حين يكون للحياة النيابية في مصر تاريخ عريق بعمق 150 عاما، ثم تفرز تلك الخبرة الثرية مجلسا يرثى لحاله كالذي نشهده الآن، فهل يدعونا ذلك إلى التباهي والاحتفال أم إلى الخجل والانتحاب؟ السؤال من وحي الصخب الإعلامي الذي أحاط بالاحتفال بالمناسبة يوم الأحد الماضي 9 أكتوبر.
إذ ألقيت فيه عدة خطابات، ونشرت الصحف سرديات ذكرتنا بعراقة التجربة والسبق الذى تحقق بصدور مرسوم الخديو إسماعيل بإنشاء مجلس شورى النواب فى عام 1866، حين لم تعرف هناك أية دولة فى العالم العربى وأفريقيا أية صورة للتمثيل النيابى. ثم بالتطور الذى شهدته التجربة البرلمانية عبر تلك المدة الطويلة منذ ضم مجلس شورى النواب 76 من عمد البلاد وأعيانها.. شكلوا خمس لجان لمناقشة الموازنة ومعاونة الحكومة. إلى أن صار المجلس يضم الآن 596 عضوا يمثلون 19 حزبا، وأعضاؤه يتوزعون على 29 لجنة غطت مختلف الأنشطة ومجالات العمل العام. وإزاء ذلك الاستعراض، فإن ضيوف الحفل لم يقصروا فى مجاملة مصر، فوجدنا رئيس البرلمان العربى يصف التجربة البرلمانية المصرية بأنها رائدة ومصدر أمل للعرب فى التنمية، كما أن رئيس البرلمان الأفريقى اعتبر أن المناسبة تمثل عيدا لا تعتز به مصر فقط، ولكنه مصدر اعتزاز للقارة بأكملها.
الخطاب المصرى فى المناسبة ركز فى الاعتزاز بالتجربة على نقطتين أساسيتين. الأولى تمثلت فى تسجيل السبق الذى تحقق بتأسيس مجلس شورى النواب منذ 150 عاما. أما الثانية فكانت تركيبة المجلس الحالى الذى أشرك فى عضويته 19 حزبا، كما أنه ضم 90 امرأة، فضلا عن تمثيل الشباب فيه بنسبة 40% من جملة أعضائه. أما وظيفة المجلس ودوره فى الرقابة والتشريع ــ وهى مهمته الأساسية ــ فلم يتطرق إليها أحد. وأغلب الظن أن ذلك الجانب جرى التستر عليه لأن موقف المجلس من هذه الناحية يعد فضيحة سياسية كبرى. فرئيسه الذي هو أستاذ للقانون لا يجيد التحدث باللغة العربية (مجلة الأهرام العربي رصدت له 165 خطأ لغويا في كلمته التي استغرقت 19 دقيقة بمعدل 9 أخطاء كل دقيقة) يمنع أى نقد للحكومة ويرفض استجوابها. وخطبته التى ألقاها كانت تعبيرا عن ولائه للحكومة والسلطة التنفيذية، وتجديدا لبيعة رئيس الجمهورية وإشادة بدوره. بالتالي فإن غاية ما يحسب للمجلس فى دور انعقاده الأول أنه بارك كل جهود الحكومة ومرر كل ما أصدره الرئيس من قرارات بقوانين فى غيابه. وظلت تلك حدود دوره فى التشريع، أما دوره فى الرقابة فقد تنازل عنه وظل مكتفيا بالتهليل للحكومة والتصفيق لإنجازاتها.
حين يكون الإنجاز فى هذه الحدود المتواضعة، فإن العراقة والسبق التاريخى يصبح كل منهما بلا قيمة، ويغدو التاريخ شهادة تدين التجربة ولا تمجدها، إذ يفترض أن تكون المدة الطويلة مصدرا لانضاجها وإنجاحها. حيث يتوقع المرء أن تكون قد جعلت مجلس النواب منبر الشعب الأول، وإحدى المؤسسات الوطنية القوية التى تراقب أداء السلطة التنفيذية وتحاسب رموزها، كما يقوم بدور إيجابى وفعلى فى مناقشة القوانين قبل إصدارها.
وحين لا يحدث شىء من ذلك فإن المناسبة تصبح سببا فى إصابتنا بالاكتئاب والحزن، وعند الحد الأدنى فإنها تغدو فرصة لتقييم التجربة ودافعا إلى الدعوة لمعالجة أسباب العجز والإعاقة التى يعانى منها المجلس وجعلته يقوم بدور «المحلل» للسلطة وليس الرقيب عليها.
ليس فى الأمر سر. ذلك أن المشكلة أكبر من المجلس، وهى تكمن فى الظروف التى أنتجته وأرادت له أن يتحرك فى تلك الحدود، ووجدت من يقبل بذلك الدور. بالتالى فإن أهم ما فى المناسبة أنها نبهتنا إلى أننا بعد 150 سنة مازلنا نقف عند مرحلة الخديوى إسماعيل الذى أراد لمجلس شورى النواب أن يكون عونا للحكومة وصدى لها. ولا أجد فى ذلك مسوغا للاحتفال، إلا إذا كان المراد به إطلاق فرقعة سياسية لترطيب الأجواء ورفع المعنويات والحفاوة بقرار الخديو إسماعيل.
* المقال منشور في صحيفة الشروق بعددها الصادر اليوم الخميس 13 أكتوبر 2016