دموعك عزيزة علينا يا ريس ولكن، ماذا عساها تفعل تلك الدموع وطابور فقراء هذا البلد يتناسل طولا وعرضا كل يوم، وتتناسل في الأعين نظرات الحزن كل ساعة، كما يتناسل الفساد والفقر في بلدنا متخم الثروات.
عزيزي المواطن.. يبدو يا صديقي أن وجودنا في هذه المرحلة من الزمن أسوأ مصيبة حصلت لنا بالمرة، حيث لا يمتلك البسطاء أمثالنا رصيدا في سويسرا، أو في وول ستريت، ولا حتى في دولاب "المدام"، لمجاراة جنون الأسعار دائم الارتفاع، متجدد اللسع، كثير المصائب التي أشبعت رؤوسنا ضربا حد التورم دون أن يحفل بنا أحد.
فالخطباء والرؤوساء الذين حدثونا عن الطلاق والحيض والنفاس كأحد وسائل تجديد الخطاب الديني وتغافلوا عن جائع قتله فقره، إما أنهم خطباء الحكومة وإما أنهم مخلصون وصلوا لقناعة أنه لم يبق منا إلا النساء.
كذلك المغفل الذي قال إن "المال لا يشتري الصحة" كان ثريا لا تركله المستشفيات، والأبله الذي قال إن "الأغطية ليس كل ما نحتاجه لننام" لم يبت ليلة واحدة في العراء، والأحمق الذي قال إن "الحرية تساوي الدنيا" مات عبدا دون أن يعرف أن الأحرار مكانهم الطبيعي السجون.
أتعلم، المنافق الذي طلب منا الاستحمال، لم يذق ذل حاجة إمرأة وضعت لتوها في أحد المسشتفيات الحكومية، ثم أخذت تجر قدميها وعلى يدها رضيع ابن ساعات، تلهث حتى لا يفلت منها أتوبيس النقل العام -كما روت صديقة، ماذا لو كانت تمتلك هذه المرأة أجرة (تاكسي) يحفظ عليها صحتها وحالة خاصة تمر بها، بل ما الذي يخبئه أتوبيس مكدس باللحم البشري ملوث الهواء بعادم السيارات وسعال العجائز من أمراض وعدوى لذلك الرضيع.
الخلاصة، لا أحد سيعيرنا انتباهه، ولا حتى حكومتنا التي رفعت قيمة دعم الغذاء للفرد في البطاقات التموينية إلى 21 جنيها بدلا من 18 جنيها بعد تعويم العملة المحلية في نوفمبر الماضي، لكنها بعد أسابيع قليلة رفعت سعر السكر التمويني إلى 8 جنيهات، كما رفعت سعر الزيت إلى 12 جنيها، بما يفوق كثيرا قيمة زيادة الدعم التي قدمتها الحكومة "يعني اللي ادتهولنا بالشمال أخدته باليمين وزيادة".
رفيق القهر.. هل ذهبت اليوم إلى الصيدلية أو السوبر ماركت، حسنا بكم سعر دواء الانفلونزا البسيط، كم سعر كيلو الجبن والأرز والمكرونة، ولن أقول اللحوم، فشراء مثل تلك السلع أصبح بعيد المنال، فقط في متناول الوزراء وكبار الإعلاميين والبرلمانيين ورجال الأعمال والوزراء، والمواطن"الحرامي".
ولا يفوتك أحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الكاشفة عن بلوغ معدل البطالة بين الشباب المصري في الربع الأخير من 2015 نحو 27.6%، وبلغ المعدل بين الذكور 22.1%، وبين الإناث 42.4%.
ربما كان من العدل رفع الأجور لمواجهة الغلاء، بعدما أصبحت ميزانية الأسرة لا تحقق حد الكفاية من الضروريات ولا حتى " العيش الحاف يا ريس"، حيث قفز معدل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين في المدن إلى 24.3% في ديسمبر الماضي، على أساس سنوي، مقابل 19.4% في نوفمبر، بحسب ما أظهره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كذلك بدأت الحكومة تطبيق ضريبة القيمة المضافة التي يصاحبها عادة زيادة في الأسعار، خلال الأسبوع الثاني من سبتمبر الماضي.
برأيك ألم تتحول حكومتنا إلى تاجر، برقبة مكـتـنزة وكرش منفوخ، تماما كأي تاجر مُحترف الجشع، يحتكر الفرحة والأيام "الكويسة" يغالي في ثمنها كثيرا ويرفض بيعها بالتقسيط أو"عـالنوتة".
سيدي الرئيس ربما كان الحديث عن الأمل في غد أفضل ضربا من المستحيل، في وقت لا يملك الشباب والبسطاء عملا ولا ثمن "باراشوت" يقي أحلامهم شر السقوط.
سيدي الرئيس سأخبرك بقصة رجل رأيته في جانب الطريق صباح اليوم، كان يسير يُطعم ثقب جيبه بعضا من أصابعه، فالتقطها أحد المارة ونادى بعلو صوته" لمن تكون هذه الأصابع لم يلتفت الرجل الفقير، خشية أن يعلم الناس بثقب جيبه الجائع.. ترى ماذا عساها تفيده دموعك يا سيادة الرئيس، ربما كانت دموعك أوقع لو صاحبتها بعض القرارات الحاسمة لإيقاف قطار ارتفاع الأسعار والحد من البطالة والفقر.. ربما.