"الخاطف".. "الإرهابي".. "شيخ النفط الغني".. "المرأة المقهورة المغطاة بالملابس".. هذه هي الصور النمطية للهوية العربية كما تظهر في أفلام هوليوود ومسلسلاتها.
هذا التصوير السلبي للعرب مبني على رؤية سطحية للهوية العربية، ولتنوع وثراء الهويات التي يحتويها العالم العربي أو المرتبطة به، كما جاء في مقال كتبه خالد بيضون بروفسور القانون بجامعة ديترويت ونشره موقع الجزيرة باللغة الانجليزية.
وفي وقت سابق هذا الشهر، حصل رامي مالك -بطل المسلسل الأمريكي "مستر روبوت"- على جائزة إيمي لأحسن ممثل في الدراما التلفزيونية، ليصبح الممثل المصري الأمريكي أول ممثل غير أبيض يحصل على هذه الجائزة منذ 18 عاماً.
وأطلقت هذه اللحظة التاريخية سلسلة من العناوين والتغريدات التي عرفت مالك بأنه "أمريكي عربي"، بالإضافة إلى اعتبار المعهد العربي الأمريكي –مقره واشنطن- هذا الفوز "بلسم للأمريكيين العرب الذين عادة ما يتم تنميطهم أو تجاهلهم في هوليوود".
ومع ذلك، فابتهاج العرب الأمريكيين بهذا الانتصار التاريخي أصبح معقداً في وقت لاحق بسبب أبعاد معينة للهوية العرقية لمالك، وعلى وجه التحديد كيف أن وضعه كقبطي مصري يتعارض مع تعريف مالك المنتشر باعتباره عربيا، كما يقول المقال.
وفيما يعد فوز مالك لحظة فارقة للعرب أو المصريين الأمريكيين في هوليوود (أو كليهما)، إلا أنه أيضاً تجاوز شاشة التلفزيون ليتحدى الطريقة السطحية التي يفهم بها الأمريكيون الهويات المنحدرة من العالم العربي، برأي كاتب المقال.
واعتبر الكاتب أن هوليوود كانت شريكاً في التصوير المحدود والسلبي للعرب. وكان العصر الذهبي لهوليوود مشبعاً بصور لعرب كهمج رجعيين، وقبليين كارهين للنساء. ونادراً ما ظهرت الشخصيات النسائية العربية على الشاشة، وفي هذه المناسبات النادرة ظهرت كخاضعات صامتات، أو كأدوات جنسية.
وتعكس هوليوود المخاوف السياسية السائدة اليوم، ومنذ بدأت إدارة بوش حربها الدولية على الإرهاب، أصبح ظهور العرب على الشاشة مرتبطاً بشكل كبير بالحرب، والإرهاب، والخطر المحدق لكليهما.
وأعادت السينما والتلفزيون، اللذان يعتبران أفضل مرآة للمجتمع، تجسيد الصورة الشائعة للعرب على الشاشة. وتبعاً لما يظهر على الشاشة فأي شخص من المنطقة يجب أن يكون عربيا ومسلماً، ودُمجت الهويتان بشكل مشوش باعتبارهما هوية واحدة، تبعا للمقال.
وأضاف أنه تم محو الجماعات الواسعة من السكان الأصليين في العالم العربي والتي سبقت العرب، والتي لم تكن تُعرف كعرب، وغُمرت في هوية يرفضونها أو يقاومونها.
ويقول الكاتب إن الاستشراق لم يترك مجالاً للكلدانيين، أو النوبيين أو الأكراد أو البربر أو الأقباط؛ واتبعت هوليوود -التي تدعو للأيدلوجية التي اختصرت العالم العربي في كيان أحادي الثقافة والديانة والعرقية- بسعادة نفس المسار.
واعتبر الكاتب أن فوز مالك التاريخي بإيمي، والأبعاد السياسية لهويته القبطية المصرية، أعطى فرصة نادرة لعرقلة هذه العملية.
وقد واجه سيل التغريدات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمانشيتات التي تحتفي بالفوز التاريخي للعرب الأمريكيين، مقاومة من الأقباط المصريين الأمريكيين – الذين رددوا حقيقة أن "أباءه أقباط مصريون"، تبعا للمقال.
ويتعدى الأمر كونه مسألة هوية عرقية، فالصدع بين هؤلاء الذين يتبنون الهوية العربية والأقباط عميق الجذور، وفي بعض الأحيان يعج بالعداء، كما يقول الكاتب.
"معظم الأقباط في مصر يؤكدون أنهم أنقى سلالة من نسل المصريين القدماء. وكما قال لي أحد أصدقائي الأقباط: أؤكد أنني لست عربياً. أنا مصري ومن أصل فرعوني. الشيء الوحيد الذي يربطني بالعرب هو اللغة العربية"، حسبما أضاف الكاتب.
وجددت الانتقادات التي أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي والمقالات بعد فوز مالك بإيمي هذا الصدع: فاعتبار العرب الأمريكيين أن مالك واحد منهم، يعتبر بالنسبة للكثير من الأقباط المصريين مثالا آخر على فرض هوية غير مرغوب فيها عليهم، وفي أثناء هذه العملية، يتم محو هويتهم مرة أخرى، برأي الكاتب.
وأدخل هذا الصراع خطاباً أجنبياً إلى الحوار الأمريكي الأوسع عن العرق. وتقع مصر ضمن العالم العربي، وبالتالي، يفترض المنطق العرقي أن سكانها عرب أمريكيين.
ويتبنى التعداد الأمريكي بشكل ضمني هذا الإطار، مصنفاً القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كعرب.
هذه الفئة الغنية من المجموعات الأصلية في المنطقة، والخلافات والخصومات بينها لا مكان لها في التصنيف الأمريكي للعرق. لذلك، فبما أن مالك من أصل مصري فهو بالضرورة عربي، وهو اعتقاد منتشر يتضح من القصص الإخبارية الاحتفالية والعناوين التي أعقبت فوزه، تبعا للمقال.
ويرى الكاتب أن الحرب بين العرب والأقباط الذين يقتتلون حول هوية مالك مثلت انتصاراً لكل المشاركين فيها في نهاية المطاف.
فقد أتاحت للأقباط الأمريكيين منصة لمناقشة الأبعاد المتميزة والمستقلة لثقافتهم وهويتهم، وعلى نطاق أوسع، أتاحت حواراً جعل الطريقة التي ترى بها هوليوود وأمريكا القادمين من العالم العربي أكثر تركيباً. هذا حوار تجنبته واشنطن وهوليوود استراتيجياً، ولكن بدأه "مستر روبوت" بالصدفة.
والآن ما إذا كان مالك صنع تاريخ "العرب الأمريكيين"، أو "المصريين الأمريكيين"، فهذا يتوقف على الطريقة التي يعرف بها الفائز بإيمي نفسه: ما إذا كان سيأخذ جانب أحد أطراف الانقسام العربي القبطي، أو يختار تبني كليهما. وأيا كان ما سيختار، يفوز الجميع.
تعليقات الفيسبوك