يتوجه نبيل العيسوى، الموظف فى شركة مواد غذائية، كل شهر إلى ماكينة السحب الآلى، ليجد راتبه الذي لا يتعدى الألفى جنيه مقتطعة منه كالعادة ضريبة الدخل.
لكن العيسوي صادف هذه المرة مستثمراً بالبورصة كان صديقاً له من الجامعة، قال له أثناء حديثه أنه لم يدفع ضرائب بالرغم من أنه حقق أرباحاً فاقت الثلاثمائة ألف جنيه من تعاملاته بسوق المال قبل عام.
يدفع الكثيرون مثل العيسوى جزءاً كبيراً من دخولهم الضئيلة في صورة ضرائب مباشرة وغير مباشرة، بينما يتعذر على الحكومة فى أحيان تحصيل مستحقاتها من آخرين، من أمثال المستثمر علي عبد الرحمن، رغم أنهم يسجلون أرباحاً ودخولاً أعلى.
فالحكومة المصرية، المتعثرة اقتصاديا، فقدت أموالاً هى فى أمس الحاجة إليها جراء عدم قدرتها على تحصيل ضريبة قدرها 10% على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل فى البورصة، خلال فترة تطبيق القانون الخاص بها في العام المالي 2014-2015.
وتسبب عدم تحصيل الضريبة في ضياع إيرادات على الدولة قُدرت بحوالى 3.4 مليار جنيه (ما يعادل نحو 183 مليون دولار وفقا لمتوسط سعر الصرف الحالي).
"الضرائب يجب أن تُدفع حتى لو كان ممول الضريبة يرى أنها غير عادلة"
ثم عطلت الحكومة العمل بتلك الضريبة لمدة عامين، في منتصف عام 2015، قبل أن تمدد فترة وقف العمل بها لثلاث سنوات أخرى (تنتهي في 2020).
وكان العام المالى 2014-2015 الذى شهد بداية تطبيق قانون ضرائب الأرباح الرأسمالية صعباً على الحكومة، أطلقت فيه برنامجها "للإصلاح الاقتصادى" والذى تضمن بشكل أساسي تخفيض الإنفاق على دعم المواد البترولية بحوالى 30 مليار جنيه، وإدراج ضرائب جديدة فى الموازنة العامة.
استهدفت تلك الإجراءات الاقتصادية خفض عجز الموازنة البالغ 253.7 مليار جنيه وقتها، والذي يعادل 12% من الناتج المحلى الإجمالى.
ورغم أن الحكومة تعتمد بشكل أساسى على الضرائب كمصدر لإيرادات الموازنة، لكنها تفشل فى تحصيل هذه الضرائب بسبب خلل فى التطبيق.
أصوات مصرية تكشف فى هذا التحقيق الاستقصائى كيف فشلت مصلحة الضرائب المصرية فى تحصيل ضرائب الأرباح الرأسمالية من مستثمرى البورصة المحليين، خلال فترة تطبيق القانون المنظم لها، وحتى إعلان تأجيل الضريبة في مايو 2015.
وجاء هذا الفشل نتيجة للمماطلة فى تطبيق القانون من قبل مصلحة الضرائب، وعدم قدرتها على إيجاد طريقة فعالة للتحصيل، وأيضا نتيجة رفض قوي لتطبيقها من جانب مستثمري البورصة.
وكان متوقعاً أن تجلب الضريبة للدولة 4 مليارات جنيه كإيرادات للخزينة العامة كحد أدنى خلال السنة الأولى لتطبيقها، بحسب التقديرات الرسمية، لكن "استطاعت مصلحة الضرائب أن تحصِل 600 مليون جنيه من الضريبة حتى الآن وذلك عن طريق التحصيل الأوتوماتيكي (الآلي)"، بحسب ما قاله رئيس قسم البحوث بمصلحة الضرائب، رجب محروس.
وقد تم تطبيق نظام التحصيل الآلي المذكور فقط على المستثمرين الأجانب فى البورصة المصرية، والذين يشكلون 20% من إجمالى المتعاملين فى البورصة، أما المستثمرون المحليون فكان يتعين عليهم التوجه لملء إقرارات ضريبة الأرباح الرأسمالية.
صدر قانون ضريبة الأرباح الرأسمالية بقانون رقم 53 فى مايو 2014، بعد تأجيل متكرر منذ ثورة يناير، وبدأ تطبيقه فى يوليو من نفس العام فى عهد وزير المالية السابق هانى قدرى دميان.
لكن تلك الضريبة رفضها مستثمرو البورصة وشركات الوساطة فى الأوراق المالية بشدة، مدعّين أنها ستؤثر سلباً على مناخ الاستثمار فى مصر.
تأخير لوائح وخلل فى طريقة الاحتساب
تسبب إصدار قانون ضرائب الأرباح الرأسمالية فى إشعال الخلاف بين وزارة المالية والبورصة المصرية، مما أدى إلى تأخير إصدار اللائحة التنفيذية من قبل الوزارة بنحو تسعة أشهر من تاريخ إصدار القانون، وهى التي تحتوى على القواعد واللوائح المفصلة التي تشرح كيفية تطبيق القانون.
وقال دميان، وزير المالية آنذاك، فى بيان رسمى صدر فى أبريل 2015 إن تأخر اللائحة التنفيذية جاء بسبب "أن المناقشات مع الأطراف المعنية أخذت وقتاً". وأضاف "هناك نقاط لم نتفق عليها فى هذه المناقشات لأنها لا تتماشى مع طبيعة السياسة الضريبية فى مصر".
وتسلمت شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزى، المملوكة بنسبة 45% لشركات الوساطة فى الأوراق المالية و50% لبنوك و5% للبورصة المصرية، مسؤولية احتساب ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة.
كانت شركة مصر للمقاصة بالإضافة إلى ذلك المسؤولة عن تحصيل الضريبة من المستثمرين الأجانب، عن طريق الخصم الآلي من صافى الأرباح بعد كل عملية بيع.
وتنص طريقة احتساب الضريبة فى المادة 64 على أن "تحدد الأرباح الرأسمالية على أساس قيمة صافى هذه الأرباح فى محفظة الأوراق المالية المحققة فى نهاية السنة الضريبية على أساس الفرق بين سعر بيع أو استبدال وأى صورة من صور التصرف فى الأوراق المالية وتكلفة اقتنائها بعد خصم عمولة الوساطة".
ولكن المحاسب الضريبى محمد عبد العظيم قال إن مصر المقاصة استخدمت طريقة حساب أخرى غير التى ذُكرت فى قانون رقم 53 لسنة 2014.
بحسب تقرير نشرته شركة مصر للمقاصة على موقعها الإلكترونى, فإن الشركة تحسب الأرباح الرأسمالية على أساس الفارق بين تكلفة شراء الأسهم يوم 30 يونيو 2014، أى قبل تطبيق الضريبة بيوم, وقيمة صافى عملية البيع، على الرغم من أن قانون الضريبة لم يذكر مسألة تقييم الأسهم فى 30 يونيو 2014 بالتحديد وإنما حددها على أساس الفرق بين تكلفة الشراء و سعر البيع.
تبنت بهذا شركة مصر للمقاصة، طريقتها الخاصة لحساب الضريبة والتي تعتمد بالأساس على تقييم الأسهم يوم 30 يونيو 2014 بدلاًمن تكلفة شراء السهم.
علق المحاسب الضريبى عبد العظيم على ذلك بقوله "لم نسمع من قبل عن ضريبة أرباح رأسمالية تستخدم يوم فرض الضريبة كأساس لحساب قيمة السهم"، هذا ولأن هذه الضريبة تحسب فى بلدان أخرى بناءاً على الفرق بين تكلفة شراء و سعر بيع الأسهم.
وقال المحامى المتخصص فى الضرائب، رامى شلش، و هو العضو المنتدب لشركة عبد الله شلش للمحاماة، إن طريقة احتساب مصر للمقاصة خالفت النص الأصلي للقانون.
"إذا اشترى مستثمر أسهما متداولة فى البورصة عام 2008 بقيمة 10 جنيهات لكل سهم، وكانت قيمة هذا السهم 7 جنيهات يوم 30 يونيو 2014، بعد ذلك قام هذا المستثمر ببيع السهم ب9 جنيهات فى فترة تطبيق الضريبة، ستحتسب شركة مصر للمقاصة أنه سجل أرباحا بقيمة 2 جنيه لكل سهم، لكنه فى واقع الأمر خسر جنيهاً فى بيع كل سهم"، بحسب قول رئيس الشركة المصرية السويسرية للوساطة فى الأوراق المالية، أكرم المصرى.
لهذا السبب، قام رئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للوساطة في الأوراق المالية، إيهاب سعيد، برفع دعوى فى عام 2014 أمام المحكمة الإدارية ضد طريقة احتساب الضريبة التى استخدمتها مصر للمقاصة, و لكنه لا يعلم مصير تلك الدعوى، و عندما قام فريق أصوات مصرية بالبحث عن ما آلت إليه تلك الدعوى عن طريق الاستعانة بمحامِ، تبين أنه لم يتخذ أى قرار بشأنها.
عندما تحدثنا إلى العضو المنتدب لشركة مصر للمقاصة، طارق عبدالبارى، فى مكالمة تليفونية لإطلاعه على هذه الآراء بشأن طريقة احتساب الضريبة، قال إن الشركة اعتمدت إحدى طريقتين لتقدير الأرباح الرأسمالية، إما على أساس الفارق بين تكلفة الاقتناء وسعر البيع، أو الفارق بين قيمة الأسهم يوم 30 يونيو وبين سعر البيع، ويتم القياس على أعلى السعرين.
وقال عبد البارى إن "هذه الطريقة تخفف الحمل من على المستثمرين في حقيقة الأمر"، فإذا كان المستثمر يمتلك سهما بقيمة 10 جنيهات، على سبيل المثال، ووصلت قيمته 25 جنيها فى يوم 30 يونيو 2014، ثم باعه خلال فترة تطبيق الضريبة بقيمة 30 جنيها, "فإننا نختار 25 جنيها كقيمة السهم... سيكون من الأفضل للمستثمر أن يحسب له أنه سجل أرباحاً بقيمة 5 جنيهات بدلا من 20 جنيها".
وأشار عبد البارى إلى أن هذه الطريقة مذكورة فى قانون فرض الضريبة، لكن فريق أصوات مصرية فحص القانون ولم يتبين ذكر هذه الطريقة في الحساب. و عندما تم إطلاعه على ما يقوله القانون والمستثمرون بشأن طريقة الحساب، قال عبد البارى إن المستثمرين من حقهم أن يتظلموا لدى مصلحة الضرائب بتقديم سجلات تعاملاتهم، وتقرر المصلحة بعد ذلك.
تحدثت أصوات مصرية الى أربعة محاسبين ضريبيين آخرين قالوا جميعاً أن الطريقة التى استخدمتها مصر للمقاصة لم تُذكر فى القانون، حيث لم يحدد القانون تاريخا معينا لتقييم السهم.
بينما قال المحاسب الضريبي محمد النفراوي إن طريقة الاحتساب هذه جاءت بالإتفاق ما بين مصر للمقاصة ومصلحة الضرائب ووزارة المالية.
تخبط فى تحديد الفترة الضريبية
على الرغم من أن قانون رقم 96 لسنة 2015 الذى عطّل العمل بالضريبة لمدة عامين كان واضحاً في تحديد مدة وقف الضريبة بدءاً من 18 مايو 2015 ولمدة عامين، إلا أن مصلحة الضرائب أخطأت فى تقدير فترة فرض الضريبة عندما أصدرت أوامرها إلى مأموريات الضرائب بتحصيل الضريبة من المستثمرين المحليين.
أصدرت مصلحة الضرائب الكتاب الدورى رقم 28 لسنة 2015 الذي تنص فيه على أن السنة الضريبية التى تبدأ فى يناير وتنتهى فى ديسمبر 2015 لن تُحصل عليها ضرائب الأرباح الرأسمالية، وذلك علماً بأن الفترة ما بين يناير و مايو 2015 كانت الضريبة سارية فيها قانوناً.
بررت المصلحة تلك النقطة قائلة أن "التعديلات التى تصدر فى منتصف الفترة الضريبية لا تسرى على الفترة الضريبية بأكملها".
بدأت المأموريات الضريبية بناء على هذا الكتاب الدورى فى إصدار إخطارات الى الممولين الضريبيين من مستثمري البورصة لدفع الضرائب المستحقة عليهم نتيجة تعاملاتهم فى عام 2014 ولم تذكر أي شيء عن الضرائب المستحقة عن الفترة ما بين يناير ومايو 2015.
علق على ذلك رئيس قسم البحوث بالمصلحة رجب محروس قائلا إن "وزارة المالية أعدت هذا الكتاب الدورى، و كان به خطأ لأن الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل بالبورصة هى أرباح استثنائية أى يدفعها المستثمر فقط في حالة تحقيقه أرباح من بيع الأسهم وليس لها علاقة بأى فترة ضريبية".
ألغت مصلحة الضرائب هذا الكتاب الدورى بعد ذلك، بعد موجة اعتراضات من محللين ضريبين اتهموا المصلحة بمخالفة قانون الأرباح الرأسمالية، وأصدرت مصلحة الضرائب فى يناير 2016 الكتاب الدورى رقم 1 لسنة 2016 و تنص فيه على أن فترة تطبيق الضرائب الرأسمالية تبدأ فى يوليو 2014 و تنتهى فى 18 مايو 2015.
وبعدما استقطعت شركة مصر للمقاصة 600 مليون جنيه من أرباح المستثمرين الأجانب فى البورصة، تتبقى مسؤولية مصلحة الضرائب فى تحصيل ضرائب الأرباح الرأسمالية من المستثمرين المحليين. وبناء على هذه المسؤولية أصدرت المصلحة كتاباً دوريا لإخطار مأموريات الضرائب بإجراءات تحصيل الضريبة.
الضرائب لم تُحصل بعد من المستثمرين المحليين
تحدثت أصوات مصرية فى هذا التحقيق مع 10 مستثمرين محليين فى البورصة، وجميعهم قالوا أنهم تلقوا إخطارات من مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية التابع للمصلحة مرة واحدة فقط بدفع الضرائب عن تعاملات 2014.
فعلى الرغم من تعديل أحكام الكتاب الدورى الأول, لم يرسل مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية إخطارات أخرى للمستثمرين المحليين بدفع الضرائب المستحقة عن تعاملات 2015.
قال مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية إن قرار إرسال إخطارات أخرى ليس من مسؤوليته، حيث أوضح خالد محى الدين، رئيس مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية، أن "مصلحة الضرائب هى التى تأمرنا بإرسال إخطارات أخرى... نحن فقط مكتب تنفيذى".
"لم نسمع من قبل عن ضريبة أرباح رأسمالية تستخدم يوم فرض الضريبة كأساس لحساب قيمة السهم"
وأوضح محى الدين أن مكتبه يعتمد على قاعدة بيانات المستثمرين لدى شركة مصر للمقاصة لإرسال هذه الإخطارات لهم "لأن معظمهم ليس لديه سجلات ضريبية".
وقال جميع المستثمرين المحليين و شركات الوساطة فى الأوراق المالية الذين تحدثت معهم أصوات مصرية فى هذا التقرير إنهم على غير علم بالكتاب الدورى الجديد.
عندما تم سؤال مصلحة الضرائب عن سبب هذا، قال محروس أن مصلحة الضرائب تصدر هذه الكتب الدورية لإعلام مأمورى الضرائب بإجراءات التحصيل وليس لإعلام دافعي الضرائب.
وعلى خلاف المستثمرين الأجانب الذين تم تحصيل الضريبة منهم، قال 10 مستثمرين محليين فى البورصة و ثلاثة شركات للوساطة فى الأوراق المالية الذين تحدثت معهم أصوات مصرية فى هذا التقرير إنهم لم يدفعوا الضرائب المستحقة عليهم بعد، وإنهم لا يعرفون أي مستثمر قام بالفعل بدفع الضريبة.
وقال إسلام أبو الفتوح، مستثمر فى البورصة، إنه لم يدفع مبلغ 30 ألف جنيه مستحقات ضريبية عليه نتيجة تعاملاته فى البورصة خلال فترة تطبيق الضريبة، وعندما سُئل عن السبب قال إنه لا يعتقد أن طريقة احتسابها كانت سليمة، بسبب مسألة تاريخ تقييم السهم.
قال أيضا رئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للوساطة فى الأوراق المالية إيهاب سعيد، ووسيط الأوراق المالية محمد بهاء الدين، ورئيس الشركة المصرية السويسرية للوساطة فى الأوراق المالية أكرم المصرى إن المستثمرين الذين يتعاملون معهم لم يدفعوا الضريبة حتى الآن.
وأكد مصدر من مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية التابع لمصلحة الضرائب، طلب عدم نشر اسمه، أن المكتب لم يبدأ فى تحصيل الضريبة بعد من المستثمرين المحليين، لأنه لم يتوجه أي منهم للمصلحة لدفعها.
وتشير اللائحة التنفيذية لقانون ضرائب الأرباح الرأسمالية إلى أن من لم يتوجه لدفع الضريبة سيعاقب بغرامات حدها الأدنى خمسة آلاف جنيه وحدها الأقصى عشرون ألف جنيه.
لكن معظم المتعاملين في البورصة ليس لديهم سجلات ضريبية، كما يقول رئيس مكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية، وهو ما سيعفيهم من دفع غرامات على تأخير دفع الضريبة.
أما مستثمرو البورصة المحليون الذين لديهم ملفات ضريبية "فسيتم إلزامهم بدفع غرامات التأخير" كما يقول خالد محيي الدين، حيث تعتد اللائحة فقط بالسجل الضريبي.
ويتعين على مصلحة الضرائب أن تصدر أوامرها لمكتب ضرائب الأرباح الرأسمالية ليرسل بدوره إخطارات للمستثمرين المحليين بضرورة التوجه لدفع ما عليهم من ضريبة، ولكن لم يستطع المكتب أن يقول ما إذا كانت المصلحة ستفعل ذلك أم لا.
بينما قال قسم البحوث بمصلحة الضرائب أنهم يعملون على ذلك ولكن بدون إبداء أى تفاصيل.
تحدثت أصوات مصرية إلى مصدر رفيع المستوى كان قائماً على تطبيق هذه الضريبة وفضّل عدم الإفصاح عن هويته، فقال إن مصلحة الضرائب "غير مؤهلة فنياً لتطبيق ضرائب الأرباح الرأسمالية لأنها تتسم بالتعقيد"، و ذلك حيث أنها مرتبطة بتعاملات و أرباح ليس لها موعد ثابت.
وفى محاولة لمعرفة القيمة الفعلية للخسائر، التى تكبدتها الدولة جرّاء عدم تحصيل هذه الضريبة بالكامل، طلبت أصوات مصرية من شركة مصر للمقاصة إجمالى قيمة الضرائب التى احتسبتها. وقال العضو المنتدب للشركة طارق عبدالبارى إن "إجمالى قيمة الضرائب المستحقة فعليا على تعاملات تلك الفترة غير معروف...هذه عملية حسابية شديدة التعقيد"، مما يعنى أن مصر للمقاصة لم تقم بإحصاء عن إجمالى الأرباح الرأسمالية وقت فرض الضريبة.
ادعاءات الخسائر أدت الى إيقاف العمل بالضريبة
لم يتوقف الأمر فقط عند أخطاء فى تطبيق الضريبة، فقد قام عدد من مستثمري البورصة خلال فترة تطبيق الضريبة، على خلفية عدم التوافق بين البورصة المصرية ووزارة المالية، بالتوجه فى مسيرات إلى مكتب رئيس البورصة المصرية محمد عمران مطالبين بتنحيه، هو ووزير المالية هاني دميان، عن منصبيهما نتيجة "الخسائر" التى سوف يتكبدوها على إثر فرض الضريبة.
قال محمد علي، مستثمر بالبورصة، إن عدد تعاملات البيع والشراء فى البورصة انخفض وقت تطبيقها "لأن المستثمرين أرادوا تجنب هذه الضريبة".
ولكن متابعة أصوات مصرية لأداء البورصة تقول رواية أخرى، فمن خلال متابعة مؤشراتها في الفترة التى كانت الضريبة مُطبقة فيها, تذبذب المؤشر الرئيسى للبورصة بين الصعود والهبوط طوال فترة تطبيق الضريبة، وبمقارنة الشهر الأول لفرض الضريبة بالشهر الأخير فإن الأداء كان مستقراً.
هذه المؤشرات تخالف ما قاله رئيس البورصة بأن ضرائب الأرباح الرأسمالية "أثرت بالسلب" على الاقتصاد المصرى، حيث ارتفع رأس المال السوقي لسوق المال فى وقت تطبيق الضريبة.
وقال نائب الرئيس التنفيذى لشركة "إتش سى للأوراق المالية والاستثمار" محمد متولى إنه علمياً ربما لم تعكس هذه الأرقام حقيقة جاذبية البورصة من عدمها بسبب الضريبة، لأن أداءها عادة ما تتحكم به الأحداث اليومية.
وفقا للبيانات السنوية للبورصة فى أعوام 2013 و2014 و2015، فإن 2014 كانت أفضل سنة للبورصة وسجلت أعلى مؤشرات للأداء على مدار 6 سنوات، وبلغ حجم الرأس المال السوقى 500 مليار جنيه فى سنة فرض الضريبة، لينخفض الى 430 مليار جنيه فى 2015 التي شهدت تأجيل الضريبة.
كان وزير المالية وقتها دميان يقول إن "تأثير الضريبة على انخفاض مؤشرات البورصة محدود"، مما يتماشى مع مؤشرات الأسهم وبيانات رأس المال السوقي.
وعلى الرغم من غياب الأدلة الحكومية على أن ضرائب الأرباح الرأسمالية أثرت بالسلب على مؤشرات أداء البورصة المصرية، قررت الحكومة يوم 17 مايو 2015 تعطيل العمل بالضريبة لمدة عامين، وافتتح إبراهيم محلب، رئيس الوزراء وقتها، جلسة التداول في البورصة في اليوم التالي.
إمكانية إعادة تطبيق الضريبة
قال الباحث في الشؤون الضريبية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أسامة دياب، إن الحكومة دائما ما تتخبط فى تطبيق الضرائب التي لها أبعاد تتعلق بالعدالة الاجتماعية، مثل ضريبة الأرباح الرأسمالية والضرائب العقارية التى تواجه الحكومة تحديات فى تطبيقها وتحصيلها.
"الضرائب يجب أن تُدفع حتى لو كان ممول الضريبة يرى أنها غير عادلة،"حسب قول الخبير فى الضرائب هانى الحسينى، الذى وصف اعتراض المستثمرين المحليين على الضريبة وعلى دفعها بأنه "صورة من صور من التجنب الضريبى".
كان من المفترض أن تطبق الضريبة من جديد فى منتصف العام القادم، بعد انتهاء فترة تأجيلها، لكن الحكومة مدت فترة تعطيل العمل بها فى نوفمبر الماضي لثلاث سنوات إضافية.
فإذا كانت الحكومة جادة حقا في إعادة تطبيق تلك الضريبة في 2020، فلن تتمكن من ذلك إلا إذا تلافت الأخطاء التي شهدها التطبيق الأول، وأهمها طريقة حساب وتحصيل الضريبة.
تعليقات الفيسبوك