تحليلات وآراء

أحال مجلس الوزراء الأسبوع الماضي مشروع قانون الاستثمار الجديد إلى مجلس الدولة تمهيدا لإرساله لمجلس النواب. وهذا يعني بدء مناقشته في البرلمان خلال الأيام القليلة القادمة، وإعادة فتح باب النقاش حول موضوع شغل المجتمع الاقتصادي طوال العامين الماضيين.

وأصل الموضوع أن مصر قد استندت منذ مطلع السبعينيات إلى فلسفة اصدار قانون خاص يتيح لمن يرغب فى الاستثمار فى مجالات معينة مجموعة من المزايا والإعفاءات والحوافز، كما يتيح له التعامل مع هيئة الاستثمار باعتبارها الجهة الإدارية المختصة. وخلال الأربعين عاما التالية تعددت قوانين الاستثمار وتغيرت المجالات وتنوعت المزايا والحوافز، ولكن ظلت ذات الفلسفة قائمة، ولم يتم العدول عنها إلا جزئيا عام 2005 حينما قررت الحكومة آنذاك أن تضع نهاية للإعفاءات الضريبية.

ومع تراجع معدلات الاستثمار تراجعا حادا فى السنوات الماضية، عاد التفكير فى تعديل قانون الاستثمار باعتباره وسيلة لحل مشاكل المستثمرين، ومنحهم مزايا وحوافز جاذبة، وتنشيط الاقتصاد، كما ساد فى الاعلام ذات الاعتقاد بأن القانون هو الحل. وللأسف أنه تحت وطأة هذه الضغوط، تسرعت الحكومة السابقة بإصدار تعديل قانونى واسع قبيل انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى فى مارس 2015، وأعلنت معه عن فتح صفحة جديدة فى حل مشاكل المستثمرين وتحطيم القيود البيروقراطية.وكانت هذه ردة كبيرة فى مسار التشريع الاقتصادى لأن التعديل لم يحقق أيا من تلك الوعود بل جلب المزيد من التناقضات والصراعات بين الأجهزة الحكومية، وكانت نتيجته تدهور مناخ الاستثمار وضياع فرصة ثمينة لاستغلال المناخ الإيجابى الذى صاحب مؤتمر شرم الشيخ.

لذلك، وفى محاولة لتصحيح هذا الخطأ، عاد الحديث مرة أخرى عن ضرورة تعديل القانون أو إصدار تشريع جديد. وللإنصاف فإن وزارة وهيئة الاستثمار طرحتا هذه المرة مسودة للقانون للنقاش منذ ثلاثة أشهر، فلما تعرضت للانتقاد من العديد من الدوائر، أعادتا طرح مسودة ثانية تجنبت بعض العيوب السابقة، وهى ما أقره مجلس الوزراء أخيرا. ومع تقديرى للجهد المبذول إلا أننى أجد نفسى مضطرا للتحفظ على أربعة جوانب محددة من مشروع القانون:

أولا: أن التمسك بفكرة أن «القانون هو الحل» وأن اصدار تشريع جديد للاستثمار يمكن أن يحدث الطفرة المطلوبة، لا يخاطب طبيعة الأزمة الراهنة، لأن الواقع أن مشاكل المستثمرين تتعلق بمجالات أخرى، على رأسها عدم وضوح التوجه الاقتصادى والاجتماعى للدولة، ومنافستها للقطاع الخاص فى كل المجالات، وانتشار الفساد، وبطء التقاضى، بجانب الاوضاع الأمنية والسياسية. وهذه كلها عوائق حقيقية للاستثمار لن يحلها تشريع جديد مهما كان جيدا.

ثانيا: أن القانون المعروض يعود مرة أخرى إلى تقرير حوافز واعفاءات مالية فى شكل استرداد المشروع لجانب من تكلفته الاستثمارية من الدولة، وذلك بعدما كانت مصر قد اغلقت هذا الباب منذ عام 2005. وبرغم أن النص الجديد يقيد منح الاعفاءات بأنشطة معينة وبشروط محددة، إلا أننى لا زلت أخشى أن نفتح بذلك بابا واسعا للفساد، ونضيع على الاقتصاد القومى موارد يحتاجها للإنفاق على التنمية، ونقحم الدولة فى تحديد أولويات ومجالات الاستثمار دون داع، ونتجاهل الرسالة السياسية السلبية لإعفاء المستثمرين الجدد من الضريبة فى وقت تتزايد فيه الأعباء والضرائب والأسعار على المواطنين بلا هوادة.

ثالثا: أن القانون الجديد يسعى لمنح جميع التراخيص والموافقات للمشروعات وكذلك الأراضى المتاحة للاستثمار من خلال منافذ هيئة الاستثمار، وهذه فكرة نبيلة، ولكن لا أظنها قابلة للتطبيق، وبالذات خلال مدة التسعين يوما الواردة فى القانون، والاخفاق فيها سوف يؤدى إلى مزيد من التضارب بين الجهات الحكومية المختلفة، بما يضيع مصداقية البلد مرة أخرى كما حدث فى أعقاب مؤتمر مارس 2015.

ورابعا: أن نص القانون المعروض على مجلس النواب يعطى هيئة الاستثمار سلطات وصلاحيات ادارية شديدة الاتساع فى كل ما يتعلق بمختلف مراحل حياة الشركات والمشروعات الاستثمارية، كما يمنحها سلطات رقابية كبيرة، وهو ما قد يزيد من ثقل وتكلفة البيروقراطية التى يعانى منها المستثمرون بالفعل خاصة أن المزايا والإعفاءات الممنوحة فى القانون شديدة التعقيد وقد تفتح أبوابا واسعة لتحكم الجهاز الادارى فى تطبيق القانون.

صدور قانون جديد للاستثمار ليس خطوة سلبية ولا إيجابية فى حد ذاته، فالعبرة بالمضمون. ولا بأس بقانون جديد إن كان وسيلة لتحسين مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادى. ولكن فى تقديرى أن الأصلح للبلد فى الظرف الراهن هو الاهتمام بالمشكلات الحقيقية للمستثمرين، وتجنب العودة للحوافز والإعفاءات المالية، والحذر من الوعد بتسهيلات يصعب تحقيقها كى لا نضيف المزيد من التعقيد الادارى والتضارب بين الصلاحيات.

* المقال منشور في صحيفة الشروق بعددها الصادر يوم الثلاثاء 17 يناير 2017.

تعليقات الفيسبوك

التصميم والتطوير بواسطة WhaleSys