قال خبراء اجتماع وأصحاب تجارب في الزواج إن ارتفاع نسبة الطلاق في مصر لا ينتج فقط عن أخطاء بعد الزواج وإنما يرتبط بممارسات قبل الزواج منها سوء الاختيار والتضليل وعدم المصارحة فضلا عن تأثير مواقع السوشيال ميديا التي انتشرت مؤخرا.
وأصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري، في ديسمبر 2016، تقريرا ضم إحصاء حول نسب الطلاق في مصر، يؤكد أنها الأعلى عالميا.
ضغوط قاسية
"عدم الرضوخ للضغوط المجتمعية بعد كسر حاجز الثلاثين.. من رابع المستحيلات." بتلك العبارة وصفت يارا عوض* حالها بعد أن بلغت السادسة والثلاثين دون زواج حتى استسلمت دون قناعة كاملة لقبول زواج لم يكمل العامين ولم يسفر عن أطفال.
تقول يارا "40 سنة" رفضت منذ البداية اتباع الخطوات المحفوظة مجتمعيا لاقتناص عريس مناسب، وسط ضغوط الأهل التي كانت نادرا ما تكتفي بالتلميح وغالبا ما تلجأ للتصريح بضرورة (الإيقاع) برجل مقتدر ماديا قبل بلوغ سن الثلاثين.
وتضيف يارا "تجاوزت الثلاثين فحاصرتني مخاوف من نوع آخر تمثلت في ضعف فرص الإنجاب وضياع حلم الأمومة"، قائلة "سمعت من بعض الأقارب عبارة (خلفي عيال وبعدين اتطلقي مفيش مشكلة)".
وتشير يارا إلى أن الضغوط التي كانت مفروضة عليها، ورتوش التجميل الذي كان يضعها الطرف الآخر في العلاقة قادتهما إلى الطلاق بعد عامين دون إنجاب، مؤكدة أنها علمت أن زوجها كان يتعاطى المخدرات دون أن يعترف لها بذلك قبل إتمام مراسم الزواج.
سوء الاختيار
وقال 16 شخصا من بين 40 رجلا وامرأة استطلعت أصوات مصرية آراءهم إن "سوء الاختيار" هو عامل رئيسي في الطلاق، لا سيما في ظل قيود التقاليد والأعراف المجتمعية، وعدم نضوج معظم الشباب والفتيات، وندرة دورات تدريب المقبلين على الزواج.
وكشفت دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في سبتمبر 2016، عن ارتفاع معدلات الطلاق في مصر خلال العقدين السابقين (1996-2015)، وأن متوسط سن الطلاق عند الذكور هو 38 عاما وعند الإناث 32 عاما.
وتقول وفاء رمسيس* إن الضغوط الاجتماعية تشكل عاملا أصيلا في اختيار شريك الحياة، موضحة أن ربط الزواج بسن معين في المجتمع، وعدم التأهيل أو الإدراك الكامل لحجم المسؤولية يساهمان في التشويش على الاختيار.
وتضيف وفاء (35 عاما-غير متزوجة) أن القيود المجتمعية تفرض انماطا سلوكية على الطرفين غالبا ما تدفعهما إلى التضليل والكذب والغموض وعدم المصارحة، ما يضاعف من احتمالات وقوع الطلاق.
وتوضح أن السماح بتدخل الأهل في المشكلات الزوجية يؤدي في أغلب الأحوال إلى تفاقمها، مؤكدة أن الإدراك السطحي للنصوص الدينية يضفي على بعض الممارسات الخاطئة قشرة من القدسية الزائفة.
"طلقة" كل 4 دقائق
ووفقا لإحصاء وبيانات مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء، فإن حالة طلاق واحدة تحدث في مصر كل 4 دقائق، وفي بعض الأحيان لا تتجاوز مدة الزواج أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، في حين يستمر في حالات أخرى إلى نحو ثلاث سنوات على الأكثر.
كما بلغت حالات الخلع عبر المحاكم خلال عام 2015 أكثر من ربع مليون حالة، مسجلةً زيادة تبلغ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014.
ويقترح حساب شخصي يحمل اسم "سمية التنوبي" على جروب "Egyptian single mothers" بموقع فيس بوك، بأن ترعى الدولة دورات لتوعية المقبلين على الزواج من خلال مكاتب ومراكز للتأهيل وتقديم الاستشارات.
وتقول سمية على الجروب الذي يضم أكثر من 10 آلاف عضو، "بدل ما نخلي الطلاق بمأذون ونعقد الدنيا المفروض الدولة تفرض دورات قبل الزواج ومكاتب استشارات توعي المقبلين علي الزواج عشان يعرفوا المسؤولية اللي داخلين عليها قبل المصيبة ماتقع وينتج عنها أطفال مشردين".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي أشار، خلال كلمته الثلاثاء الماضي بمناسبة عيد الشرطة، إلى أهمية توثيق الطلاق بحيث لا يتم إلا أمام المأذون حتى يعطي فرصة لمعتزمي الطلاق لمراجعة أنفسهم، قائلا "احنا كدولة معنية بالحفاظ على مجتمعها ما نطلعش قانون أن لا يتم الطلاق إلا أمام مأذون".
مواقع التواصل الاجتماعي
وتقول إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع العائلي والمشكلات الاجتماعية بجامعة المنوفية، إن "سوء الاختيار" هو محدد أساسي في منظومة الزواج، مؤكدة أن عدم وجود تكافؤ وتقارب بين الطرفين في الميول والأهداف والمستويين الاجتماعي والثقافي قد يؤدي إلى زيادة الاضرابات العائلية والطلاق.
وتشير، في مقابلة مع "أصوات مصرية، إلى أن عدم النضح الفكري وعدم تلبية الاحتياجات الأساسية لدى معظم الشباب والفتيات قد يؤدي إلى سرعة الطلاق، موضحة أن الظروف الاقتصادية الطاحنة وزيادة الأعباء المالية يساهمان في تفكك الأسر.
وتؤكد إنشاد عز الدين أن التطور التكنولوجي ترك آثاره الهائلة على البيت المصري وأحدث خللا في العلاقات الزوجية، حيث كان لمواقع التواصل الاجتماعي دورها البارز في اكتشاف الخيانات المتبادلة بين الأزواج، وهو ما سارع من وتيرة طلب الخلع والطلاق.
*اسم مستعار
تعليقات الفيسبوك