تفتح عودة الإعلامي طارق عبد الجابر، المرتقبة إلى مصر، الباب على مصراعيه أمام رجوع الكثيرين ممن فقدوا البوصلة وضلوا الطريق في فترة من الفترات، وتصوروا أن لحاقهم بركب عناصر جماعة الإخوان الفارين إلى الخارج، يضمن لهم مكانا مع «الفرقة الناجية» سياسيا، التي ستعود إلى سدة الحكم وتعلق المشانق لكل من ثار ضدها وأخرجها من «جنة السلطة».
بعد ثورة 30 يونيو، شدت عناصر الجماعة، الرحال إلى المنافى الاختيارية فى الدوحة واسطنبول، وحرصت على ان تضم اليها عناصر إعلامية وسياسية مختلفين معها عقائديا وايديولوجيا، بهدف خلق كيان معارض متعدد الأطياف، يمكن استغلاله فى ايصال رسالة إلى الغرب مفادها، ان ما حدث فى مصر لم يستهدف الإخوان فقط، وانما جميع الفئات والتيارات فى المجتمع، ومن ثم فإنه لم يكن مستغربا، وجود عناصر إسلامية ــ غير إخوانية ــ وليبرالية ويسارية وقومية، بل وأقباط ايضا، ضمن مكونات هذا الكيان الذى تم تخليقه بدعم أو بتشجيع من بعض أجهزة الدول المعادية للدولة المصرية.
معظم هذه العناصر التى انضمت للإخوان، والتحقت بعدد من الأذرع الإعلامية والسياسية، التى أفرزها هذا الكيان المعارض، كانت دوافعها فى الأساس «منفعية» وليست عقائدية، حيث لم تستطع مقاومة إغراءات التمويل الهائل والدعم السخى، وملايين الدولارات التى تم رصدها للانفاق على هذا الكيان، والتى أسالت لعاب الكثيرين ممن كانوا فى الأساس، يعانون من شظف العيش أو يبحثون عن دور.
مع مرور الوقت، اكتشف البعض من هذه العناصر، التى لعبت دورا كبيرا فى تشويه الدولة المصرية، بل وتورط عدد منهم فى التحريض على العنف والإرهاب وقتل عناصر الجيش والشرطة، ان التمويل بدأ ينضب، وزمن الشيكات على بياض انتهى، وان عودة الجماعة إلى الحكم مرة أخرى، ليس أكثر من مجرد وهم كبير، فبدأ بعضهم يفكر فى الفرار من حضن الإخوان، والعودة مرة اخرى إلى الوطن، لكن ظل يراودهم سؤال واحد: «هل تقبل الدولة المصرية توبتنا؟».
بالتأكيد الدولة أكبر من ان ترفض توبة لمواطن، بدأ يستشعر الندم ويعترف بالخطأ.. فهى ليست كيانا ثأريا بلا قلب أو ضمير، بل هى وطن للجميع، وحتى لو كان احد ابنائها قد أخطا، فليس من الحكمة ان تنبذه أو تبعده عنها، بل يجب عليها ان تفتح ذراعيها له وتصحح أفكاره وتعفو عنه، طالما كانت يداه غير ملوثة بالدماء التى اريقت خلال الفترة الماضية.
من مصلحتنا تفكيك منصات القصف الإعلامى والسياسى، التى تديرها الجماعة فى الخارج، وتطلق نيرانها وسمومها وتحريضها ضد الدولة على مدى اليوم، وتحاول اعطاء صورة مغلوطة عن الاوضاع فى مصر، لكى يتوهم الجميع ان الاستقرار مفقود ومنعدم، والاوضاع الامنية والاقتصادية غاية فى السوء، وان هذه البلاد على وشك الانهيار.
ليس من المنطقى، تصدير انطباع لمن ضل الطريق وأراد العودة، بأن باب التوبة مغلق، وأنه فور قدومه إلى الوطن سيتم الثأر منه، بل على العكس تماما، يجب ان يشعر بالاطمئنان والأمان، طالما ادرك خطأه وسارع إلى تصحيحه، كما يجب على الحكومة ان تكف عنه أذى «فاعلى الخير» و«المحبين لوطنهم»، الذين يقومون بتقديم بلاغات وهمية إلى النائب العام، يمكن ان تحول حياة أى شخص إلى جحيم.اذن فعلت الدولة خيرا بقرارها السماح لـ «عبدالجابر» بالعودة، طالما ان الرجل لم يتورط فى قضايا التحريض على العنف والارهاب، وربما تكون عودته رسالة اطمئنان وسلام لكل من يرغب فى هجر «عش الإخوان»، بعدما اكتشف ان الاستمرار معهم فى عداء الدولة ليس سوى انتحار بطىء، وان الوطن هو الأبقى وليس الجماعة.
المقال منشور في صحيفة الشروق المستقلة اليوم السبت الموافق 26 مارس 2016