لم يكن أمام سيد الحديدي بعدما أنهى دبلوم التجارة سوى الزراعة ليعمل بها، وكان نصيبه من بين ثمانية أفدنة، تركهم والده له ولأخواته، فدان واحد.
الرجل الثلاثيني والذي يعول أسرة من ستة أفراد، افترش معنا الأرض أمام غيطه مع مجموعة من الفلاحين، بقرية (الجزيرة) التابعة لمركز كفر صقر، بمحافظة الشرقية، واشتكى من أن القناة التي يروي منها أرضه جفت مياهها منذ ثلاثة أعوام، الأمر الذي دفعه هو و الفلاحين لاستخدام إحدى الترع التي يستخدمها الأهالي كصرف صحي، "واللي يزيد الطين بلة الحكومة ترفعلنا أسعار الأسمدة وتشيل الدعم" يكمل لافتا إلى أنه مريض بالفشل الكلوي والسبب فيما يعتقد هو المياه الملوثة التي يروي منها أرضه.
الذرة والبنجر
ويشير الحديدي في حديثه مع أصوات مصرية إلى أن تكاليف انتاج محصول القمح، شاملة الحصاد، تصل إلى ثلاثة آلاف جنيه. و تمنحه الجمعية الزراعية ثلاث شكاير فقط من سماد اليوريا للفدان في موسم زراعة المحصول بسعر 100 جنيه للشكارة بعد أن كان 75 جنيها، ويضطر لشراء ثلاث شكاير أخرى من السوق السوداء بسعر 150 جنيها للواحدة.
ورفعت اللجنة التنسيقية للأسمدة بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أسعار الأسمدة المدعمة بنسبة 33% في أكتوبر الماضي، ليصل سعر طن سماد اليوريا إلى 2000 جنيه بدلًا من 1500 جنيه، وسعر طن النترات إلى 1900 جنيه بدلًا من 1400 جنيه لتوزع الشيكارة على الفلاحين بـ100 جنيه بدلًا من 75 في الجمعيات الزراعية.
واستبعد الحديدي زراعة محصول البنجر هذا العام لأنه يحتاج لعشرة شكاير من سماد اليوريا والجمعية الزراعية تصرف للفدان ثلاثة فقط "يعني أزرعه وأخسر فيه" يقول الرجل.
الحديدي لا يخفي استياءه من أنه وسط ارتفاع أسعار الأسمدة فأن أسعار الحبوب انخفضت،فقد باع طن الأرز بمبلغ 1800 جنيه "وكانوا بيقولوا في التلفزيون أن الشونة هتاخده على 2050 جنيها... الحكومة بتضحك علينا".
الحاج أبوزيد علي، رجل خمسيني لديه أربعة أبناء، يقاطع سيد ليحكي أنه اضطر لبيع نصف فدان هذا العام حيث يملك فدانين ليزوج ابنه "زمان الأرض كان انتاجها وفير وكانوا بيجوزوا عيالهم بعد بيع المحصول لكن دلوقتي بنقطع من لحمنا علشان نعيش".
علي أيضا سيمتنع عن زراعة البنجر والذرة الشامية هذا العام، لأن هذه المحاصيل تحتاج للكثير من الأسمدة، حسبما يقول، في حين أن سعر أردب الذرة (140 كيلوجرام) يصل لـ 220 جنيها فقط ، وهو الأمر الذي اعتبر أنه "مايجيبش ثمن عرقنا فيه".
ويشير علي إلى أن تكلفة إنتاج فدان القمح تبلغ 4000 جنيه، وتتراوح إنتاجية الفدان ما بين 15 إلى 20 أردب "بحسب كميات الأسمدة المستخدمة"، كما يوضح علي، مضيفاً أن الحكومة تشتري الأردب (150 كيلوجرام) بـ 440 جنيها، أي أن ربح المزارع يتراوح ما بين 2600 جنيه إلى 4800 جنيه في فدان القمح، "وده اللي نقدر نقول أنه كويس في عائده المادي لو تمت مقارنته بباقي المحاصيل".
أكبر الحاضرين سنا بين مجموعة الفلاحين تلك، الحاج محمد، رجل ستيني، يشير إلى أنه في السبعينيات كان يأخذ الأسمدة من الجمعية ويدفع لهم ثمنها بعد جني المحصول، ولكن الآن وسط ارتفاع أسعار الأسمدة وماكينات الزراعة والحرث وأجور العاملين باليومية في جني المحصول فأن الأموال التي يحصل عليها من بيع أحد المحاصيل "بستخدمها في الزرعة الثانية ولا بوفر أي فلوس".
السوق السوداء
علي إسماعيل، رئيس قطاع الهيئات واللجنة التنسيقية للأسمدة بوزارة الزراعة والاستصلاح الزراعي، يقول لأصوات مصرية إن زراعة محاصيل بعينها وعدم زراعة أخرى يأتي بناء على مبدأ العرض والطلب في السوق، "الفلاح يزرع المحصول عندما يشعر أنه مجد له"، معتبرا أن زيادة أسعار الأسمدة جاءت بعد أن رفعت بعض الشركات أسعارها.
بعد رفع سعر الأسمدة أصبح الفلاح يدفع زيادة 75 جنيها في الثلاث شكاير التي يحصل عليها من الجمعية للفدان الواحد، وهو ما يوازي "تقريبا سعر عامل باليومية في الأرض الآن" يقول رئيس اللجنة التنسيقية للأسمدة.
ويضيف اسماعيل أن الثلاث شكاير هي كل ما يحتاجه الفدان وفقا لتقنين انتاجية الفدان، وأن لجوء الفلاح لشراء أسمدة من السوق السوداء "ليس له داع"، متابعا"وفرنا له الأسمدة الكافية ومش هنديله حاجة بالرخيص".
"الفلاح يخسر"
يتحدث عن انخفاض أسعار الحبوب، الدكتورخيري حامد، أستاذ الاقتصاد الزراعي بالمعهد القومي للبحوث، حيث يرى أن الفلاح هو "الحيطة المايلة بتاعت الحكومة"، مشيرا إلى أن الحكومة تحصل المحاصيل الزراعية من الفلاحين بمبالغ زهيدة هي أقل من السعر العالمي لمحاصيل مهمة مثل القمح والأرز، ويقول أن الدولة" تدعم المستهلك على حساب المزارع".
حامد يشير إلى أن نسبة الأسمدة من تكاليف انتاج المحاصيل تتراوح ما بين 20 لـ 40 بالمئة، معتبرا أن أي رفع في أسعار الأسمدة سيؤدي بدوره إلى زيادة تكاليف الانتاج "وتكاليف الانتاج تعتبر هي المصدر الوحيد لاتخاذ قرار الزراعة من عدمه وهي تحدد نوعية المحاصيل التي يزرعها المزارع"، يقول حامد.
"وبما أن الفلاحين الذين يسحبون الأسمدة المدعمة من الجمعيات الزراعية هم في الأساس ذوي قدرات مالية ضعيفة فأنهم لن ينتجوا محاصيل تكلفتها كبيرة"، يقول حامد الذي يشير إلى أن ارتفاع أسعار الخضروات والتي تعتبر من احتياجات المصريين اليومية هو بالأساس نتيجة لارتفاع أسعار الأسمدة.
ويرى حامد أن الفلاحين سوف يحجمون عن زراعة البنجر في الوجه البحري وقصب السكر في الوجه القبلي بالإضافة لمحصول الذرة الشامية وبعض الخضروات بسبب ارتفاع سعر الأسمدة التي تستهلك هذه المحاصيل كمية كبيرة منها.
رئيس اتحاد الفلاحين، محمد فرج، يرى أن "الفلاحة بتنقرض"، معتبرا أن الأسمدة المدعمة التي تصرفها الحكومة للفلاح، والتي رفعت أسعارها مؤخرا، لا تكفي الأرض وهو ما يجعله "فريسة" للسوق السوداء.
ويتحدث فرج عن هيئة السلع التموينية، التابعة لوزارة التموين، والتي تشتري محاصيل الأرز والقمح من الفلاح، لافتا إلى أنها تشتري هذه المحاصيل بثمن بخس وفي المقابل لا تقدم وزراة الزراعة أي تسعير لهذه المحاصيل مما يضمن للفلاح ولو هامش ربح ضئيل.
وبينما يلملم فلاحو قرية (الجزيرة) أذيال جلاليبهم تاركين الأرض يردد بعضهم بحسرة " ما بقتش جايبة همها".
تعليقات الفيسبوك