أجبرت احتجاجات الإسلاميين الموالين للرئيس محمد مرسي المحكمة الدستورية العليا في مصر يوم الأحد على تعليق أعمالها لأجل غير مسمى مما يصعد صراعا بين كبار القضاة ورئيس الدولة.
وقالت المحكمة في بيان حصلت رويترز على نسخة منه إنها علقت عملها لأجل غير مسمى بسبب حصار مؤيدي مرسي لمبناها ووصفت الاحتجاجات بأنها "اغتيال معنوي لقضاتها".
وكان مقررا أن تنظر المحكمة دعويين تطالب إحداهما بإثبات عدم دستورية مواد في قانون انتخاب مجلس الشورى الذي يهيمن عليه حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي.
وتتصل الدعوى الأخرى بجمعية تأسيسية غلب عليها الإسلاميون كتبت مشروع دستور جديدا للبلاد يعارضه ليبراليون ويساريون ومسيحيون.
وقال بيان المحكمة إن قضاتها تبين لهم لدى اقترابهم من المبنى أن هناك خطرا يتهدد سلامتهم "في ظل حالة أمنية لا تبعث على الارتياح."
ووصف البيان ما يدور حول المبنى بأنه "يوم حالك السواد في سجل القضاء المصري على امتداد عصوره."
وأضاف "المحكمة إذ تسجل ببالغ الأسى والألم أن أساليب الاغتيال المعنوي لقضاتها الذي سبق ممارسته في الفترة الماضية من هذا الحشد وغيره ممن ينتمون إليه... هي التي قادت إلى هذا المشهد البغيض.
"إزاء ما تقدم فإن قضاة المحكمة الدستورية العليا لم يعد أمامهم اختيار إلا أن يعلنوا لشعب مصر العظيم أنهم لا يستطيعون مباشرة مهمتهم المقدسة في ظل هذه الأجواء المشحونة... ومن ثم فإنهم يعلنون تعليق جلسات المحكمة إلى أجل يقدرون فيه على مواصلة رسالتهم."
واحتشد الإسلاميون حول المحكمة منذ مساء السبت مرددين هتافات مناوئة لقضاتها تتهمهم بالفساد.
وفي وقت سابق يوم الاحد قالت مصادر قضائية إن المحكمة أرجأت جلستها لأجل لم تحدده بسبب المحتجين الذين قالوا إنهم لن يسمحوا بإصدار حكم يبطل انتخاب مجلس الشورى.
وقال مصدر إن المحكمة أجلت إداريا -ودون تحديد جلسة- نظر دعوى حول مدى دستورية قانون انتخاب مجلس الشورى ودعوى حول قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية التي انتهت يوم الجمعة من كتابة مشروع دستور حدد مرسي يوم 15 ديسمبر كانون الأول موعدا لاستفتاء الناخبين عليه.
وأضاف المصدر أن المحتجين الذين تجمعوا حول المحكمة منذ مساء السبت بعد مظاهرات حاشدة مؤيدة لمرسي "جعلوا ظروف عقد الجلسة غير مناسبة."
وقال أحد المحتجين من فوق منصة أقيمت على شاحنة صغيرة أمام مبنى المحكمة بضاحية المعادي في جنوب القاهرة "حل مجلس الشورى مش هنسمح بيه."
وردد المحتجون هتافات بينها "الشعب يريد تطهير القضاء".
وكان مرسي أصدر إعلانا دستوريا يوم 22 نوفمبر تشرين الثاني حصن مجلس الشورى والجمعية التأسيسية من رقابة القضاء لكن القضاة رفضوا الإعلان وعلقوا العمل في المحاكم لحين سحبه.
ويقول القضاة إن الإعلان الدستوري قوض السلطة القضائية لكن مرسي قال إن الإعلان استهدف إنهاء المرحلة الانتقالية التي تتسم بالاضطراب منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي.
وفي ابريل نيسان حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مواد في قانون انتخاب مجلس الشعب الذي هيمن عليه الإسلاميون وقالت إن المجلس لم يعد قائما بقوة القانون.
وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يدير شؤون البلاد في ذلك الوقت قرارا بحل مجلس الشعب. وأصدر مرسي بعد نحو أسبوع من تنصيبه قرارا بعودة مجلس الشعب لكن المحكمة الدستورية العليا أبطلت القرار.
وقال مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين إن مجلس الشورى كان مهددا بالحل وإن هذا دفعه لإصدار الإعلان الدستوري لكن المعارضين قالوا إن الإعلان الذي حصن قرارات مرسي وقوانين اصدرها من رقابة القضاء تحوله إلى دكتاتور بعد أقل من عامين من إسقاط مبارك.
وقال محمد البرادعي المنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت من معارضين بعد الإعلان الدستوري في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "يتحدثون عن هيبة الدولة واستقلال القضاء ثم يحاصرون ويهددون (المحكمة) الدستورية. عن أي دولة يتحدثون؟ وبأي هيبة يتشدقون؟ شتان بين الديمقراطية والغوغائية."
ومنذ إصدار الإعلان الدستوري يعتصم نشطاء في ميدان التحرير الذي كان بؤرة الانتفاضة. كما شارك عشرات الألوف في مظاهرات حاشدة مناوئة للإعلان في القاهرة ومدن أخرى يوم الثلاثاء الماضي وفي مظاهرات مماثلة نظمت قبلها بأيام.
وتقول جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى وحمدين صباحي الذي جاء ثالثا في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي فاز بها مرسي إنها يمكن أن تدعو إلى عصيان مدني لحمل مرسي على سحب الإعلان الدستوري.
وفي كلمة ألقاها مرسي مساء السبت في حفل تسليمه مشروع الدستور الجديد قال "أجدد الدعوة لفتح حوار وطني جاد حول هموم الوطن بكل صراحة وتجرد لإنهاء الفترة الانتقالية في أسرع وقت."
لكن قادة جبهة الإنقاذ الوطني يقولون إنهم لن يحاوروه إلا إذا سحب الإعلان الدستوري الذي تسبب في أكبر أزمة سياسية تمر بها مصر منذ تنصيب مرسي يوم 30 يونيو حزيران.
ومن شأن قرار المحكمة الدستورية العليا القاضي بتعليق عملها تصعيد الأزمة التي تخللتها أعمال عنف تسببت في مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة مئات آخرين.
وكان نحو 200 ألف من مؤيدي مرسي احتشدوا السبت في القاهرة دعتهم قياداتهم للمجيء من محافظات مختلفة.
وتأمل جماعة الإخوان أن يكون من شأن الاستفتاء على مشروع الدستور إنهاء الأزمة وحثت المصريين فور إعلان تاريخ الاستفتاء على الإدلاء بأصواتهم.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة والنشط والمحلل السياسي حسن نافعة "جماعة الإخوان المسلمين تصر على المضي قدما دون اعتبار بأي أحد آخر. لا حل وسط في الأفق."
وأضاف أنه يتوقع الموافقة على المشروع بأغلبية طفيفة "لكن في مثل هذه الحالة كيف تدير البلاد بدستور متنازع عليه.. دستور لم يصدر بالتوافق."
ورفع المحتجون أمام المحكمة الدستورية العليا لافتة كتب عليها "نعم للدستور".
وتسبب الاضطراب السياسي في انخفاض مؤشر البورصة بنسبة عشرة في المئة منذ إصدار الإعلان الدستوري لكنه ارتفع بنسبة 1.8 لدى الإغلاق يوم الاحد.
وقال محمد رضوان من شركة فاروس لتداول الأوراق المالية "الأحداث التي وقعت خلال نهاية الأسبوع من الموافقة على مشروع الدستور إلى دعوة الرئيس للناخبين للاستفتاء عليه أعطت بعض الثقة للمستثمرين أن الاستقرار السياسي في الطريق."
لكن المعارضين يقولون إن الإخوان المسلمين يحاولون خطف البلاد عن طريق دستور يروق لهم. وقال البرادعي في صفحته على تويتر يوم السبت إن "الكفاح سيستمر" وإن مشروع الدستور "يعصف بالحريات."
وقال مرسي إن مشروع الدستور يحقق أهداف الانتفاضة التي أسقطت مبارك لكن سياسيين وحقوقيين يقولون إن المشروع صيغ بما يرضي الإسلاميين ولا يضمن بصورة صريحة حقوق النساء والأطفال.
ويدخل الإخوان المسلمين في مقامرة بالقول إن الناخبين سيقترعون بالموافقة على المشروع كما اقترعوا للإسلاميين من قبل في كل انتخابات أجريت بعد مبارك.
تعليقات الفيسبوك