كتب: سعادة عبد القادر
بجسده المنهك الذي لم تكتمل راحته يحاول عمر علي رفع رأسه من على وسادته، وإزاحة الغطاء الذي كان مصدر دفء له في ليل الشتاء البارد ليستيقظ من نومه في الثامنة صباحا تمهيدا للذهاب إلى عمله بمصنع الثلج.
أمام حجرة المبيت الخاصة بعمال مصنع الثلج (16 عامل أغلبهم مغتربين) وداخل الحوش الذي يحيط بها من الخارج، يجمع عمر ورفاقه كسر الأخشاب من الأرض لإشعال النار للتدفئة، وإعداد أكواب الشاي والمشروبات الساخنة طول وقت العمل.
عمر يقول إن درجة حرارة مصنع الثلج من الداخل ربما تصل في أيام الشتاء الباردة إلى أقل من 4 درجات مئوية، مؤكدا على تأقلم عمال المصنع على طبيعة العمل داخل المصنع.
وبقطع من البلاستيك تغطي جسده، وقفاز بلاستيكي وحذاء بلاستيكي يمضي إبراهيم أبو شامة أحد العمال ساعات طويلة في تفريغ بلوكات ثلج من صناديقها الحديدية، في محاولة لمنع "البلل".
يشعر أبو شامة "بنشفان الدم في العروق من شدة البرد لدرجة الشلل"، كما يقول، حيث لا يمنع البلاستيك إحساس البرد الذي يفوق الاحتمال.
أبو شامة هو واحد من حوالي 1200 عامل يعملون في مصانع الثلج البالغ عددها 47 مصنعاً، بحسب أحمد سامي المسؤول الإعلامي بهيئة التنمية الصناعية.
في المصنع
بداخل أحد مصانع الثلج بمدينة المطرية بمحافظة الدقهلية والذي ينتج يوميا 1500 بلوك كانت درجة الحرارة تقل النصف عن الخارج.
بداية الدخول تبدأ بطرقة طويلة لا يتعدى عرضها المترين وطولها ستة أمتار، إلى اليمين من الطرقة ثلاث درجات سلم خشبي في نهايته باب مفتوح تدخل من خلاله إلى صالة التبريد التي تم تغطية أرضيتها بألواح من الخشب ذات سمك كبير لضمان متانتها، تحت الأرضية الخشبية مياه لونها أحمر بداخلها صناديق مستطيلة الشكل.
يقل طول الصناديق عن المتر بقليل وعرضها خمسة عشر سنتيمترا، ويبلغ عددها 50 صندوقا متراصة إلى جانب بعضها البعض بشكل محكم يصعب إفلاتها تمهيدا لتعبئتها بالماء العذب بعد إخراجها من مياه التبريد ثم إعادة إنزالها مرة ثانية من خلال فتحات بأرضية الصالة وباستخدام رافعة (ونش).
وبعد عملية تجميد المياه داخل الصناديق باستخدام غاز النشادر المنبعث من خلال أسطوانات ضخمة إلى غرفة التبريد الموجود بها المياه، يخرج العمال الصناديق مره أخرى ويفرغون بلوكات الثلج منها ويقومون برصها إلى جانب حائط بنهاية صالة التبريد.
الحائط الموجود بنهاية صالة التبريد والمتراص بجانبه بلوكات الثلج به فتحات صممت من الحديد بشكل مائل إلى الخارج لتسهيل عمليه انزلاق البلوكات إلى الخارج في حالة تعبئة السيارات التي تقوم بعملية التوزيع.
ويقول أبو شامة إنه لن يتردد في ترك العمل بمصنع الثلج لو توفر عمل بديل خوفا من تأثير تلك المهنة على صحته في الكبر، موضحاً أن ما يجبره على العمل بها في الوقت الحالي هو أنها المهنة التي تعلمها ولم يجد عمل غيرها.
عمالة غير مباشرة
ويضيف سامي أن هناك نحو 10 آلاف آخرين مرتبطين بشكل غير مباشر بصناعة الثلج من خلال عملهم في توزيعه ومنافذ بيعه.
من هؤلاء أحمد عبد الغني، صاحب العربة الكارو الذي يقوم بشراء الثلج من المصنع وتوزيعه على شوادر الأسماك والعصارات.
حال عبد الغني ليس أفضل كثيراً من العاملين في المصنع، حيث يشتري ما يقرب من 100 بلوك من الثلج من المصنع ويقوم بتحميلها على عربته الكارور لتوزيعها.
يقول عبد الغني إن هذا هو عمله اليومي الذي يرتزق منه قوت يومه وهو ما جعله يتحمل برودة ومشقة العمل في الثلج خاصة في فصل الشتاء.
ويحقق عبد الغني ربحاً يومياً يقدر بـ150 جنيه على أقصى تقدير من بيع 100 بلوك ثلج، حيث يقوم بشراء البلوك الواحد من المصنع بأربعة جنيهات جملة ثم يوزعه على شوادر الأسماك والعصارات بسعر 5.5 جنيها للبلوك.
ويقول سامي إن إجمالي إنتاج مصانع الثلج يبلغ 100 ألف بلوك في اليوم في فصل الشتاء، يرتفع إلى 200 ألف بلوك أو أكثر في فصل الصيف لشدة الطلب على الثلج.
الأمراض
محمود السعداوي أستاذ طب الصناعات بكلية الطب جامعة الزقازيق يقول إن العاملين بمصانع الثلج معرضون للإصابة بمرض التصلب العضلي (ALS) نتيجة اضطرب الخلايا العصبية التي تصل بين المخ والنخاع الشوكي. علاوة على الإصابة بنقص حرارة الجسم والتي ينتج عنها الرعشة وضعف الأعصاب. كما توجد احتمالية للإصابة بمشاكل في التنفس والرئتين في حالة التعرض لغاز النشادر المستخدم في عملية التبريد.
وأضاف سعداوي أنه لا توجد أي إحصائيات رسمية عن أعداد الإصابات التي يتعرض لها العاملون بمصانع ثلج.
أصحاب المصانع
يقول أحمد عواد، صاحب مصنع ثلج في القاهرة، إن صناعة الثلج تعد من الصناعات المهددة بالانقراض، مرجعا ذلك إلى أن عملية حفظ المأكولات والمشروبات بألواح الثلج تعطي البضاعة المحفوظة رونقاً طبيعياً، على عكس الانطباع في حالة حفظها داخل المبردات والتي تعطي إحساسا بأنها ليست طازجة حتى وإن كانت طازجة.
يضيف عواد أن الصناع متمسكون بصناعة الثلج على الرغم من عدم تحقيقها أرباحا كبيرة خاصة في ظل ارتفاع فواتير المياه والكهرباء. ويرفض أصحاب المصانع بيع خطوط الإنتاج خردة، لما يعنيه هذا من خسائر كبيرة. كما لا يستطيع أصحاب المصانع تغيير النشاط نظراً لأن المباني وأرض المصانع صادر لها تراخيص بالعمل في هذا النشاط ومن الصعب تغييره.
وأوضح عواد أن الجهات المنوط بها الرقابة على مصانع الثلج هي مكاتب الصحة، ومكاتب وزارة الري. الأولى تحلل المياه العذبة المستخدمة في صناعة الثلج، وتفتش على الشهادات الصحية الخاصة بالعاملين بالمصانع، والأخيرة تفتش على استهلاك المياه المقررة للمصنع. وأشار إلى أنه يستهلك 750 لتر مياه مكعب يوميا.
واشتكى عبد العال الشوى، رئيس مجلس إدارة مصنع ثلج، من ارتفاع أسعار فواتير المياه والكهرباء والتي لا تتناسب مع أسعار بيع الثلج بالسوق لتدني الأسعار والتي تتراوح ما بين 4 إلى5 جنيهات للبلوك الواحد.
ويضيف أن ارتفاع أسعار المياه والكهرباء سيؤدي مستقبلا إلى غلق المصانع وتشريد العمالة نتيجة عدم قدرة أصحابها على دفع فواتير الكهرباء.
تعليقات الفيسبوك