمين وممثلي الجماعة الأوروبية وكندا واستراليا ونيوزيلندا بمقر النادي السويسري بالقاهرة عقب خروجه من السجن في عام 2002.
واتُهم إبراهيم في عام 2000 بتلقي تمويلات أجنبية بدون إذن وتشويه سمعة مصر، وحُكم عليه بالحبس 7 سنوات قبل أن تبرئه محكمة النقض بعد أن قضى في السجن أكثر من عامين.
وأوضح سعد الدين إبراهيم أنه لم يكن يوما بوابة النفاذ إلى الإدارة الأمريكية أو "عراب الإخوان" كما يحلو للبعض وصفه، لكن عندما يُطلب منه شهادة يقولها بضمير الباحث والأكاديمي.
ويحمل إبراهيم البالغ من العمر 78 عاما الجنسية الأمريكية إضافة إلى جنسيته المصرية، ويقول إن دور المثقف الإصلاحي هو أن يكون "وسيط الخير" بين الأطراف المتناحرة لتحقيق التسامح في مجال العمل العام والديمقراطية في المجتمع.
التمويلات الأجنبية
مثلما تقول الأسطورة الإغريقية إن البطل الخالد "أخيل" غفلت أمه عن تغمير كعب إحدى قدميه في نهر ستيكس ليصبح هو نقطة ضعفه المميتة التي تؤدي إلى سقوطه، أصبحت "التمويلات الأجنبية" هي كعب أخيل المجتمع المدني في مصر.
قال إبراهيم، بصوت خفيض وهو يتكيء على عكازه الخشبي، إن الدولة هي أكبر متلق للمنح والتمويلات الأجنبية دون رقيب، مؤكدا أنها تتلقى حوالي 4 مليارات دولار سنويا رغم أن البلاد لم تخض حربا منذ أكثر من 30 عاما.
وأضاف أن قضية التمويلات الأجنبية لا أساس لها من الصحة، لأن جميع منظمات المجتمع المدني تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة التضامن الاجتماعي ومصلحة الضرائب والجهات المانحة.
وأعاد قاضي التحقيق في قضية التمويلات الأجنبية، منتصف مارس الجاري، فتح القضية بعد 5 سنوات على اتهام القضاء لـ43 ناشطا مصريا وأجنبيا في قضية اكتسبت شهرة دولية. لكن النائب العام حظر النشر فيها.
وقال إبراهيم "التحقيق يجب أن يكون للدولة التي تنفق مليارات الدولارات في قنوات غير معروفة.. وعندما يسألوني هل تقارن نفسك بالدولة المصرية؟ سأرد بأن السيسي ليس أكثر وطنية مني".
وأوضح أنه خلال الأربعين عاما الماضية لم يثبت اتهام منظمة أهلية واحدة بإساءة استخدام التمويل الأجنبي أو التجسس على مصر لصالح جهات أجنبية، و"البينة على من ادعى".
وطالب إبراهيم الحكومة المصرية بأن تعتبر المجتمع المدني والقطاع الخاص شريكين في عملية التنمية بالمجتمع، لا سيما وأن قيادات المجتمع المدني دعاة حوار وشفافية.
المجتمع المدني بين 2000 و2016
اعتبر سعد الدين إبراهيم أن أوجه التشابه في أزمة المجتمع المدني بين عامي 2000 (حبس قيادات مركز أبن خلدون) و2016 (قضية التمويلات الأجنبية) هي إفلاس السلطة السياسية والبحث عن كباش فداء.
وقال إن اتهامات مثل "تشويه سمعة مصر" و"تلقي تمويلات أجنبية" تجعل السلطة في مصر معادية للحريات والديمقراطية في عيون العالم.
وبنبرة عتاب استرجع إبراهيم ذكريات أزمة عامي 2000 و2007 وقال "تخلى عني الكثيرون في مصر خوفا من بطش السلطة وأحيانا بدافع الغيرة.. والتعاطف والدعم جاءني من الخارج، لكن التضحيات التي بذلت لم تذهب سُدى".
وعانى إبراهيم مما أسماه بـ"المنفى الاختياري" في عام 2007، حيث ظل متجولا بين العواصم العربية والأوروبية بسبب ملاحقته بالدعاوى القضائية في مصر لمدة 3 سنوات.
أبن خلدون
وعن انتقال مركز أبن خلدون من مربع المعارضة في عهد مبارك إلى مربع المهادنة في عهد السيسي، قال إبراهيم "ليس لدينا في المركز عداء مع السلطة ولكننا دائما ناقدين لها".
ودافع سعد الدين إبراهيم عن موقفه قائلا "وجهت نقدا لاذعا للسيسي عدة مرات، ومقالي يوم السبت المقبل بعنوان (مصر والنحنوح) أوجه فيه نقدا لاذعا لسياسة استدرار العطف التي يتبعها السيسي".
وأضاف إبراهيم "السيسي أرسل لي جنرالين من قبل بعد أن شتمته في مداخلة هاتفية على أحد البرامج التلفزيونية قبل الانتخابات الرئاسية.. ونقلوا لي عدم استيائه مني وسألوني عن أمور تتعلق بالأوضاع السياسية الداخلية".
وتابع "شعرت أن هناك حالة ود غير مباشرة كانت محل تقديري له، إلى جانب أنني قدرت له إنقاذ مصر في لحظة حرجة زادت فيها المواجهات بين أنصار الإخوان والمعارضين في الميادين وأنذرت بكارثة حتمية".
وفي واقعة يعود تاريخها إلى أكتوبر 2014، سب إبراهيم، الرئيس عبدالفتاح السيسي، في مداخلة هاتفية مع قناة الجزيرة مباشر مصر، عندما سأله مذيع الجزيرة بعد إلحاح طويل "إمتى من وجهة نظرك يكون السيسي تجاوز الخطوط الحمراء في حقوق الإنسان ويجب الوقوف أمامه" فأجاب إبراهيم منفعلاً "يا أستاذ حرام عليك، إنت عاوزني أشتملك السيسي، طيب يلعن أبوه ابن ...".
زميل بورش
وقال سعد الدين إبراهيم إن الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين كان "زميل بورش"، وإنه ترجاه في عدة مقالات أن يعجل بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ليحمي البلاد من كارثة، لكنه لم يستجب.
وأضاف إبراهيم أن علاقته توطدت بقيادات ورموز جماعة الإخوان المسلمين عندما شاركهم الحبس في عام 2000، مؤكدا أنه يعارضهم، لكنه لا يزال يحمل قدرا من التعاطف معهم.
وكشف أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية أنه تلقى مكالمة هاتفية من الفريق أحمد شفيق المرشح السابق لرئاسة الجمهورية أبلغه فيها رفضه لمبادرة المصالحة مع الإخوان المسلمين وخلط الدين بالسياسة.
وأوضح أن "الدور السياسي لشفيق لم ينته بعد، لكن عودته إلى مصر قد تتعطل قليلا بسبب محاصرته بالبلاغات والدعاوى القضائية.. فهو قريب جدا من الدولة.. والعقلية العسكرية لا تزال تسيطر عليه".
ويعتبر إبراهيم من مؤسسي الحركة المصرية الحديثة للمجتمع المدني، حيث بدأ دوره داخل حرم جامعة القاهرة عندما كان طالبا في خمسينيات القرن الماضي، ثم أكاديميا مهتما بدور تنظيمات الإسلام السياسي في العالم العربي وحقوق الأقليات الدينية والعرقية في العالم.
تعليقات الفيسبوك