تباينت آراء المحللين الماليين وخبراء الاقتصاد حول تأثير قرار البنك المركزي، اليوم الإثنين، بخفض السعر الرسمي للجنيه 112 قرشا أمام الدولار دفعة واحدة.
فاعتبر بعضهم أنها خطوة طال انتظارها ليعبر سعر العملة بشكل حقيقي عن العرض والطلب، وأنها تؤدي للقضاء على السوق السوداء، لكن المخاوف تثور لدى البعض الآخر حول قدرة البنك المركزي على توفير مزيد من الدولارات لتغطية الطلب الكبير المتوقع على العملة الصعبة بعد خفض الجنيه.
كما أن غياب سياسة مالية واقتصادية واضحة ومتكاملة يقلل من الأثر الإيجابي للقرار كما يقول بعض المحللين.
وكان البنك المركزي خفض صباح اليوم سعر العملة المحلية خلال عطاء استثنائي باع فيه 198.1 مليون دولار بسعر 8.85 جنيه للدولار الواحد، بهدف تغطية واردات سلع استراتيجية أساسية. ورفعت البنوك سعر بيع الدولار إلى 8.95 جنيه استجابة للسعر الجديد.
قرار مطمئن للمستثمرين
يعتبر هاني جنينة، مدير قطاع الأسهم في بنك الاستثمار بلتون، خفض الجنيه اليوم "خطوة كبيرة ومهمة وتعطي ثقة غير مسبوقة في مصر"، وفي المقابل يرى عمرو عدلي الباحث الاقتصادي في مركز كارنيجي أن "البنك المركزي لم يكن أمامه خيار آخر.. لأن هامش المناورة محدود للغاية".
هاني جنينة : خطوة كبيرة ومهمة وتعطي ثقة غير مسبوقة في مصر
وقال جنينة، إن سعر الجنيه حاليا أصبح "مناسبا جدا واقترب كثيرا من سعره في السوق"، متوقعا أن تختفي السوق السوداء تماما خلال الشهر الجاري أو المقبل على أقصى تقدير.
وأضاف جنينة أنه من الضروري ألا يعود المركزي إلى تثبيت الجنيه مرة أخرى حتى لا تحدث مضاربة عليه.
"السوق عرف إنك عايز تعوّم.. المطلوب ذبذبة يومية بقرش أو قرشين أو أكثر.. لازم الناس تنسى إن في سعر ثابت، وبالتالي لا تضارب عليه".
واعتبرت ريهام الدسوقي، الخبيرة الاقتصادية، أن خفض الجنيه خطوة إيجابية، ورهنت نجاحها في القضاء على السوق السوداء بقدرة المركزي على توفير كمية كافية من الدولار لمواجهة الطلب.
وقالت "أعتقد إن عدم طرح مبلغ كبير في العطاء الاستثنائي اليوم يهدف إلى تكراره في الأيام المقبلة بعد معرفة تأثيره على السوق بدلا من بيع مبلغ كبير دفعة واحد يضيع أثره بسرعة".
واتفق جنينة مع هذا الرأي متوقعا تكرار العطاءات الاستثنائية خلال الأيام المقبلة لإحداث "صدمات عرض" في السوق، ولتلبية المتأخرات المتراكمة لدى الشركات بما يخفف الضغوط لديها ويزيد من ثقتها في الاقتصاد المصري.
ويرى مدير قطاع الأسهم في بلتون أن "المركزي يعمل حاليا على استعادة الثقة بشكل غير مسبوق، في أقل فترة ممكنة، سواء بسداد متأخرات شركات البترول أو شركات الطيران أو غيرها".
لذلك لا يتوقع جنينة أن يظهر أثر خفض الجنيه على احتياطي النقد الأجنبي قبل الشهر المقبل، بسبب الدولارات التي يضخها في السوق لسداد المتأخرات، "بداية من ابريل ستبدأ تدفقات النقد الأجنبي بوضوح وبالتالي يزيد الاحتياطي".
وقال بنك الاستثمار برايم في مذكرة بحثية اليوم إنه على الرغم من أن القرار كان متوقعا، فإنه تجاوز تقديراته لسعر الصرف، والذي حدده عند 8.53 جنيه للدولار.
ولا يتوقع برايم حدوث خفض آخر للعملة المحلية، "على الأقل فى الأجل القصير".
مخاوف على الصادرات والنمو
أبدى محمد البهي، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات، تخوفه من خفض الجنيه في الوقت الذي لا تتوفر فيه للمركزي دولارات كافية لمواجهة الطلب على العملة الصعبة، وهو ما يهدد بعودة السعر في السوق السوداء للارتفاع بشكل كبير مرة أخرى.
وقال البهي إن القرار كان يجب أن يسبقه توفير سياسات جاذبة للاستثمار من خلال تبسيط إجراءات التراخيص والبنية التشريعية المنظمة للاستثمار وقوانين العمل والشركات.
لكن عمرو عدلي يرى في المقابل أن خفض الجنيه في الوقت الحالي لا يمكن اعتباره أداة لتحفيز الاقتصاد، معتبرا أن هذا القرار يعبر عن "إدارة أزمة في المدى القصير.. لأن مصدر الأزمة الحقيقي ليس في سعر الصرف وإنما في الاقتصاد الحقيقي وهو خارج قدرة المركزي".
عدلي: مصدر الأزمة الحقيقي ليس في سعر الصرف وإنما في الاقتصاد الحقيقي
وقال عدلي إن "المركزي لم يعد لديه دولارت .. فخفض الجنيه إلى حين ميسرة"، لذلك فهو لا يتوقع أن ينعكس القرار على زيادة الاحتياطي النقدي أو توفير الدولار لأن "المصادر التي تبنى الاحتياطي سواء صادرات أو سياحة أو استثمار إما في تراجع أو ثابتة".
لكن جنينة يتوقع أن "تظهر التدفقات بشكل أساسي في شراء أذون خزانة وسندات.. ممكن نشوف 5 و10 مليارات دولار بكرة.. طالما لم يعد هناك تخوف من سعر الصرف".
وقال البهي إن تأثير خفض الجنيه على الصادرات لن يكون إيجابيا كما هو متصور "لأن الصناعة في مصر تعتمد بشكل أساسي على استيراد المكونات ومستلزمات الإنتاج من الخارج، وبالتالي سترتفع تكلفة الإنتاج ومن ثم تزيد تكلفة البيع".
ويرى عدلي أن الرهان الأسرع لتخفيض الطلب على الدولار حاليا هو تخفيض الواردات "لكنه لا يمكن أن يكون حلا استراتيجيا أو مستداما، لأنه سيؤدي إلى انكماش النمو، خاصة أن هيكل الصناعة المصرية قائم على الاستيراد، والجزء الأكبر من وارداتنا سلع وسيطة ورأسمالية وخامات تدخل في التصنيع، وليس كما يشاع أنها سلع رفاهية أو استهلاكية فقط".
واعتبر جنينة أن السبب الأساسي في مشكلة سعر الصرف كان السياسة المالية للحكومة، لذلك "ينتظر المستثمرون بيان الحكومة أمام البرلمان في 27 مارس الجاري، لمعرفة خطة الحكومة وما إذا كانت في سبيلها للإصلاح من عدمه، حتى يقرروا مستقبل استثماراتهم في مصر".
تأثير محدود على التضخم
توقعت ريهام الدسوقي أن يكون لخفض الجنيه أثر تضخمي ولكن محدود، لأن السوق يتعامل بالفعل بأسعار السوق السوداء للعملة في الفترة الأخيرة، وبالتالي فموجة ارتفاع معدلات زيادة الأسعار حدثت بالفعل.
وقالت "أتوقع حدوث تضخم نتيجة العامل النفسي، أو الانطباع الذي يثيره خفض الجنيه لدى السوق.. لكن الحقيقة أنه حدث بالفعل خلال الشهرين الأخيرين".
لكن السلع الأساسية المستوردة، وخاصة الغذائية، والتي كان يوفر لها البنك المركزي الدولار بالسعر الرسمي الذي كان يقل كثيرا عن سعره في السوق السوداء خلال الشهور الأخيرة، من المتوقع أن تزيد أسعارها مع ارتفاع السعر الرسمي للدولار.
ويقول عمرو عدلي إنه "من حسن الحظ أن أسعار السلع والخامات العالمية تنخفض، وبالتالي لن تزيد تكلفة الاستيراد أو دعم السلع المستوردة كثيرا، ومن ثم لن يؤثر كثيرا على عجز الموازنة، وهو أحد أهم أسباب التضخم".
عدلي: من حسن الحظ أن أسعار السلع والخامات العالمية تنخفض، وبالتالي لن تزيد تكلفة الاستيراد
وكان معدل زيادة أسعار المستهلكين (التضخم) ارتفع 1.1% على أساس شهري في فبراير الماضي مقارنة بيناير، مدفوعا بزيادة أسعار الأرز والدواجن والخضروات والسكر والزيوت والمياه، لكنه انخفض على أساس سنوي إلى 9.5% في إجمالي الجمهورية من 10.7% في يناير.
تعليقات الفيسبوك