من عجائب الزمان أن ينتفض الإعلام والرأى العام غضبا تجاه مجلس النواب بسبب تسرب خبر شراء سيارات مصفحة وباهظة الثمن لتأمين تنقلات رئيس المجلس، بينما لا يكاد أحد يكترث بالمخالفات الدستورية الجسيمة التى وقعت من المجلس منذ انعقاده وانتقصت من قدره أكثر بكثير من هذا البذخ.
أكيد أن صفقة السيارات مستفزة للغاية، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. والأكثر استفزازا أن يعلن رئيس المجلس أن ميزانية البرلمان سرية ولا يجوز التعليق عليها باعتبارها أمنا قوميا لأن ما ينفقه البرلمان على أعضائه وعلى تسيير شئونه يجب أن يكون نموذجا للشفافية والنزاهة خاصة أنه السلطة المختصة بالرقابة على الحكومة ومحاسبتها.
ومع ذلك فإن موضوع السيارات المصفحة يتضاءل أمام المخالفات الدستورية التى جرت ولا تزال تجرى فى أروقة البرلمان، بما فى ذلك عدم قيام الحكومة بعرض القرض المبرم مع صندوق النقد الدولى بقيمة اثنى عشر مليار دولار على الرغم من حصول مصر على الدفعة الأولى منه، واختفاء قانون الجمعيات الأهلية الذى أقره المجلس منذ شهرين دون شرح أو تبرير،
وعدم قيام مجلس النواب بواجبه فى الرقابة على المشروعات القومية التى تنفذها الدولة، وإقرار ثلاثمائة وأربعين قانونا فى بداية دورة انعقاده خلال أيام معدودة ودون مناقشة تذكر، وسكوته حيال ارتفاع الدين العام الخارجى والداخلى وكأن الأمر يخص بلدا أجنبيا، وتجاهل تنفيذ حكم محكمة النقض الصادر منذ عدة أشهر بصحة عضوية الدكتور عمرو الشوبكى. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
هذه ليست مجرد تجاوزات بسيطة يمكن السكوت عليها، ولا مخالفات إجرائية يجوز تصحيحها بعد حين، بل استهتار تام باستقلال ونزاهة المجلس النيابى واستخفاف بمكانته الدستورية.
وفى تقديرى أن سكوت الرأى العام عليها ليس من قبيل الخوف ولا السهو، بل لأن المجلس فقد بالفعل الكثير من مصداقيته وفاعليته بل وشرعيته نتيجة لتقاعسه عن أداء دوره، واستهانة الدولة به، واستخفاف الرأى العام بما يناقشه، فصار الناس لا يتوقعون منه لا جدية فى التصرف ولا حزما فى القرار.
وهذه نتيجة خطيرة لأنها ترسخ فى أذهان الناس قبول هذا الوضع الهامشى للبرلمان وتبعيته للدولة وانشغاله بصغائر الأمور، فلا يعد أحد مع مرور الوقت يتوقع منه إضافة أو تأثيرا.
أقول ما سبق مع كل تقدير واحترام للنواب ــ سواء أعضاء فى كتل برلمانية أو بمفردهم ــ المتمسكين فى ظل هذا المناخ المعادى بالقيام بواجباتهم التشريعية والرقابية والتعبير عن مطالب الشعب واحترام المهمة التى انتخبوا لتأديتها.
ومع أنهم قلة عددية إلا أن مواقفهم المبدئية وثباتهم على الحق وعدم ترددهم أمام محاولات الترويع والاستهزاء تجعل أصواتهم أعلى وأكثر تعبيرا من همس الخائفين والمترددين والقانعين بالسكوت ورضاء الدولة عنهم.
لقد تعمدت الدولة من البداية اجراء الانتخابات البرلمانية وفقا لنظام القائمة المطلقة غير المعمول به فى أى مكان فى العالم كى تضمن مجلسا مفككا وضعيفا.
ولكننا جميعا نخطئ فى حق أنفسنا ومجتمعنا ودستورنا حينما ننساق وراء هذه الحالة السائدة من الاستخفاف بالبرلمان والاستهزاء بدوره لأنها تفتح الباب لمزيد من تجاهل الدستور وتحصين الدولة من الرقابة، وعلينا رفضها ومقاومتها ولو تقاعس نواب المجلس أنفسهم عن ذلك.
الأهم من الغضب على صفقة السيارات أن نغضب من تدهور حال البرلمان، وأن يكون هذا الغضب بداية تصحيح مساره وأدائه والضغط على أعضائه كى يتحملوا مسئولياتهم، بدلا من قبول ضعفه وتهميشه وعدم فاعليته.
نقلا عن الشروق.