جاء إعلان شركة مرسيدس مؤخرا اعتزامها التوقف عن نشاط التجميع في مصر ليجدد الحديث بشأن مستقبل صناعة السيارات في مصر في ظل التزامها بتخفيض الحماية الجمركية لهذه السلعة الاستراتيجية تحت اتفاقات تجارية تلتزم بها البلاد، حيث يتوقع مصنعون محليون أن يكون سعر السيارة المستوردة من الخارج بالكامل أقل من نظيرتها المجمعة محليا.
وبينما بدأت مصر في هذه الصناعة بحلم السيارة المصرية الخالصة خلال الحقبة الناصرية، فإن المصنعين المحليين يطالبون الآن بأشكال جديدة من الحماية الحكومية لصناعتهم للصمود أمام المنافسة الأوروبية، ويرى خبراء أن مستقبل هذه الصناعة مرهون بتطوير الصناعات المغذية لها ورفع مستوى الجودة.
وتلتزم مصر وفقا لاتفاق شراكة موقع مع أوروبا بتخفيض جمارك السيارات المستوردة منها حتى تصل إلى مرحلة الإعفاء الكامل في 2019.
وبهدف تجنب الرسوم الجمركية المرتفعة كانت شركة دايلمر الألمانية، المصنعة لسيارات مرسيدس، قد دخلت في شراكة مع "المصرية الألمانية للسيارات"، وهي الشراكة التي أعلنت دايلمر نهاية الشهر الماضي عن التخارج منها بسبب اتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية التي من المتوقع أن تجعل أسعار السيارات المستوردة من أوروبا أرخص من المجمعة محلياً بعد تطبيقها بالكامل.
ولكن تخوفات مرسيدس من مستقبل تنافسية تجميع الماركات الأوروبية في مصر مع تحرير التجارة لم تتكرر مع "بي أم دبليو" التي تنتمي لنفس البلد، حيث أعلنت المجموعة البافارية للسيارات المصنعة لـ"بي أم دبليو" اعتزامها الاستمرار في تجميع سيارتها بمصر.
وقال يحيى عبد القدوس، مدير قطاع التسويق بالمجموعة البافارية، لأصوات مصرية، إن تجميع "بي أم دبليو" في مصر سيظل مجديا من الناحية الاقتصادية حتى مع تحرير تجارة السيارات الأوروبية في مصر، حيث لا يتم تصنيعها في أوروبا، لذا لن تكون هناك بي أم دبليو أوروبية الصنع ينطبق عليها اتفاق الشراكة لتنافس السيارة المجمعة محليا بعد رفع الجمارك في 2019.
ويعتمد مستخدمو السيارات الأوروبية في مصر بشكل أكبر على السيارات المستوردة بالكامل وليست المجمعة محليا، حيث يعرض تقرير مجلس معلومات السيارات "أميك" ماركات أوروبية متعددة يتم استيرادها من الخارج تشمل كيا، سكودا، رينو، بيجو، أوبل، ولاند روفر والتي لا يقل سعر الواحدة منها عن 100 ألف جنيه وتتجاوز بعضها المليون جنيه.
المنافسة لن تكون مع أوروبا فقط
لا تقتصر المنافسة المتوقعة مع تحرير التجارة على السيارات الأوروبية، حيث ترتبط مصر باتفاقيات تجارية أخرى تساعد منافسين أقوياء بالمنطقة مثل تركيا والمغرب على مزاحمة المنتجين المصريين.
"أود أن أحذر ليس فقط من أجل جي بي أوتو ولكن لكل الشركات المصرية التي تصنع أو تجمع السيارات في هذا البلد.. الامتيازات الاستثنائية لمجمعي (السيارات) في الخارج في إطار اتفاقات الشراكة الأوروبية والتركية والمغربية تضع الصناعة المحلية تحت ضغط هائل وغير مسبوق"، كما قال الرئيس التنفيذي لجي بي أوتو في تقرير الإفصاح للشركة عن نتائج الربع الرابع من 2014.
وتقوم جي بي أوتو بتجميع واستيراد ماركات أسيوية لكنها تخشى من منافسة سيارات بنفس قدرات سياراتها وتتمتع بامتيازات جمركية.
"الوضع سيكون أقل تنافسية لصناعات التجميع المحلية (خلال السنوات القادمة)، فبحلول 2019 ستأتي السيارات الأوروبية بدون جمارك بينما يدفع المصنعون المحليون رسوما على المدخلات المستوردة مما يجعل أسعار السيارات المستوردة أرخص"، كما تقول منة صادق، مديرة قطاع الاستثمار بجي بي أوتو.
"السيارات التي نقوم بتجميعها محليا في شركتنا تحقق هوامش ربحية ضئيلة وسنبدأ في تكبد خسائر من ورائها في الأجل القصير إذا استمرت الضغوط الحالية"، تضيف المسؤولة بالشركة، التي تعد أكبر مصنعي السيارات المقيدين في البورصة المصرية.
وتوضح صادق طبيعة هذه الضغوط بقولها "نحن نعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ضعف الجنيه في مواجهة الدولار ولا نقدر على رفع الأسعار بما يغطي تلك التكاليف بسبب المنافسة من السيارات المستوردة من دول تلتزم مصر باتفاقيات تحرير تجارة معها مثل أوروبا والمغرب وتركيا".
ويلزم اتفاق التجارة الحرة بين مصر وتركيا بتحرير تجارة السيارات بين البلدين في العام الخامس عشر منذ دخوله حيز التنفيذ في 2007.
وتهدف اتفاقية أغادير، التي بدأ تنفيذها في نفس العام، إلى تحفيز التجارة بين الدول الموقعة عليها، ومن ضمنها المغرب، عبر آليات كتخفيض الجمارك، ويقول مصنعون محليون إن الاتفاقية شجعت على تصدير سيارات "الرينو" الفرنسية عبر المغرب.
من الصناعة للاستيراد
ويشعر مصنعون محليون بالقلق من منافسة السيارات المستوردة، حيث يقول عادل بدير، رئيس شعبة وسائل النقل بغرفة الصناعات الهندسية، إن عدد من المصنعين يتجه لطلب سياسات حمائية من الحكومة في مواجهة المنافسة الخارجية.
"نعمل على إعداد خطة لمناقشتها مع الحكومة تشمل مقترحا بزيادة ضريبة المبيعات على السيارات المستوردة من الخارج أو تخفيضها على السيارات المحلية".
ولكن أميرة الحداد، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، ترى أن مصر أهدرت فرصا سابقة للاعتماد الذاتي على نفسها في إنتاج السيارات، "لقد تمتعت صناعة السيارات في مصر لسنوات طويلة بالحماية من المنافسة الخارجية ولم تستغل هذه الفرصة لتعميق الصناعة المحلية".
ويقول خالد حسني، المتحدث باسم مجلس معلومات السيارات، إن مستقبل منافسة السيارات المستوردة للمحلية لا يحسمه فقط تخفيض الجمارك على تلك السيارات "هناك عوامل أخرى ستدخل في تحديد أسعار السيارات مثل مستقبل سعر العملة المحلية في مواجهة الدولار وهوامش الربحية التي سيحددها وكلاء استيراد السيارات".
ويرى أن مواجهة المنافسة المقبلة مع تحرير تجارة السيارات ستكون من خلال عمل قطاع الصناعات المغذية للسيارات على تحسين جودة منتجاته للنهوض بمستوى الصناعات المحلية.
وبحسب دراسة لباحثين من الجامعتين الأمريكية والبريطانية بالقاهرة، تحت عنوان "صناعة السيارات في مصر" فإن هذه الصناعة بدأت في عام 1951 مع تدشين فورد الأمريكية لنشاط تجميع السيارات في البلاد.
وتوسعت الدولة في هذا المجال عبر تأسيس شركة "النصر للسيارات" عام 1960، والتي كانت "مجمع ضخم تم إنشاءه لتأسيس صناعة السيارات على مساحة 36 ألف متر مربع في وادي حوف بحلوان".
وتقول الدراسة إن الاتجاه لتصنيع السيارات في مصر ارتبط برؤية الضباط الأحرار وقتها لأهمية هذه الصناعة في التنمية الاقتصادية، لما تسهم فيه من إنشاء صناعات مغذية تعمل لخدمتها.
ولكن الشركة عانت خلال حقبة السبعينات من نقص التمويل الكافي لتطويرها، كما تقول الدراسة، مضيفة أنها عانت أيضا في وقت لاحق من تراكم المديونيات.
وبجانب محاولات الدولة لتعميق صناعة السيارات عبر شركة النصر، سعت لتحفيز هذه الصناعة عبر تخفيضات جمركية على مدخلات إنتاج السيارات للمصنعيين المحليين وفرض رسوم مرتفعة نسبيا على السيارات المستوردة من الخارج.
لكن أحد هاتين الآليتين تم التراجع عنها نسبيا في 2004 مع تخفيض الحكومة للجمارك على السيارات المستوردة.
وتُظهر بيانات البنك المركزي ارتفاع قيمة واردات سيارات الركوب بنحو 375% منذ العام المالي 2004-2005 وحتى 2013-2014.
كما يوضح أحدث تقرير لمجلس معلومات السيارات، عن شهر فبراير، استحواذ السيارات المستوردة منذ بداية هذا العام على نحو 61% من السوق مقابل نحو 39% للسيارات المجمعة محليا.
تعليقات الفيسبوك