الفقر وارتفاع تكلفة العلاج في مصر في ظل غياب مظلة تأمين صحي شامل وكفء، من أهم أسباب إقبال المرضى على الخضوع لتجريب أدوية جديدة عليهم كوسيلة للحصول على علاج مجاني، بحسب النتائج التي توصلت إليها دراسة أعلنت نتائجها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
ويوضح تقرير، أطلقته المبادرة اليوم الثلاثاء ويتضمن نتائج الدراسة، أن مصر تحتل المركز الثاني بين الدول الأفريقية في قائمة الدول الأكثر استضافة للتجارب السريرية، بتمويل من الشركات متعددة الجنسيات المنتجة للأدوية. ويوجه أكثر من نصف هذه التجارب لعلاج الأورام.
ويقول التقرير الذي جاء بعنوان "أسئلة أخلاقية حول التجارب السريرية على الدواء في مصر - تحديات محلية وتمويل من الشركات المنتجة"، إن شركات كبرى تقوم بهذه التجارب مثل الشركتين السويسريتين نوفارتس وروش، المسؤولتين عن 50% على الأقـل مـن هـذه الـتجارب في مصر.
ويدفع الفقر وارتفاع تكلفة العلاج في مصر المرضى للخضوع للتجارب السريرية، "بغرض الحصول على العلاج المجاني حتى وإن كانت نتائج هذا العلاج غير معروفة، وحتى وإن كانت هناك علاجات مثبتة ومصرح باستخدامها. هذا المناخ العام يسهل من استغلال المواطنين الأكثر ضعفًا واحتياجًا"، كما يوضح تقرير المباردة المصرية.
ويقول عمر، أحد السماسرة الذين يقنعون المرضى بالخضوع لتجريب أدوية جديدة عليهم، إنه يستطيع اختيار الحالات لأنه "يمكنه التعرف على الفقراء من هيئتهم ويقوم بإقناعهم بأنه سيوفر لهم العلاج، ودفع كافة التكاليف، فيقوموا بالموافقة في معظم الحالات"، بحسب شهادته الواردة في التقرير.
ويعد العلاج على النفقة الشخصية للمرضى مرتفعا للغاية في مصر، حيث يشكل 72% من إجمالي المصروفات على الصحة، ويستحوذ الإنفاق على الأدوية نحو ثلث هذه المصروفات.
وزادت التجارب السريرية بشدة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ومنها مصر، خلال الأعوام العشرين الماضية، وهي البلاد التي تزيد فيها فرصة الإخلال بالمعايير الأخلاقية التي يجب مراعاتها أثناء إجراء التجارب، كما يقول التقرير.
وساهمت البنية التحتية لمصر الجاذبة للبحث، بالإضافة للزيادة السكانية السريعة، وانتشار الجهل بالأدوية والعلاجات بين السكان في جعلها من أكثر الأماكن مناسبة لإجراء تلك التجارب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعلى خلاف المبادئ الحاكمة لمثل هذه الاختبارات التي تنص على أهـمية اسـتفادة سـكان الـبلاد مـن نـتائـج الـتجارب الـتي تـقام فـيها، فقـد أوضـح التقرير أن "عـددا قـليلا فـقط مـن الـعقاقير المختبرة في مصر يـتم ترخـيصها وإتـاحـتها في الـسوق المصرية على عـكس مـا يحـدث في الـدول مـرتـفعة الـدخـل".
وحـتى إذا تـمت إتـاحـة تـلك الـعقاقير في مصر فـعادة تـتجاوز أسـعارهـا الـقدرة المـاديـة لـغالـبية الـعائلات المصرية، حيث تبلغ تكلفة بـعض الـعلاجـات الشهـريـة "أكثر مـن 20 ضعـف الحد الأدنى لدخل الـفرد في القـطاع الحـكومي" كما يقول التقرير.
وتركز الدراسة التي يعرضها هذا التقرير على تـجارب عـلاج السرطان الـتي أقـيمت في مصر تـحت رعـايـة الشركات مـتعددة الجنسـيات، وتـرى أن بعضها يواجه تحـديـات أخلاقـية مـثل "حرمـان المرضى مـن الـعلاج الأكـفأ والـذي تـم إثـبات فـاعـليته"، واخـتبار عقاقير لم تـكن قـد سجـلت بـعد في دول مرتـفعة الـدخـل، على غير ما ينص القانون.
ويوصي التقرير بضرورة عمل إطار تشريعي منظم لتلك التجارب، يحمي حقوق المرضى، ويضمن استفادة البلاد منها، كما يتيح الشفافية الكافية بخصوص تلك التجارب ونتائجها.
تعليقات الفيسبوك